ربيع الثورات العربية (2) أعتقد أن هدير الجماهير الغاضبة في ربيع الثورات العربية ليست هدفا في حد ذاته وإنما هو مجرد وسيلة اضطرارية لكسر حالة الجمود والترهل التي أصابت الأنظمة العربية نتيجة طول البقاء في السلطة الذي أدي إلي شيوع الفساد وتوحش الاستبداد بدعاوي الأمن والاستقرار. أريد أن أقول: إن الجماهير الغاضبة في معظم بلدان العالم العربي تحلم وتصر علي تحقيق حلمها في أن يكون التغيير والإصلاح عنوانا عربيا تتجه إليه أمتنا بكل أدوات العلم والتعليم.. وبكل أسلحة الوعي والتصميم التي تؤكد قدرتنا علي ركوب قطار المعرفة وحسن الفرز والانتقاء للقيم والأفكار الجديدة التي لا تتعارض مع مصالح الأمة ولا تشكل تهديدا لأمننا القومي. ومعني ذلك أننا لابد أن نبدأ ومن الآن.. وأن تكون البداية جادة وصحيحة لتحديد الملامح الأساسية في استراتيجية عربية محددة الخطوات واضحة الاتجاهات. بشأن حتمية التحول الديمقراطي لتداول السلطة وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية ، ثم يكون بعد ذلك لكل قطر عربي - علي حدة - فرصة ترتيب أجندته الخاصة وفق الاعتبارات الذاتية من ناحية .. وصوب الأهداف التي يتوخاها ويقصد تحقيقها من ناحية أخرى . وإذا كان صحيحا أن النموذج الغربي للديمقراطية يبدو قويا وقادرا وملهما ومثيرا للاهتمام .. فإن في تاريخنا العربي والإسلامي محطات مماثلة انتعشت فيها ثقافة الشورى.. والفارق الوحيد هو أن الغرب ثابر علي تطوير تجربته الديمقراطية بالتوازي مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية ، بينما نحن اكتفينا ببعض المحاولات التي ضربت بواسطة القوي الأجنبية أحيانا .. ولم نستثمر كثيرا من الصحوات التي جري إجهاضها بصدمات داخلية في أحيان أخرى. إن الديمقراطية الغربية التي تثير الإعجاب هي محصلة تطورات وخبرات متراكمة لسنوات طويلة .. وليس مجرد قرار أو توجه ربما يصلح كنقطة بداية .. ولكنه يتطلب جهدا ووقتا لكي يفرز التطور الاقتصادي والاجتماعي قوي وجماعات سياسية تعبر عن نفسها وتدافع عن مصالحها في ظل حياة حزبية سليمة تعتمد علي التنوع والتوازن من خلال أطر دستورية وقانونية واضحة ومحددة. وفي اعتقادي أن كل الرايات المرفوعة في ربيع الثورات العربية سوف تظل مجرد أحلام ما لم نستطع أن نعيد الاعتبار للعقل العربي .. وأن نقيم جسرا متينا يربطه بتراث الماضي وكل ما به من أصالة وآفاق المستقبل وما تحمله من جديد. إن علينا أن نتحدى بعض مظاهر العجز اعتمادا علي العقل الذي يقدر علي قراءة لغة العصر.. وأن نؤكد أن عجزنا ظرف استثنائي لا ينبغي السماح له بإشاعة أجواء اليأس ، وإنما هو سبيلنا ومنطلقنا لإيجاد البدائل التي تسرع بخطانا الحثيثة نحو الديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية.
خير الكلام: الدرب طويل والدين ثقيل ولكن الحلم ليس بمستحيل ! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله