عادة ما تشغلنا دائما مسألة القمح واحتياجاتنا منه علي أساس أننا نستورد نسبة عالية من استهلاكنا منه, مما يضعنا باستمرار تحت رحمة تقلبات السوق والسياسة. إلا أني أعتبر مسألة القمح هذه جزءا من كل أكبر لابد من علاجه. فرفع نسبة الاكتفاء من القمح لابد أن تناقش في إطار. السياسات التي تضعها الدولة لتضييق حجم الفجوة الغذائية في مصر. والفجوة الغذائية في حالة اتساع لأننا ننتج من السلع الغذائية أقل مما نستهلكه منها. فالفترة من0991 إلي6002 استمر معدل النمو في الانتاج الزراعي يتراوح حول نسبة2,6% وبذلك بقي أقل من متوسط معدل نمو الاستهلاك الذي وصل إلي3,4% لذا, أري المشكلة في حجم الإنتاج الزراعي وليست في مجرد القمح. وأبسط الحقائق التي يمكن استخلاصها من انخفاض متوسط النمو في الإنتاج الزراعي هي أن الزراعة المصرية في حاجة شديدة إلي تكثيف الاستثمارات فيها, فالزراعة تحتاج إلي استثمارات كبيرة تتكافأ مع مساحة الرقعة الخضراء ومع عدد ساكنيها الذين يمثلون أكثر من نصف السكان المصريين, كما تتكافأ مع ما نريده من هذا القطاع السلعي المهم. فالذي نريده بالضبط, هو أن يسهم هذا القطاع في تضييق الفجوة الغذائية المصرية. وقد يقول قائل ان الزراعة المصرية تحصل علي استثمارات جيدة بدليل وجود تلك المساحات الخضراء الجديدة التي تصل إلي آلاف الأفدنة والتي توجد الآن علي امتداد الطرق الصحراوية القديمة والتي باتت تنتج الآن51% من الإنتاج الزراعي المصري. هذا الصحيح. ولكن الصحيح أيضا أننا نلاحظ انقساما حادثا في قطاع الزراعي, رجال أعمال يحققون تنمية زراعية وفي نفس الوقت تتأصل خريطة الفقر في الريف والقطاع الزرعي فالتنمية, وهو رأي خبراء مركز العقد الاجتماعي, لم تطل صغار الفلاحين, فالاستثمارات لم تتجه إلي حيث يتم إنتاج58% من الإنتاج الزراعي المحصولي الذي يدخل ضمن مكونات الفجوة الغذائية. بالإضافة إلي أننا نلاحظ انقساما آخر يتمثل في توجيه استثمارات لاستصلاح الأراضي الصحراوية في الوقت الذي نفقد فيه الأرض القديمة التي ورثناها من أجدادنا وأجداد أجدادنا نتيجة للتعدي علي الأرض الزراعية وتحويلها إلي أرض للبناء. فتضيق الرقعة الزراعية وتفقد القري أهم أصول إنتاجها بل الأصل الإنتاجي الوحيد الذي تملكه. فيزداد فقر سكانها ويتراجع إنتاجها السلعي فتزيد الفجوة الغذائية. وإذا كانت منظمة الأغذية والزراعة تطالب الدول, خاصة الدول النامية, بإنتاج المزيد من الطعام لسكانها فإن مصر تعتبر من الدول النامية ذات الحظ الأفضل بين الدول المشابهة في درجات التطور الاقتصادي والاجتماعي في هذا المجال. فمصر تستطيع إنتاج المزيد من القمح والذرة والسكر ومن كل السلع الزراعية المحصولية والحيوانية والداجنة. لا نقول الوصول إلي الاكتفاء الذاتي وتحقيقه ولكن من الممكن تضييق الفجوة الغذائية بالرغم من زيادة التعداد السكاني وبالرغم من زيادة الاستهلاك. والسبب وراء وجود مصر في هذا الموقع الأكثر حظا هو أن الأجيال الحالية ورثت ضمن ما ورثت من إمكانيات مادية, بنية زراعية أساسية