حاضر بلا مستقبل هو الماضي بعينه.. وماتفعله في لحظة من لحظات الحاضر يتحول الي ماض قبل أن تعيش أيا من هذه اللحظات. هذا في شيء في الفكر وفي الواقع. ولأن الماضي والحاضر لا يسمحان لك ان تعيش في اي من لحظاتها لذلك ولكي تعيش الحاضر لابد من ان تعيشه من خلال المستقبل خيالا وفكرا وواقعا. والجودة ترتبط بالمستقبل شأنها شأن كل ما يرتبط بالحياة إنسانا وبيئة واقتصادا بمظلتها الشاملة في الصناعة والتجارة والزراعة وغيرها الكثير من شئون الحياة. وكلما عاش الانسان علي مدي رؤيته في المستقبل كلما احسن صنعا في حاضره لأنه الجزء المرئي من هذا المستقبل. لذلك فان التخطيط للمستقبل يجب ان يكون علي كل المحاور المتصلة بشئون الحياة والمرتبطة دائما بجودة ما يتعلق بهذه الشئون باعتبار الجودة هي أحد الآليات الاساسية المؤكدة لرفاهية الحياة. والدول التي تتمتع بالرفاهية والراحة هي نفسها التي توصلت الي الجودة في كل ما يتصل بحياة الانسان ولكل ما يتلقاه من خدمات في السلعة وفي المدرسة وفي الجامعة وفي المستشفي وفي الشارع وفي السياحة وفي الخدمات حكومية وغير حكومية. وهذه المجتمعات لا تعيش في الحاضر فقط بل تعيش في المستقبل, وكأنه الحاضر نفسه لأنها تملكه. كما تمتد خطواتها فيه لأبعد مدي فيطول حاضرها بنفس هذا المدي. فهي تخطيط لكل شيء علي محور بعيد من الزمن قد يكون في خطوات او مرحليات, لكنها كلها محسوبة وواضحة ومعروفة وتتابع وتقاس وتنتقل من خطوة لخطوة ومن مرحلة لمرحلة ولكل منها نهاية وطريق نحو تحقيق الهدف. والاعلان في هذه الدول عن خطط تمتد ثلاثين أو خمسين عاما يؤخذ من الجميع مأخذ الجد لا بالاستغراب او الاستهانة احيانا كما هو في الدول النامية. وعندما ننظر الي ماستكون عليه ملامح ومقومات الصناعة والجودة عند العام2050 أي بعد أربعين عاما وجب علينا ان نتخيل ماذا كانت عليه الصناعة من أربعين عاما مضت مع الأخذ في الاعتبار أن عجلة التقدم تزايدت بشكل حاد فما تحقق خلال أربعين عاما مضت تستطيع عجلة التقدم هذه ان تحققه بالقياس النوعي خلال عشر سنوات قادمة فقط او اقل لان التكنولوجيا المتاحة حاليا تحقق تكنولوجيا قادمة أسرع وأعمق وأدق وعلي مدي اقصر والمثال ما حققته ثورة تكنولوجيا المعلومات في الصناعة وفي الزراعة وفي التجارة وما يأتي من جديد فيها خلال اعوام قليلة كان لا يمكن ان يتحقق في الماضي إلا من خلال عشرات الأعوام. عندما نعود للجودة نجدها في نفس الوقت مربوطة بحكم طبيعتها بما هو متاح من تكنولوجيا ومعلومات ومقاييس ومؤشرات وعلوم وتقنية وادوات وآليات. لذلك فالجودة ناتج من الالتزام بكل هذه المقاييس لأنها انضباط يأتي من خلال ما هو متاح من وسائل للدقة والاتقان, وما هو مستحدث من تقنيات متجددة في التأهيل والتدريب علي استخدام هذه التكنولوجيات وما هو متوافر من نظم إدارة, وكذلك وسائل القياس لرصد المؤشرات وتطويرها وتدقيقها علي الدوام مع المتغيرات الجديدة. كما تعتمد الرؤية المستقبلية في الجودة شأنها شأن كل المجالات علي الدراسات والبحوث والابتكارات التي تخدمها والقدر الدائمة علي مواءمة ماهو موجود مع ماهو