رغم أن الطبقة الوسطي في ايران تتميز بارتفاع مستوي التعليم والثقافة مقارنة بدول عديدة في المنطقة بما فيها تركيا ذاتها إلا أنها فشلت في قيادة المجتمع الايراني إلي مكانة سياسية أفضل علي المستويين الإقليمي والدولي وأسباب ذلك عديدة ولكن يأتي في مقدمتها انقسام تلك الطبقة وتعرضها للحصار والتهميش من رجال الدين والساسة الذين يحكمون البلاد. فالواقع ان ايران مازالت تراوح مكانتها في الوقت الذي كان من المفترض أن تكون فيه في وضع اقتصادي أفضل بما تملكه من موارد كبيرة حيث أنها تمتلك ثروات معدنية هائلة ولديها قطاع صناعي ضخم وتنتج حوالي4.2 مليون برميل بترول يوميا وحوالي30 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي مما لايجعلها مستوردة للبترول مثل تركيا بل علي العكس تحصل علي دخل كبير من تصدير البترول والغاز بلغ حوالي100 مليار دولار عام2009 و70 مليار دولار عام2010. ولكن الحقيقة هي أن هناك تباينا متعمدا في توزيع الموارد المادية لصالح الطبقات الفقيرة من الناحية الاجتماعية, وفي الأرياف والجنوب من الناحية الجغرافية أو الإقليمية, علي حساب الطبقة الوسطي والمناطق الحضرية, مما ولد امتعاض الطبقة الوسطي التي تقطن العاصمة طهران والمدن الأخري حيث تعمد الرئيس أحمدي نجاد توزيع مدخولات البترول علي الفقراء نقدا مما عطل التنمية الحقيقية واوجد ما يسمي باقتصاد الإحسان فالمتضرر الحقيقي من جراء هذه السياسات النجادية هو الطبقة الوسطي ورجال الأعمال والتجار وهو ما ابطأ من وتيرة الإصلاحات الاقتصادية والخصخصة التي بدأها أسلافه خاصة الرئيس المعتدل محمد خاتمي. وكان واضحا أن سياسة نجاد الاقتصادية المدعومة من الملالي المتشددين وقوات الحرس الثوري والباسيج ترمي إلي تهميش الطبقة الوسطي ورجال الأعمال والتجار, والذين يمثلون الخطر الحقيقي علي الحكم الديني للبلاد والذي لايمكن وصفه بالديمقراطي لأنه إذا كان رئيس الدولة يتم انتخابه فأن مرشد الجمهورية الاسلامية وهو المنصب الأعلي في ايران والذي يملك صاحبه الكلمة الفصل في كل شيء تقريبا يتم تعيينه من بين مجموعة من رجال الدين المتشددين وحتي بالنسبة للبرلمان الإيراني فأن الملالي المتشددين يتحكمون في تشكيلته لأنهم يملكون قبول أو رفض أي مرشح لعضوية هذا البرلمان الذي يتألف من رجال دين يوصف بعضهم بالإعتدال وبعضهم بالمحافظة. وكشفت الانتخابات الرئاسية الايرانية التي جرت في9 يونيو2009 مدي محدودية قدرة الطبقة الوسطي الإيرانية علي التغيير حيث فشلت في الإطاحة بعدوها الأول وهو الرئيس أحمدي نجاد المدعوم من المرشد الديني اية الله علي خامنئي فرغم أن الجميع يدرك أن نتائج الانتخابات جري تزويرها للابقاء علي نجاد في منصبه إلا أن نفس الطبقة الوسطي لم تستطع مواصلة معركتها لتثبيت الفائز الحقيقي مير حسين موسوي وتمكن الملالي من السيطرة علي الوضع مستخدمين قوات المتطوعين المعروفة بأسم الباسيج والتي تضم قرابة عشرة ملايين شخص ينتمون جميعا للطبقة الفقيرة والتي جري استعدائها علنا ضد الطبقة الوسطي التي تطالب بخجل بإصلاح شامل ولكنها لاتتحرك بجدية لتنفيذ مطالبها. إلي جانب ذلك, فإن التعبئة السياسية من جانب المعارضة لم تكن شاملة, فاقتصرت علي سكان المدن, ولم تشمل الريف والقري والمناطق الهامشية في إيران, وهي المناطق المؤيدة لسياسات نجاد الاقتصادية, كما أن خطاب المعارضة لم يقنع هذا الفئات الاجتماعية ولم يشملها. وعموما فقد استطاع النظام السيطرة علي هذه التعبئة السياسية للمعارضة بوسائل القمع, كما قام النظام بتعبئة سياسية مضادة لإظهار قاعدته الاجتماعية المساندة. والحقيقة هي أن إيران التي يحكمها الملالي منذ عام1979 تستفيد استفادة كبيرة من إعلان العداء للغرب وليس العكس حيث تستخدم هذا العداء المبالغ فيه للتغطية علي مشاكلها الداخلية الناتجة عن نظامها السياسي غير الديمقراطي وتبديد الثروات في معارك وهمية حيث جرت عسكرة المجتمع والأقتصاد بدون مبرر خاصة بعد خروج منافسها الأول في المنطقة وهو العراق من الحسبان علي أيدي الأمريكيين في عام.2003 وتعاني إيران منذ سنوات من صعوبات اقتصادية كبيرة, فاقتصادها لا يزال يعتمد في الأساس علي النفط ويغلب الطابع شبه الريعي علي اقتصادها, ما يجعله عرضه لعدم الاستقرار حسب تقلبات السوق العالمي للنفط. فمعدل نموها الاقتصادي عام2009 كان أقل من3%, ومعدل البطالة11.8 في المائة, وعدد السكان تحت خط الفقر18 في المائة, ومعدل التضخم16.8 في المائة, ومعدل النمو السكاني1.3 في المائة عام.2009 ورغم هذه الصعوبات الاقتصادية التي تكشفها هذه البيانات, نجد أن إيران مشغولة بالبحث عن هيمنة اقليمية تكلفها الكثير فهي تدفع مئات الملايين من الدولارات لحزب الله اللبناني وبعض القوي الفلسطينية التي تدور في فلكها وتنفق معظم دخلها علي التصنيع العسكري فلا يكاد يمر أسبوع دون الإعلان عن تصنيع سلاح جديد وهو أمر مثير للإندهاش لأن ماتعلنه يفوق الخيال فلا يعقل أن دولة تعاني أقتصاديا وتكنولوجيا تعلن كل يوم عن تصميم وأنتاج كل هذه الطرازات من الطائرات والدبابات والصواريخ والتي تصفها دائما بأنها الأحدث والأفضل في العالم. وعلاوة علي ذلك فايران تعاني من انتشار الفساد المالي والسياسي, وبتورط قيادات معروفة ومشهورة في الساحة السياسية الإيرانية في قضايا فساد, كما أن النظام نفسه اتهم بعض أعمدته بالفساد والاختلاس المالي. وليس ببعيد عن ايران توجد باكستان, بسكانها البالغ عددهم172 مليونا, منهم حوالي30 مليونا يشكلون جزءا من طبقة وسطي عليا ومع ذلك تعاني من تخلف أقتصادي واجتماعي كبير جدا وتماثل النموذج الايراني في تحكم الدين والجيش والممارسات اللاديمقراطية والفساد في كافة نواحي الحياة تقريبا.