ما الذي حدث في لغة الحوار بالاعلام المصري بجميع اشكاله صوت وصورة, لقد تردي الحوار لمستوي لم يعد لائقا بمصر, فمصر بعد الثورة غيرها قبل الثورة, الثقة عادت للمصريين, لاخوف ولاقلق ولا رهبة, وبالتالي يجب ألا تكون هناك شماتة, انني أشغل بالي كثيرا بردود أخواني المصريين وتعليقاتهم علي مقالات الصحف المصرية والتي تأتي بمواقعها الالكترونية, حيث يتم فتح نافذة للحوار والتنفيس عن مكنون الناس, لكن للأسف الشديد ظهرت ألفاظ جديدة في قاموس لغة الحوار وتعبيرات متدنية يكتبها المعلقون علي المقالات, تجئ بأدني الكلمات وارزلها. لقد زادت بشكل كبير مساحات الاختلاف أو الاتفاف في وجهات نظر بعينها في برامج التوك شو بالقنوات الفضائية التي انتشرت مؤخرا, وللأسف بالرغم من الجوانب الإيجابية التي تم رصدها من حيث الإقبال علي المشاركة بالرأي والحوار, إلا ان معظمها غاب عنه منهج الحوار البناء, وفي كثير من الأحيان يتم تبادل الرأي حول قضايا بعينها ولايتم الوصول لحلول أو رؤي واضحة حولها, إما بسبب تدني مستوي الحوار واستخدام العنف اللفظي والمنطق العاطفي أو التعصب وعدم قبول الاختلاف والرأي الآخر أو افتقاد القدرة علي تبادل وجهات النظر واحترام الآخر, فغياب ثقافة الحوار قد بات يفرض علينا ان نتساءل عن الدور الذي تلعبه هذه الحوارات المشتعلة في الفضاء التليفزيوني في تشكيل رؤي وآراء وسلوكيات المواطن العادي علي أرض الواقع, وما هذا الذي يجري؟! وقد تراكمت الملفات في أهم قضايا الوطن حتي تضخمت, منها ما انفجر بالفعل.. ومنها مازال في الطريق ينتظر, ولاتجد من يواجهه فتكون ردود الأفعال بعد ان افتقدنا التخطيط أو مواجهة الطوارئ والكوارث ووضع السياسات حتي تراكمت القضايا وظهرت الآثام في كل مكان, ماهذا الذي يجري, فقد سادت حالة من الضغينة والحقد بين الناس يفرحون في مصائب الناس, حتي ولو كانت ظالمة, ويسعدون بسماع الاتهامات والشائعات والمصائب ولو كانت مغرضة.. ويتلهفون علي سماع الفضائح والأسرار ولو كانت كاذبة, ويتنقلون بين القنوات ومواقع الإنترنت بحثا عن الفضائح والاتهامات ولو اتصلت بالأعراض والشرف والاعتبار, بعد أن كانت الناس تغض أسماعها عنها, وتشعر بالكسوف والخجل عند سماعها أو مشاهدتها!! حتي تلوثت الآذان والأنظار, ولم تعد تستشعر في الأمر غرابة أو خجلا أو كسوفا, وكأن الدنيا قد تغيرت وتقدمت إلي الوراء!! وزاد الطين بلة أن معظم الصحف الإلكترونية سواء كانت قومية أو مستقلة باتت تخصص أماكن بعينها حول فيديوهات تم تصويرها أو أخذت من علي اليوتيوب عن فضائح بعينها, هذه ليست مصر ياسادة, فمصر أكبر من كل هذا بكثير. أضف إلي هذا أن عددا من القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية وفي سعيها المحموم لا جتذاب الجمهور تخلت عن الكثير من أدبيات ومواثيق الشرف الإعلامية والمهنية, وتخطت بامتياز الخيط الرفيع الذي يفصل بين الجرأة والشفافية المطلوبتين بشدة, ليتحول الأمر لمعارك لفظية ومحاولات لقهر الطرف الآخر في الحوار أو محاصرة الضيف في البرنامج لمنعه من التعبير عن فكرته كاملة, مما يؤدي لتكريس روح الفرقة والتعصب بدلا من ثقافة الحوار, ناهيك عن فتح الميكروفون لتلقي المكالمات الخارجية علي الهواء مباشرة, فهذه ليست حرية وليست شجاعة وليس عدلا أبدا, وقد يحدث أن يتم التغاضي أحيانا عن العدل, لزيادة مساحة الحرية في المجتمع بحجة أن الناس تحتاج إلي الحرية للتعبير عن آرائها, أو للقيام بأعمال وممارسات تمتص شيئا مما بنفوسهم من مشاكل اقتصادية أو سياسية, بشرط أن نستدعي العدل فيها, ونقيد هذه الحرية بعدم القذف والسب والكذب, واحترام الآداب العامة والمحافظة علي الشخصية الثقافية الاجتماعية في المجتمع, فالعدل هنا هو الغاية, وليست الحرية هي الغاية بل هو غاية الحرية ذاتها فطغيان الحرية علي العدل, هو أبشع أنواع الظلم. أختم رسالتي بأن جميع المصريين شركاء في صنع هذا القيود المفروضة علي الحرية, وبمعني آخر فإن لكل واحد منا الحق في أن يطالب بأن تكون حصته في تقييد الآخرين مثل حصة أي منهم في تقييده هو, وهنا تكون المساواة, وبهذا تدخل الحرية دائرة العدل ليرسم لها العدل حدود القول والفعل والتصرف والسلوك. د.حامد عبدالرحيم عيد استاذ بعلوم جامعة القاهرة