مطلوب. والقدرة علي تحقيق الاستفادة من المتاح ومن قنوات الاتصال المرصودة مع مواطن العلم والبحث في كل ارجاء الدنيا. وكذلك تعتمد بدرجة كبيرة علي مواءمة التشريعات دائما مع كل ما يأتي به المستقبل من جديد, فلا يمكن أن يكون التخطيط لشكل نظم الجودة ومعاييرها والتزاماتها حتي عام2050, أو حتي عام2020 وفي ظل التشريعات السائدة التي تحكمها أو تطولها والتي قد تكون صادرة من50 عاما او30 عاما مضت فتكون كمن يبني بطلا في امكانياته الجسدية ومحكوم بتعليمات ولوائح تقيد حريته. صحيح ان مصر قد حققت خلال الخمس سنوات السابقة قفزة كبيرة في الجودة عندما بدأت من خلال برنامج تحديث الصناعة في بداية العقد الحالي بخطة قومية للجودة تحولت الي برنامج قومي للجودة يشمل كل مكونات البنية الاساسية للجودة من مواصفات ومعامل وتوكيد جودة واعتماد كان عائدها قفزة مناظرة في الصادرات. والطفرات دائما لا تحقق إلا من خلال رؤية كاملة لكل المشوار والاستمرار في العمل والذهاب الي اقصي مدي في المستقبل لضمان الحفاظ علي هذه القفزات. لقد وضعت العولمة كل الدول علي مضمار واحد اصبحت كلها تجري فيه. وما يتحقق لأي منها بقدر ماتقع عيناها علي أقصي مدي في هذا السباق. لقد اصبح رهان الجودة كسباقات التتالي إذا قصر أحدهم اثر علي باقي المتنافسين. لذلك فان تحقيق الجودة علي محور المستقبل من خلال خطط ترتبط بمجال معين لابد ان يكون موازيا لها وبنفس الرؤي لما يرتبط بها من مجالات أخري. فتحقيق الجودة في الصناعة يرتبط بثقافة الجودة ليس فقط للعاملين فيها ولكن بكل من هم علي صلة بمخرجاتها من تجار ومراقبي تفتيش ومستهلكين. ايضا من خلال خطط لثقافة الجودة يتوازي معها خطط الوعي التعليمي بالجودة ومؤشراتها وعلي نفس محور ومحطات الزمن وخطط الرعاية الصحية وخطط الخدمات كلها قد تكون في مضمار وحارات آخري من السباق لكن كلها في ملعب واحد. ولا يمكن ان تتحقق معايير الجودة بشكل كامل بعد عشرين عاما, وتظل الجامعات المصرية في بحوثها واختراعاتها خارج قوائم الجامعات العالمية المتميزة رغم ان خريجها من مهندسين وكل التخصصات الأخري هم العاملون في الصناعة وفي التجارة وفي الزراعة وفي غيرها. كما لا يمكن ان تتحقق بشكل كامل مؤشرات الجودة في المستقبل والرعاية الصحية للعاملين في المصانع والمؤسسات التي ترتبط بها تفتقد لمعايير الرعاية الصحية السليمة. والمؤكد أن مصر حاليا فيها كل عناصر القوة اللازمة من إرادة سياسة قوية وداعمة وعلماء بكل ما تمثله الكلمة من دلالة وفي كل فروع العلم. الكثير منهم يخططون ويعملون ويبحثون في أعرق الجامعات والمؤسسات بالخارج وهم في الداخل قوة كبيرة لو انطلقت في هذا السباق الحتمي نحو المستقبل لحققت لمصر كل ما تتمناه. مصر بها إرادة شعبية لا تعرف مكانها بالضبط ولكن كلنا نشعر بها ونراها ونسعد بها ونعيشها في الأزمات ووراء كل ما هو قومي حرب وسلم, وما الاعجاز القاري الذي احدثه المنتخب القومي لكرة القدم إلا دليل مؤكد لقوة الإرادة المصرية عندما تريد. والجودة في كل ذلك مظلة وعباءة لكل الأعمال الجيدة وفي كل المجالات وعلي كل المستويات.