لعل أخطر ما أسفرت عنه الموقعة الدامية في ميدان التحرير بين قوات الأمن المركزي وشباب الثورة, أنها أيقظت في نفوس الثوار الحاجة الي ثورة شعب أخري لا يكون شعارها الدستور أولا ولا الانتخابات أولا, وإنما المحاكمات أولا وأخيرا. والأشد خطورة أن الموقعة وتداعياتها المحزنة أعلنت عودة البلطجية لتأديب الثوار, بل وتهجيرهم من ميدان التحرير الذي تؤكد كل المؤشرات أنه ربما يتحول في ظل الغياب الأمني الكامل المتكامل من مقر ولادة الثورة الي مقبرة لشهداء الثورة, هناك حالة ارتياب عام في ظل مناخ يتضاعف فيه نزيف القلق علي الثورة, خاصة عندما استشعر الناس أن هناك متاجرة بدماء الشهداء الذين كنا نعلق عليها الآمال في أن تكون اللبنة الأولي في بناء التقدم. ونحن نسأل أين الحكومة المسماة بحكومة الثورة, والي أي ثورة تنتمي بالضبط؟ هل ثورة25 يناير أم الثورة المضادة لها؟ لعلها تشتري راحة البال وتتوقف عكننة الاحتجاجات التي تطالب بالمستحيل, والضحية هنا هي الحقيقة التي لا يملك أحد حق الدفاع عنها لأنه لا يعرف أصلا أين هي؟ دعونا نرجع الي الوراء قليلا لإعادة قراءة تاريخ الثورات المصرية لعلنا نلتمس الإجابة عن السؤال الصعب: هل نحن حقا في حاجة الي ثورة شعبية جديدة لانقاذ الثورة القديمة؟ التصنيف التاريخي للثورات المصرية يقول إن ثورة عرابي هي أم الثورات, فهي أول ثورة قام بها الجيش وانضم إليها الشعب, وثورة23 يوليو قام بها الجيش وانضم إليها الشعب, وثورة25 يناير2011 قام بها الشعب وانحاز لها الجيش, أما ثورة19 فقد قام بها الشعب وحده, فهي ثورة شعبية بمعني الكلمة, يكفيها أنها فجرت ثورة في الهند وثورة في سوريا وثورة الريف في المغرب بقيادة الأمير عبدالكريم الخطابي, وثورة في ليبيا بقيادة عمر المختار, وثورة الدروز بقيادة سلطان باشا الأطرش. لكن القراءة المنصفة لثورة25 يناير تجعلها قريبة الشبه من حيث الملامح والقسمات لثورة19 علي الوجه التالي: كل من ثورة19 و25 يناير تميز بالتلقائية في الهبة الشعبية والاجماع واذا كان زعيم الهند غاندي قال إنه تعلم من ثورة19 ومن زعيمها الخالد سعد زغلول كيف يقاوم الاستعمار البريطاني في بلاده, فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو أعظم من قام بتشخيص ثورة25 يناير حينما قال وبحرارة لا تخلو من ميل الي الجذور, قال إن ثورة الشعب المصري هي ثورة ملهمة ليس للشعب الأمريكي وحده, وانما لكل شعوب العالم. واذا كانت ثورة19 قد أعادت للفلاح المصري كرامته وألغت قانون السخرة الذي كان يعطي الحكومة الحق في التجنيد الإجباري المجاني للفلاحين للعمل في مؤسسات الدولة, أيضا فإن ثورة25 يناير أعادت الكرامة للمواطن المصري ولأول مرة في تاريخه تصبح كرامة المواطن قبل هيبة الدولة. واذا كان سعد زغلول مع الفارق, أعلن أنه زعيم الرعاع, فإن عصام شرف حصل علي لقب جديد في الميدان وهو أنه رئيس الفقراء وليس رئيس الوزراء, لكنه خيب الآمال وأهدر العدالة الاجتماعية حينما