أعترف أنني لم أشارك في انتخابات العهد السابق اعتقادا بأن الصدق كان غائبا, وأن التزوير كان السمة الواضحة في كل الاجراءات, ومن ثم غاب الشعب عن الممارسة وبرز المتاجرون وأصحاب المصالح دون وازع من ضمير. وبعد قيام ثورة يناير جري الاستفتاء علي عدد من مواد الدستور, للاهتداء بها في الانتخابات النيابية والرئاسية, وكانت المادة التي تحدد سنوات ومدد الرئاسة عاملا مهما في اقبال المواطنين علي الادلاء بأصواتهم رغبة في التحول السياسي, وتأكيد مفهوم الديمقراطية والذي منه احترام رغبات الناخبين. كانت الفرحة تطل من العيون والبسمة تفرش الوجه, وكنت تري صفوفا طويلة.. طويلة في تناسق وانتظام في انتظار الادلاء بأصواتهم وحين ذهبت إلي لجنة مجاورة لم أتمكن من أداء الواجب لطول الصف, واعتذار الواقفين عن السماح لي علي حساب الغير, وسعدت بما سمعت, فثمة تغير في السلوك لم نلمسه من قبل.. ورحت أبحث عن دوائر أخري حتي استطعت أن أدلي بصوتي, وكنت سعيدا وأنا أقف علي نتائج الاستفتاء التي زكت المواد المستفتي عليها.. أربعة عشر مليونا قالوا: نعم في حين رفض أربعة ملايين وقالوا لا ومن ثم تحددت الأولويات في اجراء الانتخابات النيابية أولا. ثم نشب الجدل: الانتخابات أولا, أم الدستور. وها نحن ندور في حلقة مفرغة وتتناقص الفترة الانتقالية وتزداد الانقسامات.. ونرمي برأي الأغلبية عرض الحائط, ونقدم لها صورة مهزوزة عن الديمقراطية والوفاء بحق الانتخاب, والحفاظ علي نتائجه, مما سيجعلهم يفقدون الثقة ويعودون مرة أخري, إلي السلبية والاعتزال ونفقد بأهوائنا المراوغة تلك الحيوية التي واكبت الثورة. كيف نسمح بمصادرة ارادة الملايين, ونستسلم لاصحاب الرؤي المتعصبة؟ انه التعصب الذي لايخدم الوطن ولا يتلاءم مع المرحلة.. لقد أطلت الأغراض, وجحظت العيون, وانسحب التغير الذي تمنيناه, في الرأي بالسلوك, والتوجه الوطني وحل محله الهوي والغرض. ان علي المجلس المنوط به شئون الدولة في هذه المرحلة أن يلتزم بما وضعه من خطط وبرامج, وأن يلتزم الاعلام بالوسط السياسي والفكري, وأن تكون هناك فترة للتهدئة من أول يوليو بلا اعتصامات, وأن تتفرغ الأحزاب والائتلافات لممارسة دورها والعودة إلي كوادرها, وتضع خططها السياسية والتنموية استعدادا لانتخابات مجلس الشعب في موعده المحدد حسب الاستفتاء الذي أجري في مارس الماضي. الأديب محمد قطب