ماهو المستقبل في مصر.. وكيف سيصبح شكلها في عام2030 ؟ وماهي المتغيرات والقوي الدافعة التي ستشكل ملامح الحياة بمصر عن هذه النقطة الزمنية بالمستقبل القريب ؟ ان علم التخطيط بالسيناريو يساعدنا علي التعرف علي هذه الصورة ومحاولة فهمها حتي إن تحققت تصبح مصر أكثر قدرة علي التعامل معها, وحتي لا نفاجأ بمستقبلنا وقت صار بيننا دون استئذان أو سابق انذار فأفضل الطريق للتعامل مع المستقبل هو صناعته. إن التخطيط بالسيناريو ليس تنبؤا بما سيحدث في المستقبل, كما أنه لا يهتم بتتبع ظاهرة معينة لمعرفة كيف سيكون بالمستقبل ولكنه تتبع لمسار مجموعة من المتغيرات والقوي المؤثرة, وتوقع أو تصور ماسيكون عليه المستقبل بما يسهل متي تعاملنا مع المستقبل.. إن تحقق. بدأ الاهتمام بعلم التخطيط بالسيناريو عقب الحرب العالمية الثانية بعدما تطرق الأمر الي افتراض جدلي, وهو ماذا يحدث لو وقعت أسرار صناعة القنبلة الذرية بأيدي الأعداء ؟ ثم عادت واستخدمته شركة شيل في سؤال هام عن مكانة الشركة فيما إذا امتنعت الدول العربية عن تجديد عقود الامتياز لآبار البترول والمقررة الانتهاء عام1976. لذا قامت الشركة بوضع3 سيناريوهات للتصرف فيما إذا أقدمت الدول العربية علي رفع أسعار البترول أو إلغاء الامتياز لها. وتشاء الأقدار أن قامت حرب973, وتحقق أحد السيناريوهات بارتفاع سعر النفط الي34 دولارا للبرميل بعد ان كان لا يتجاوز سبعة دولارات. وتمكنت شركة شيل من التعامل مع الموقف لأن لديها أكثر من سيناريو مسبق تم إعداده من قبل. ولعل من الأمور المثيرة للدهشة أن شركة شيل تضع الآن علي موقعها بالانترنتwww.shell.com تصورا للعالم وكيف سيكون في عام2050 وكيف سيكون وضع النفط عندئذ وماموقف الشركات العملاقة عندما يتم الانتقال من( عصر النفط) الي( عصر الطاقة الحيوية). ويظهر التحليل في تقرير باللغات العالمية طبيعة السيناريوهات المقبلة لهذه الصناعة الحيوية. كما قدمت شركة مايكروسوفت العالمية عددا من الأفلام عن مستقبل العالم كيف سيكون في( المكاتب, الهندسة, التصنيع, التعليم, السياحة, المواصلات, الكمبيوتر) يمكن للمرء مشاهدتها وتخيل العالم كما سيكون بالمستقبل القريب, بل إن كوبا قد استضافت مؤتمرا عام2008 لمناقشة سيناريوهات التقدم والتنمية في ظل ارتفاع سعر النفط( حيث كان سعر النفط حينئذ157 دولارا للبرميل). إن التخطيط بالسيناريو من العلوم الغائبة عن مجتمعنا العربي لأنه مازال هناك من القيادات من يفكر بالمستقبل بأنه سيظل في( علم الغيب) فما جدوي الاستعداد له ؟!, في حين أن الأخذ بعلم تخطيط السيناريو سيساعد علي تحديد:(1) القوي الدافعة المؤثرة علي الحياة بالمستقبل.(2) معرفة مدي قدرتنا في التعامل مع هذه القوي عند وقوعها.