بعد ثورة25 يناير, تعيش مصر علي أعتاب مرحلة جديدة من الزمن تشهد الكثير من التحديات المحلية والاقليمية والعالمية, تحديات تحتم علينا أن نكون مؤهلين سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعلميا, حتي نقول كلمتنا, ونسمع صوتنا للعالم. أن واجبنا تجاه أنفسنا وتجاه البشريه الآن أكثر من. أي وقت مضي, حيث تتصارع الثقافات والحضارات لإثبات هويتها والحفاظ علي خصوصيتها في هذا المنعطف التاريخي الحرج الذي يموج بأفكار جديدة, يحتم علينا أن نعيد لمصر كرامتها وعنفوانها منذ أيام التاريخ الفرعوني والحضارة العظيمة التي تركها أجدادنا, وما زلنا نعيش علي ذكراها, ولن يجد هذا الجيل خيرا من روح أو ثقافة هذه الأيام التي ثارت فيها مصر كلها من أجل أن تجد مكانها ومكانتها اللائقة كدليل ومرشد, فهي في رأيي معين حضاري لا ينضب يساعدنا لو تأسينا بروحها, وألا ننظر إليها فقط كمناسبة تاريخية أو كما يقول المؤرخون تركة تاريخية أو صفحة من صفحات التاريخ, فالمقوله الشهيرة تؤكد أن البشر صانعو التاريخ وقد كنا من قبل صانعيه... فهل نستطيع أن نستفيد بهذه الروح ونحولها إلي منظومة متكاملة لممارسة الفكر والتدبر في حالنا العلمي مما سيكون له أكبر الأثر في إثراء حاضرنا ومستقبلنا. إن التقدم العلمي الذي ننشده لمصر لن يأتي بين ليلة وأخري.. فالتقدم هو نتاج سنوات متتابعة من العمل والجد والاجتهاد والتضحيات يؤدي ذلك في النهاية إلي تراكم مجموعة من القيم للدرجة التي تصل معها للتشبع والاقتناع لدي الفئة العظمي من المجتمع وبما يمكن هذه القيم في النهايةمن أن تقود المجتمع بكامله إلي التقدم المنشود.. فالتقدم قد يبدأ من جيل ولكنه يتحقق عند أجيال أخري تالية.. المهم أن يوجد من يقود ويوجه ويرشد المجتمع إليه.. وتلك هي المشكلة الرئيسية في نظرنا.. نادرا ما يجد هذا الشعب- علي مدار تاريخه- من لديه القدرة الحقيقية علي قيادته وتنظيمه.. سواء زعيما تلتف حوله جموع الشعب أو مشروعا تلتقي حوله الأغلبية بهدف تحقيق هدف واحد معروف ومحدد يتفق عليه الجميع ويعمل الجميع من أجله وفي اتجاه واحد فقط لتحقيقه, ونخلص إلي أن نهضة مصر لن تتم إلا من خلال تحقيق إصلاح جذري للتعليم والبحث العلمي, وهذا ما حدا بمصر بالبحث عن مشروع عملاق يؤدي في النهاية إلي تحسين التعليم والولوج إلي إيجاد قاعدة علمية عظيمة, فكان الأمل بما قدمه الدكتور أحمد زويل من مشروع رائد تراوح في مكانه أكثر من عشر سنوات, وأخيرا وبعد ثورة25 يناير شعرنا بأنه سيخرج إلي النور, وبالفعل أعلن منذ أيام قليلة عن بدء تفعيل المشروع العملاق, ولكن للأسف الشديد لم يتمكن الكثير من علماء هذا البلد وهم كثر, من التعرف علي الرؤية العامة للمشروع ورسالته ومنهجيته واستراتيجياته وخططه ومراحله الزمنية وأعتقد أن الدكتور زويل لم ينته منه بعد, بل هو في مرحلة يطرح فيها خطوطا عامة, ولم تصدر وثيقة جامعة تشرح كل الأبعاد السابقة علي نحو يبني مشاركة حقيقية في صنع القرارات المتعلقة بهذا المشروع الوطني الكبير. إن أول آفة تصيب أي أمة في مشروع ما أو هدف قومي هو أن توجه كل اهتمامها وأمانيها إلي الكم وليس الكيف.. ففي كل مناحي حياتنا كان أساس عملنا هو الكم وليس الكيف.. حتي في وسائل قياس نجاحنا في مشروع ما عادة ما نلجأ إلي هذا الأسلوب المعيب. حتي أصبح مفهوم الجودة غريبا علي مفردات حديثنا.. وانعدمت لدينا ثقافة التجويد, لقد اعتبرنا العنصر البشري لدينا عبئا ومشكلة يجب معالجتها.. ولم نعتبره موردا ضمن الموارد النادرة التي تمثل لنا ميزة يمكن أن تضاف إلي الموارد المتاحة لديناإذا ما عملنا علي تأهيله وتدريبه وتثقيفه وتطويره طبقا لمقتضيات العصر.. لم نهتم بجودة العملية التعليمية بقدر اهتمامنا ببناء أكبر عدد من المدارس والجامعات فقط حتي تستوعب الزيادة البشرية.. وهكذا حال كل إنجازاتنا.. فقد كانت إنجازات خادعة.. وتم الاهتمام بالجدران والمباني دون اهتمام بمن يشغلها وبمن لديه القدرة علي إدارتها, لقد تناسينا ثقافة الإنتاج الحقيقي والقيم التي تنتج عنها.. متجاهلين أن الغرب قد حصد هذا التقدم سياسيا واقتصاديا- بعد سنوات وسنوات من العمل الشاق والمضني من جيل إلي جيل في تتابع منظم ومرتب ومخطط.. تجاهلنا عن عدم رؤية- أن إنتاج أي منتج أو تطويره وراءه سلسلة طويلة من النجاح والفشل والتعليم والتدريب والكفاح والعملوالإبداع والتفكير والتطويروالأبحاث والدراسات.. وليس مجرد منتج تم إنتاجه وانتهي المطاف.. حتي أننا لم نشغل بالنا بكيفية استخدامه بالشكل الأمثل.. أختم كلماتي تلك, بأنه من أجل أن نخطو نحو جعل العلم معرفة بذاكرة واعية فإن الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا العلم في مصر علي وجه الخصوص سيساعد علي خلق ثقافة علمية أصيلة وبالتالي سيمكن من خلاله رد الاعتبار للعلم في مصر.