ينبغي أساسا ان نتفق علي معني الثورة ومفهومها.. فاذا ما استبعدنا منها الانقلاب الذي يطيح بنظام حكم ليستبدل أشخاصا حاكمين بغيرهم.. فانه يتحتم أيضا عدم الاعتداء بالسلطويين الذين يتسترون وراء فكرة جاذبة ثم يسعون من خلال العنف أو تهيج الجماهير إلي مقاعد الحكم وعندما يتشبثون بالسلطة إلي كل حد.. ذلك ان الثورة لاتفرض تيارا أو فئة وانما تعبر عن أغلبية الجماهير لتحقيق أهدافها ومصالحها.. وهذا فيما أعتقد كان محتوي ثورة32 يوليو1952 كما انه كان المحتوي لثورة25 يناير..2011 وان اختلف السياق والترتيب. ففي الأولي تحرك بعض من الشعب يجسده ضباط في القوات المسلحة وتم الاستيلاء علي الحكم في ليلة واحدة.. لكن هذا الفعل تحول الي ثورة عندما صبح الصباح وهبت قطاعات الشعب المختلفة تؤيد وتبارك.. وفي الثانية تحرك بعض من الشعب يجسده شباب ومدنيون من جميع الأعمار والشرائح ثم انضم إليه آخرون وآخرون وتصاعد المد حتي غدا ثورة محققة لأساسيات أهدافها بعد ثمانية عشر يوما. واذا كان الاختلاف بين الثورتين ان ثورة يوليو كان لها مجلس قيادة محدد ومعروف.. في حين ان ثورة يناير لم يكن لها ذلك.. فان يوليو ضمت في قيادتها أطيافا وطنية مختلفة علي أساس انها لاتمثل فئة بعينها أو تيارا بذاته.. لكنها تعبر عن الأغلبية وتسعي لمصالحها. وفي كل من الثورتين.. يمكن بالتحليل الموضوعي ان نطل علي ملامح الفكر الثوري للشعب المصري.. فهو ليس مولعا بسرعة التغيير.. ولا رغبة لديه في استخدام العنف وصولا إلي هدف.. وهنا لابد من التفرقة بوضوح وموضوعية بين السلام والاستسلام.. وبين المزاج الهاديء و.. العنيف.. كما نفرق بين الحكمة وضبط النفس.. وبين الرعونة والدموية! والثابت من تاريخ الشخصية المصرية انها مسالمة هادئة وديعة تتحلي بالحكمة وضبط النفس وتتعامل بالصبر.. وهذه صفات تستمدها من الأرض المنبسطة والمناخ المعتدل في غير حدة.. ومن جينات المصريين. فأقول ان الفكر الثوري للشعب المصري قوامه مصلحة الأغلبية والدفاع عن الوطن المقدس.. وترجمة لذلك فاننا نجد التشابه يكاد يتطابق بين أهداف ثورتي يوليو وهي أم الثورات العربية وبين ثورة يناير التي ستغير مسار المنطقة.. وهذه الأهداف هي: الكرامة العدالة الاجتماعية بمعني ان يعيش المواطن حرا في بلده معتزا بنفسه مالكا لإرادته, مستشعرا انه حصل ويحصل علي حقوقه الأساسية, ويمارس حياته مستثمرا ومتمتعا بالعدالة سواء بمعني سيادة القانون بلا تفرقه.. أو.. العدالة الاجتماعية.. ولقد كان هذا من المطالب العريضة لثورة يناير.. وكانت هي نفسها من مباديء ثورة23 يوليو التي مارست ليست فقط برفع وترديد الشعارات والأغاني والخطب.. وانما أيضا بالأفعال المادية.. ولذلك لم يكن غريبا ان تصدر الثورة قانون الاصلاح الزراعي في سبتمبر1952 بعد نحو ست أسابيع من قيام الثورة, وهو قانون لم يستهدف مجرد نزع الملكية من كبار الملاك وانما أيضا بل للسبب الاكثر أهمية وهو ان يصبح الفلاح المواطن المعدم الأجير.. مالكا حر الارادة ليس تابعا لأحد لايرتهن مصيره ومستقبله برضاء أحد!! وهكذا تحققت العدالة الاجتماعية لملايين المزارعين وهم القاعدة العريضة للشعب وقد شب أبناؤهم في مناخ حرية مختلفة.. ومن أحفادهم كان ثوار يناير.. ولا أريد أن اعدد مزايا يوليو.. سواء في الداخل أو عربيا دفاعا عن فلسطين والقدس وعن سائر الدول العربية.. وكذلك من الدول الأفريقية ودول العالم الثالث النامي.. وكذلك كان دورها الثوري دفاعا عن الدول الاسلامية, وعملا مستمرا في خدمة الدين, ومن ذلك تطوير الأزهر وانشاء جامعته انشاء إذاعة القرآن الكريم تأسيس المجلس الأعلي للشئون الاسلامية ومنه انبثقت وولدت منظمة المؤتمر الاسلامي.. وإرسال الوفود الأزهرية إلي مختلف الدول سواء الاسلامية أو التي بها جاليات إسلامية سواء في أقصي الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب.. ولعلي أقول.. انه بسبب أهداف هذه الثورة الأم.. وروحها الوثابة.. فقد تراجع الاحتفال بها في العقود.. وأعتقد انه قد حان الوقت, ودقت ساعة العمل الثوري لتعظيم الاحتفال هذا العام.. وليرفع أبناء يناير رايات يوليو.. ولتتلاحم القوي الثورية.. سعيا لتحقيق الأهداف الوطنية والقومية التي تزدهر بتحالف الشعب كله والقوات المسلحة جزء منه ودرع له ولكي نبني المشروع النهضوي المنشود. المزيد من مقالات محمود مراد