هناك شيء غامض يحدث في مصرالجديدة حركة نشيطة جدا للهدم والبناء تقريبا لايوجد شارع خال من أعمال بناء لأبراج ضخمة ذات أحد عشر دورا, ولا أدري لماذا يمنح الحي تراخيص بأحد عشر دورا بالذات, وليس10 أو12 مثلا, هذه الأبراج التي أعتبرها من أسوأ الاختراعات التي أوجدها الإنسان تحجب السماء وتصنع تلوثا بصريا وتسبب مشاكل لاحصر لها. فما يحدث الآن فيها هو عملية تدمير لتراث معماري رائع لايمكن أن يتكرر, فمصر الجديدة التي بنيت منذ مائة عام, التزمت بطراز معماري منفرد يجمع بين المعمار الهندي والبيزنطي والاسلامي في مزيج واحد, الأمر الذي أنتج مجموعة هائلة من المباني المميزة رائعة الجمال والتي تتناسق مع بعضها بعضا, كما أن قوانين الحي الأصلية تمنع البناء علي أكثر من60% من مساحة الأرض. مع ترك المساحة الباقية كحديقة للمبني, وبالطبع لاتلتزم الأبراج الجديدة بهذه القواعد, حيث يتم البناء علي مساحة100% من الأرض دون ترك سنتيمتر واحد ويرتفع البرج الهائل كخازوق وسط العمارات الصغيرة, وغالبا مايتم دهان واجهته الامامية فقط مع ترك الواجهة الخلفية والأجناب علي الطوب الأحمر دون تبييض. إن مايفعله برج كهذا أيضا هو أنه يجذب للسكن أعدادا هائلة من الأسر الغنية القادرة علي الدفع ويكدسهم في مساحة صغيرة جدا من الأرض, بخلاف الأنشطة التجارية المزعجة التي تقام في الأدوار السلفية هذه الأسر التي تنتمي إلي طبقة معينة يمتلك كل منها سيارتين علي الأقل, وهكذا تمتليء الشوارع فجأة بسياراتهم, وتنشأ مشاكل الزحام والاختناقات المرورية وعدم وجود أماكن كافية لصف هذه السيارات, كما أن هذه الأسر تقوم بتركيب تكييفات في جميع غرف المنزل, وبالتالي يمثلون ضغطا كبيرا علي شبكات الكهرباء في المكان, وهي غير مصممة أصلا لتحمل كل هذه الأحمال, فتبدأ الأعطال وانقطاعات التيار, ناهيك طبعا عن مشاكل الضغط علي شبكات المياه والصرف الصحي, وهكذا ينتهي الحال بالحي إلي التدهور المستمر. ويستطيع صاحب العين الملاحظة اللبيبة بخلاف ملاحظة عمليات البناء المستمر في الحي أن يري أن هناك الكثير جدا من العمارات التي أخليت من سكانها, وتم نزع شيشان وزجاج نوافذها تمهيدا لبدء عمليات الهدم. أضف إلي كل هذا أن الحي يقوم من آن لآخر بهدم أجزاء من الأرصفة لتوسيع نهر الشارع, بما يتضمنه هذا من اقتلاع أشجار الرصيف, لتضاف هذه المساحات الخضراء المفقودة إلي حدائق العمارات المهدومة التي يتم اقتلاع أشجارها لتوفير كامل مساحة الأرض لبناء الأبراج, وبالتالي ينتهي الأمر بالمكان إلي المزيد والمزيد من القبح. وإذا استمر الأمر كذلك ففي خلال10 سنوات فقط ستتكرر مأساة حي المهندسين في مصر الجديدة, فنفس مايحدث الآن من هدم للعمارات الصغيرة الجميلة, والنهوض مكانها بأبراج هائلة تكرر في المهندسين في عصور سابقة, فاليوم تحول السير في حي المهندسين إلي عذاب مقيم, حيث لايوجد موقع لقدم واحدة ولاحتي لعجلة سيارة. د.ميشيل حنا