إتفاق كامل من جانب الدبلوماسيين على رفض ما تردد حول إتجاه الحكومة الحالية برئاسة الدكتور عصام شرف لإعادة هيكلة وزارة الخارجية وتقليل عدد البعثات الدبلوماسية المصرية بالخارج ترشيداً للنفقات ولخفض عجز الميزانية البالغ 134 مليار جنية بزعم أن هذا الإجراء يوفر مليارات الدولارات. فقد تلقيت عشرات الرسائل والإتصالات الهاتفية تطالبنى بالتصدى لهذا الأمر، وقد أخترت من بين هذه الخطابات خطابا للسفير محمد الخشاب يقول فيه: إن حقيقة الأمور أن الخبراء الاقتصاديين ومسئولي وزارة المالية بل والدكتور على السلمي نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطى ووزير قطاع الأعمال نفسه هو أول من يعرف أن مثل هذا الإجراء يهدف بالأساس إلي كسب التأييد الشعبي للحكومة الجديدة من أسهل الطرق و بدون تحقيق فوائد مادية ملموسة أو ما نطلق عليه جعجعة بدون طحن و تصييت الحكومة علي حساب مؤسسة سيادية مثل الخارجية استغلالاً لعدم رضاء بعض أعضاء الجاليات المصرية بالخارج عن أداء بعض البعثات المصرية – و هم محقون في ذلك – و لعل النظرة الموضوعية للأمور تقودنا إلي الآتي : أن إغلاق عدد من بعثاتنا الخارجية لن يؤدي إلي وفورات مالية ملموسة تساهم في سد عجز الميزانية الكبير فأكثر من 60% من هذه البعثات من الحجم الصغير الذي يبلغ إنفاق الواحدة منها سنوياً ما بين 2.5 و 3 مليون جنية ، حيث أن إغلاق 50 بعثة دبلوماسية خارجية مثلاً و هو ما يمثل 35% من حجم التمثيل الدبلوماسي المصري الخارجي البالغ 140 بعثة تقريبا ، سيوفر ما بين 125 إلي 150 مليون جنية سنوياً علي أكثر تقدير فأين هذا المبلغ من مليارات العجز في الميزانية . أن الحكومة الحالية هي حكومة انتقالية و تسيير أعمال فلا يحق لها مثلاً أن تتخذ قرارات بشأن التمثيل الخارجي لمصر و هو حق أصيل لرئيس الجمهورية القادم المنتخب شعبياً و قرار سياسي بحت يتخذه بناءاً علي محددات السياسة الخارجية التي سيتبعها و سيحاسبه الشعب عليها . و إذا ما كنا نلتمس العذر للحكومة الحالية فيما تواجه من عجز في الميزانية و ضرورة اتخاذ إجراءات لسد هذا العجز فإن هناك بدائل أخري أمام الحكومة يجب أن تتخذها و لا نعرف سبباً لعدم الإقدام عليها حتى الآن و هو أمر يثير الشكوك و يجعلنا نضع احتمالات خضوعها للضغوط من قبل جماعات المصالح حيث لا نجد إلا هذا التفسير أمامنا إزاء هذا الصمت الحكومي ، لعل من أهم هذه الإجراءات الإعلان عن حد أقصي للمرتبات في الحكومة و البنوك و شركات الأعمال و هو أمر طبيعي ، و لا تقنعنا حجة الحكومة بأن هناك خبرات من الموظفين و المستشارين و الذين يتقاضون الملايين شهرياً لا يمكن الاستغناء عنهم ، و هو أمر مضحك فرغم وجود هؤلاء الخبراء الجهابذة يتراجع الاقتصاد و الأداء الحكومي ! أن إعادة هيكلة مؤسسة مثل الخارجية أمر هام و ضروري و لكنها ليست المؤسسة الوحيدة بل ان إعادة الهيكلة و خفض الإنفاق الحكومي يجب أن يشمل جميع مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات السيادية و الشركات و البنوك في إطار من الشفافية و علي قواعد علمية ، وهو أمر يستلزم بعض الوقت للوصول إليه وإلي أن يتم هذا لماذا لا تصدر الحكومة تعليمات إلي الوزارات والمؤسسات بتخفيض ميزانياتها من الباب الثاني ( النفقات) بما يتراوح ما بين 10إلي 15 % لهذا العام ، وهو أمر قد يسهم بقدر كبير في علاج عجز الميزانية . و أخيراً فهناك كثيرا من الإجراءات العلمية والمنطقية التي يمكن أن تقوم بها الحكومة لخفض عجز الميزانية و التي يعرفها جيداً الاقتصاديون المتخصصون ... نريد إجراءات مدروسة و ليست إجراءات لكسب الشعبية و تصييت الحكومة دونما عائد ملموس . أعتقد أن تساؤلات السفير محمد الخشاب منطقية .. فهل تجد من يتبناها ، نرجو ذلك . المزيد من مقالات محمود النوبى