جيدة يمكن البناء عليها واستكمالها. لدينا السد العالي وخزان أسوان والقناطر الخيرية ولدينا الترع الممتدة, الإبراهيمية والمحمودية والإسماعيلية.. لدينا ما يمكننا البناء عليه. في واقع الأمر, بعد أن قرأت عدة آراء خارجة من جهات حكومية وشبه حكومية تناقش القضية الزراعية لم أجد رأيا واحدا يطالب بمشروع استراتيجي مكلف تقف الدولة أمامه عاجزة عن تمويله أو توفير احتياجاته المالية وإنما كل الذي قرأته من آراء تهدف إلي تضييق الفجوة الغذائية, استمرت تدور كلها حول مشاريع تنموية تتطلب إرادة سياسية ومجتمعية ومجموعة إجراءات تحتاج إلي تعبئة بشرية تقر الحقوق وتشرح الواجبات وتحقق الشراكة والتوزيع العادل لناتج العمل الوطني. منها وقف التعدي علي الأرض الزراعية القديمة أو تجريفها أو تبويرها بعد أن ثبت أننا نفقد سنويا نحو93 ألف فدان من الأرض السوداء المتوارثة التي هي الأساس لزراعة المحاصيل الغذائية. في الفترة من عام7002/1881 فقدت الزراعة المصرية مليون فدان من اخصب الأراضي السوداء. ويقدم العقد الاجتماعي البديل غير المكلف الذي يستوعب الزيادة السكانية في القرية المصرية. ومنها إعادة العمل بالدورة الزراعية التي كانت تحدد زراعة أنواع المحاصيل ومساحاتها وكميات المياه اللازمة لها. ومنها التمسك بتحديد مساحات زراعة الأرز السنوية ب1.2 مليون فدان, بحيث يقتصر زراعته علي محافظات شمال الدلتا وحظر زراعته في المحافظات الأخري. ومنها حظر زراعة المحاصيل العالية الاستهلاك للمياه في الأراضي الصفراء المستصلحة. محاصيل مثل الموز الذي يحتاج إلي21 ألف متر مكعب من المياه لكل فدان علي مدي العام, والعنب الذي يحتاج إلي9 آلاف متر مكعب من المياه لكل فدان سنويا. ومنها تطوير نظام الري في الحدائق المنتجة للفاكهة بحيث يتحول من نظام الغمر إلي نظام التنقيط. وتقدر وزارة الزراعة مساحة أراضي الفاكهة ب1.7 مليون فدان في حين يقدر مركز العقد الاجتماعي مساحتها بمليون فدان فقط. ومنها التوسع في استخدام التكنولوجيا الحيوية في إنتاج المحاصيل الغذائية ومنها تفعيل دور الإرشاد الزراعي في إنتاج المحاصيل الرئيسية. ومنها تعميم زراعة التقاوي عالية الإنتاج والمقاومة للأمراض في المحاصيل الغذائية الرئيسية. اقتراحات إجرائية يمكن تنفيذها نظريا ولكنها تصطدم بحقيقة أن58% من الحيازات الزراعية المصرية تقل مساحاتها عن ثلاثة أفدنة بما يعني أن الزراعات المصرية قزمية ضعيفة لا تستطيع المساهمة فعليا في تضييف الفجوة الغذائية والمساهمة في زيادة النمو الزراعي. لذا يأتي الاقتراحان الأساسيان اللذان يحتاجان إلي الإرادة المجتمعية الصلبة وهما ضرورة وضع برنامج يدعم قيام نظام تعاوني زراعي إنتاجي علي الأسس التعاونية الديمقراطية مع وضع برنامج آخر لإدخال الميكنة الزراعية في الريف المصري. برنامجان يحتاجان إلي حوار خاص لأنهما مربطا الفرس. هذه الأفكار لا تبعد كثيرا عن رؤية الدكتور وزير الزراعة. لذا لابد من مساندتها, كما قلنا, لتصبع سياسة الدولة والمجتمع معا. المزيد من مقالات أمينة شفيق