استجاب للموظفين المحتجين لزيادة الحد الأدني للأجور تراجع عن وعوده لأصحاب المعاشات.., ويبدو أنه أصبح عاجزا أيضا عن وضع حد أقصي للأجور. لكن للانصاف فإن الفرق هو أن ثورة19 كانت ضد المستعمر الأجنبي, أما ثورة25 يناير فقد كانت ضد المستعمر الوطني وهو حزب وطني أيضا.. كما أن الشهداء في ثورة19 قد قتلوا برصاص الانجليز, أما الشهداء في25 يناير فقد قتلوا برصاص أبناء وطنهم الذين صدر لهم الأمر بقتل اخوانهم لمجرد أنهم خرجوا في مسيرات سلمية تطالب بالتغيير.. دعونا نستعير من قاموس نخبة ما بعد الثورة عبارة التوافق مع انني لا أوافق عليها كثيرا.. تخيلوا أحد السياسيين الكبار يقول: يجب أن نتوافق علي رئيس جمهورية جديد يبصم عليه الشعب لا أحد ضد التوافق من حيث المبدأ.. فلا دستور بلا توافق وحتي لا مستقبل للثورة إلا بالتوافق مع المجلس العسكري الذي فوضه الشعب عن ثقة في أن يكون هو الحاكم له. فقط نحن نسأل.. متي يتم التوافق حول أم القضايا وهي قضية الأمن والحرية, خاصة بعد أن فشلت الثورة في أن تمحو أو علي الأقل تضع حدا للعداء بين المواطن وضابط الشرطة الذي ظهر بسفور في موقعة الثلاثاء والأربعاء الداميين صحيح أنها قضية قديمة سقطت في حبائلها أنظمة الحكم الثلاثة في عهود عبدالناصر والسادات ومبارك.. لأنها انحازت انحيازا أعمي للأمن علي حساب الحرية.. لكن ألا تكفي سلمية الثورة لتكون العربون الذي يقدمه الشعب مقابل العيش الحر في سلام وأمان حقيقيين.. هل عدد الشهداء غير كاف؟ أم ماذا؟.. وفي النهاية لطالما قلنا وقال غيرنا, إن استقرار الأوطان وأمنها شأن أكبر من أن يترك لرجال الأمن وحدهم وانما يظل دورهم متأخرا في الترتيب بعد جهود رجال السياسة والاقتصاد والاجتماع, حيث آخر الدواء الكي كما قال استاذي الكاتب الكبير فهمي هويدي في كتابه المقالات الممنوعة. ملحوظة: في16 ابريل1975 اختار الرئيس أنور السادات محمد حسني مبارك نائبا له وقال اخترته نائبا ليس لكونه طيارا أو قائدا للقوات الجوية أو أحد قادة اكتوبر, ولكني اخترته قبل هذه الاعتبارات لأنه يمثل جوهر الإنسان في وطننا.. كان يواجه الموت بل يقتحم الموت ليحمي لنا الحياة.. ولا تعليق.. من الأخبار السارة الشحيحة في زمن الثورة حكم المحكمة العسكرية بإعدام5 مجرمين في الاسكندرية قتلوا مواطنا ومثلوا بجثته في الشارع.. ولا تعليق. في يوم الأحد الموافق14 نوفمبر1954 قرر مجلس قيادة الثورة تنحية محمد نجيب وتم تحديد اقامته في قصر المرج مملوكا للسيدة زينب الوكيل وصادرته محكمة الثورة, وقد نشرت الصحف في نفس اليوم اعترافات من قادة الاخوان المسلمين تؤكد صلة اللواء محمد نجيب بمؤامرة الاخوان.. ولا تعليق. فوجئت بأحد شباب البيزنس يطلب مني الانضمام الي حزبه الجديد قلت له هل أنت قادر علي تحمل أعباء تأسيس حزب جديد, قال في ثقة هذا أعظم مشروع تجاري بعد الثورة سيتم تمويله وبمبالغ كبيرة من الاتحاد الأوروبي والأمريكان.. ولا تعليق. المزيد من مقالات محمود معوض