بدون اجر وبعدد قليل من الممثلين ومواقع التصوير في الشارع أو شقة صغيرة, فما المتبقي اذن لإنتاج فيلم؟ جهاز كمبيوتر محمول متطور للمونتاج وكاميرا للتصوير, يبدو أن آخر عنصرين مكلفان!, علي ما يبدو أن الامر لم يعد كذلك. الواضح التطور الذي حل علي تقنيات التصوير والمونتاج جعلت إمكانية إنتاج فيلم بدون تكاليف تقريبا أمرا ممكنا, وسينما بعد الثورة في مصر, يبدو انها تتجه بقوة لهذه الفكرة, ان تكون الأفلام بدون تكاليف تقريبا معتمدة علي المشاركة المختلفة بدون أجر أو أجور محدودة, وتصبح التكلفة كلها في عملية إعداد نسخة الفيلم للعرض السينمائي. الكاميرا الرقمية وتطورها بدخولها مجال الفيلم منذ الثمانينيات حتي حصلت افلام مصورة بالكامل بهذه الكاميرا علي جوائز عالمية بدءا من فيلم راقصة في الظلام حتي وصلنا لحصد جوائز الأوسكار والبافتا بفيلم Millionaire slum dog المليونير المتشرد. ما يجعلنا نفكر في تقنية الكاميرا الرقمية هو الظرف الزمني الذي تعيش فيه مصر الآن, وتعيشه صناعة السينما المصرية التي تبدو أنها في لحظة ترقب لا تنتهي, فشركات الانتاج السينمائي يصعب عليها الرهان بإنفاق أي أموال علي إنتاج أفلام سينمائية مصورة علي كاميرا السينما التقليدية, خاصة أن تكاليف إيجار الكاميرا وما يصاحبها من معدات أخري وعلب خام مكلفة لدرجة تجبر الشركات علي التفكير العقلاني جدا! في التعامل مع صناعة السينما خاصة أن التسويق أيضا بات غير مضمون, وقد يستمر الامر إلي بداية العام المقبل فيما سيعد أسود عام في تاريخ الفيلم المصري خاصة أن الافق لا يبدو فيه أي محاولات لإنتاج أفلام روائية طويلة الا بعض الخطوات المجهولة مثل ما تقوم به شركة افلام مصر العالمية التي نأمل أن تخرج لنا بأفلام جيدة من خلال المسابقة التي اعلنت عنها الشركة لانتاج أفلام روائية طويلة. لكن أمام عقلانية شركات الانتاج الكبري, يبدو أن الشباب العامل في هذه الصناعة لم يجد أمامه إلا التحرك الفردي, ووجد الحل في كاميرا رقمية صغيرة تستعمل فعليا في مصر وبشكل محدود منذ نحو ثلاثة أعوام تقريبا وهي المتعارف عليها باسم مجموعة D1 أوD5 أوD7 هذه الكاميرات الصغيرة في الحجم التي اضيف لها كارت خاص بتصوير الفيديو وصلت لمستوي جودة في الصورة يسمح بعد أن يتم نقل الفيلم علي شريط السينما ان تحتفظ الصورة الرقمية بجودة تصل إلي 50% من الصورة المصورة علي الخام التقليدي. بدأ استخدام هذه الكاميرات في مصر علي يد احدي القنوات العالمية, اثناء قيامها بتصوير افلام تسجيلية لن تعرض علي شاشات السينما, تعرض فقط في القنوات أو توزع علي اسطوانات ولكن انتاج هذه الافلام سمح للمصريين العاملين في مجال التصوير أن يتعرفوا علي هذه الكاميرا ومميزاتها, حتي وصل الامر لانتاج فيلم روائي طويل منفذ باحدي هذه الكاميرات وهو فيلم ميكروفون والذي عرض خلال عام 2010 وتشهد فترة ما بعد الثورة أول فيلم يتم انتاجه بجهود افراد وليس مؤسسات وهو فيلم 18 يوم, الفيلم مقسم إلي مجموعة افلام قصيرة تحكي عن ثورة 2011 من خلال مواقف انسانية بسيطة, وبعيدا عن النقد الذي تم توجيهه لصناع الفيلم قبل وبعد واثناء عمل الفيلم وعرضه في مهرجان كان, فإننا امام تجربة سينمائية تستحق الدراسة خاصة أن هناك خطة لتحويل الفيلم لتقديمه في دور العرض بشكل تجاري, لربما وبالفعل وافقت عليه الرقابة علي المصنفات الفنية يشجع استخدام الكاميرا رخيصة الثمن علي عودة الانتاج خاصة اننا دائما نتحدث عن ازمة في صناعة السينما, ونظل نتحدث ونتحدث ويبقي عنصر المال هو العنصر القادر علي تحديد هوية صناعة الفيلم المصري, لانه بدون تمويل لن تكون هناك سينما في مصر بل سيبقي الامر محاولات عشوائية واجتهادات اشخاص. السينما المصرية الآن ليست في مفترق طرق, لانه صراحة لم تعد هناك طرق, السينما المصرية الآن لا تعاني من أزمة, لأنه لم تعد هناك سينما مصرية الطابع, ولكن ما هو واضح اننا أمام فرصة لإيجاد سينما مصرية جديدة لا تلغي ما قبلها ولكن تستطيع تحقيق طفرة عما سبقها, بدءا من الادوات وأولها أدوات رخيصة التكلفة وثانيها اختيار الموضوعات وثالثها تطوير الاماكن المخصصة لتدريس فن الفيلم حتي تستطيع مواكبة التطور الذي نحلم بتحقيقه في هذه الصناعة الممتعة, فبهذا الترتيب بدأ فن الفيلم في العالم, اللعبة البصرية مبهرة في بدايتها ثم بدأ البحث عن موضوعات لتقديمها ثم انتهي الامر بمعاهد ومدارس لتعليم هذا الفن بهدف استمرار صناعة ترفيهية مربحة.