(3) معرفة الجوانب التي يجب علينا التخلي عنها وعدم الاستمرار بها الآن, فمثلا ظهور البنوك الالكترونيةE-banking سوف يجعلنا نعيد النظر في شبكة الفروع للبنوك مثلا,(4) التعرف علي طبيعة المواهب اللازمة للتعامل مع هذه السيناريوهات مستقبلا,(5) تعديل وتطوير موضوعات التدريب والتنمية بما يمكن من تزويد الكفاءات البشرية بمهارات مفيدة وملائمة, بدلا من تدريبهم علي مهارات انتهت فترة صلاحيتها. وعادة ماتتم عمليات التخطيط بالسيناريو من خلال فرق عمل مشكلة من مجموعات متنوعة الاهتمام هدفها الاجابة عن الأسئلة الخمسة التالية: ماهي القوي الدافعة المؤثرة علي( الادارة, الأمن, البنوك, السياحة,... إلخ) ؟ و ماهو احتمال حدوث هذه القوي ؟ وماأهمية هذا العنصر بالنسبة لمجال الدراسة ؟ و ماهو الشكل الذي ستصبح عليه( الادارة, الأمن, السياحة,.. الخ) إذا حدثت ؟ وهل نحن مستعدون للتعامل مع هذه الأشياء إن وقعت ؟ إننا نحتاج بالضرورة الي معرفة شكل وطبيعة مستقبل مصر في مجالات عديدة منها, حتي نتمكن من التعامل مع هذه التصورات المستقبلية حال حدوثها. ولعل هذا الاهتمام هو الذي جعل من سنغافورة بلدا سياحيا من الطراز الرفيع, بعدما استمر فريقان من العمل لمدة تسعة شهور للاجابة عن سؤال واحد ماالذي يمكن عمله حتي تصبح سنغافورة/ البلد السياحي رقم واحد في العالم؟ فهل نحن كذلك في أمس الحاجة للاجابة عن أسئلة لها نفس الأهمية ومنها: ماذا نفعل حتي تصبح لدينا أقوي قناة تليفزيونية فضائية في الشرق الأوسط مع حلول عام2015 ؟ ماذا نفعل حتي تختفي الحقائب المدرسية من المدارس الابتدائية في عام2015 ؟ ماذا نفعل حتي ينظم أهالي العشوائيات في تجمعات تنمية حضارية بالريف والصحراوي؟ ماذا نفعل حتي تعود مصر لريادة الادارة والمال والأعمال والفن والصحافة والثقافة والنشر والأدب والسياسة بالمنطقة العربية والشرق الأوسط ؟ ماهو المجال الذي ينتهي به جهد الحكمة بسبق علمي عالمي فريد ؟ ماذا سنفعل لنصبح لدينا إنجاز انشائي أو معماري جديد لننضم به الي الدول ذات المزارات العالمية المعاصرة كما فعلت اندونيسيا ودبي ؟ قد نحتاج الي سيناريوهات متعددة لإعادة بناء مصر المستقبل. سيناريوهات علمية وليست تصورات متفائلة لما يجب أن تصبح عليه. علينا أن نترك آليات الادارة القديمة ونتمسك بأدوات الادارة العصرية. علينا ان نطالع الانترنت لنعرف أن إسرائيل مثلا لديها سبعة سيناريوهات معروفة مسبقا لمستقبلها, وأن لندن لديها أربعة سنياريوهات في حالة ما إذا غرقت بسبب ارتفاع منسوب المياه في نهر التيمز. وأن دول شبه الجزيرة والمنطقة العربية وحوض نهر النيل عليها أن تعد سيناريوهات مسبقة لندرة المياه. نحتاج الي تشكيل جهة معرفية عليا لوضع هذه السيناريوهات بمجالات الحياة المختلفة حتي لا يأتي المستقبل تكرارا للحاضر, ولا تستمر المشاكل بلا حلول, ويستمر الحديث عن الحلول بلا انقطاع.. أو تقع. وإن كان هناك من يقوم بهذا الجهد فمن هو وماهي نتائج أعماله ؟