من وقت لآخر يتهم الغرب (أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية) الدول النامية خاصة (العربية والإسلامية) بمناهضة حقوق الانسان حين يرى أن هذه الدول النامية تعتدى على هذه الحقوق فى ممارساتها كذريعة للتدخل فى شئونها, ومن ثم الهيمنة عليها والسيطرة على مواردها كما حدث فى العراق حين اتهمه الغرب بمناهضة هذه الحقوق بزعم حيازته لأسلحة الدمار الشامل. وعلى الفور تدخل هذا الغرب بقيادة أمريكا فى شئونه وحدث ما حدث الذى مازالت آثاره الكارثية ماثلة أمامنا الى اليوم.. ومعنى هذا ان الغرب يستخدم موضوع حقوق الإنسان لتحقيق أغراضه بطريقة تشى بأنه يكيل بمكيالين فيستخدم هذه الحقوق مع دولة بأسلوب يختلف عن استخدامها مع بقية الدول. ولفهم أسلوب الغرب فى استخدام حقوق الانسان بهذه الطريقة غير الموضوعية نضع موضوع هذه الحقوق فى إطاريه التاريخى والاجتماعى، ونضرب مثلا يوضح كيفية استخدام الغرب لهذا الاسلوب مع هذه الدول خاصة العربية والإسلامية، ليبدو لنا كما يرى المفكر الاردنى الكبير الدكتور ناصر الدين الاسد أن قضية حقوق الإنسان بدأت فى بعض البلاد الأوروبية وانتقلت الى الولاياتالمتحدةالأمريكية وهى دول اتسمت بقدر كبير من القوة الذاتية ونالت الاستقلال السياسى، وحققت التقدم الاقتصادى ومجتمعاتها اصبحت ليبرالية .. بعد ان مرت بمراحل متعددة من الصراع انتهت الى ان تصبح مجتمعات مدنية وعلمانية.. وطبيعى والامر كذلك ان تكون لهذه المجتمعات ثقافة مختلفة فى خصائصها الاساسية عن الثقافات الأخرى، ولذلك لم يكن مستغربا ان تتسم مبادئ حقوق الإنسان بصفات هذه الاممالغربية وان تمثل روحها واحتياجاتها، وأن تغلب عليها صفة الفردية وان يقوم الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على أساس فلسفى يتمثل فى الحرية الفردية كتعبير لرد الفعل لما كان يعانى منه الغرب من أغلال القرون الوسطى فى أنظمة الحكم المطلق والاقطاع والكنيسة، ومن هنا لم يكن غريبا الخلاف حول هذه الحقوق، والتساؤل هل هى عالمية حقا يجب قبولها بصيغتها الواحدة المعتمدة فى إعلانها العالمى أم انها ذات خصوصية معينة يجب ان تراعى عند التطبيق فى المجتمعات ذات الثقافات المختلفة؟ ومن الطبيعى ان تنظر مجتمعات دول الغرب الى صيغة هذا الاعلان العالمى لحقوق الانسان على انها الصيغة المثلى التى ينبغى ان تطبق على الجميع، مدعية ان فيها الخير والصلاح وتحقيق الديمقراطية التى ينشدها الجميع!! إلا أن هناك من يرى غير ذلك تماما، فيرى أن تطبيقها فى دول ذات سمات ثقافية مختلفة انما هو اقتلاع لهذه الحقوق من إطارها التاريخى والاجتماعى، وطبيعى أيضا أن ينشأ خلاف بين دعاة هذه الحقوق، وبين الدول التى يراد تطبيق هذه الحقوق فيها، لأسباب دينية أو قومية أو سياسية، أو حتى أسباب ناتجة عن التجارب المريرة للاستعمار الغربى لهذه الدول، واذا ما أخذنا مثلا لذلك هو موضوع الحجاب وما يحدث بسببه من مشكلات لتبين لنا حجم هذا الخلاف. الذى كان آخره ما حدث فى هذه الأيام من شركة الخطوط الجوية الفرنسية بالولاياتالمتحدةالأمريكية من سلوك عنصرى تجاه إحدى المحجبات المسلمات الموظفة بالشركة حين اجبرتها على الاستقالة وترك العمل فورا بعدما رفضت هذه الموظفة خلع الحجاب كنوع من التمسك بحريتها!! حدث هذا مع ان الحجاب رمز دينى للمسلمات، وان منعهن من ارتدائه يحرمهن من ممارسة حريتهن وبالتالى مصادرة حرية العقيدة لديهن تلك التى تضمنتها المادة الثامنة عشرة من الاعلان العالمى لحقوق الانسان الخاصة بحرية التفكير والعقيدة وانه اذا كانت هذه الحقوق توافق على تعليق الصليب على صدور المسيحيات ونجمة داوود على صدور اليهوديات كرموز دينية، فلماذا لا توافق على ارتداء المسلمات الحجاب؟ واذا تم منع المسلمات من ارتداء الحجاب فهل تمنع بالمثل الأوروبيات والأمريكيات من ارتدائه فى المناطق الريفية فى أوروبا وأمريكا؟ وهل تمنع الكاهنات والراهبات فى الكنائس والمعابد من ارتدائه؟ ثم هل حقوق الانسان تسمح بحرية التعرى ولا تسمح بحرية الاحتشام حين تسمح بارتداء الملابس القصيرة (المينى والمكروجيب) وحرية ارتداء مايوهات من قطعتين صغيرتين (البكينى) وتعرية الصدور فى الشوارع والمركبات العامة تنفيذا للحكم القضائى الصادر فى نيويورك فى سبتمبر 1994 بل وحرية العرى الكامل للنساء والرجال فى الشواطئ الخاصة.. هل تسمح بكل ذلك ولا تسمح بالحجاب وأمثلة اخرى تبدو فى استغلال جسد المرأة فى الاعلانات التجارية، وعروض الازياء، وفى تقديم المشروبات شبه عاريات أو الاختبارات التى تجرى للفتيات بالكشف عن أجسادهم وفحصها من أجل قبولهن فى بعض الأعمال واعتبار ذلك حقا من حقوق المرأة ولا يعتبر الحجاب حقا من حقوقها؟ وغير ذلك من أمثلة توضح ازدواج المعايير والكيل بمكياليين عند استخدام الغرب لحقوق الإنسان. المزيد من مقالات سامح كريم