لماذا نبخل على الأجيال الجديدة بكلمة تشجيع واحدة ؟ لماذا نصدر إليهم الإحساس بأنهم إنما جاءوا إلى هذه الدنيا لا لشيء إلا لأخذ مقاعدنا التى نجلس عليها؟ يحدث هذا للأسف فى كل مناحى الحياة: فى الثقافة والفكر والأدب والسينما.. وفى غمرة هذا الإحساس «المغلوط» ننسى أنه لولا دعم عميد الأدب العربى د. طه حسين لعبدالرحمن بدوى الطالب وبعد ذلك المعيد والأستاذ لما أمكن للثانى أن يلمع فى الكتابة ويصبح شئنا أم أبينا علامة مضيئة من علامات حياتنا فى دنيا الفلسفة.. فهانحن نذكر أن د. طه حسين تحدث هاتفيا إلى الدكتور أحمد أمين عندما كان الأخير عميدا لآداب القاهرة وقال له: إنه يبعث إليه بعبقرى مصرى جديد، ومن ثم عليه أن يقبل بكل ما يطلبه هذا العبقرى حتى لو كان ضد اللوائح والقوانين.. لأن عبدالرحمن بدوى «عبقري» واللوائح والقوانين لم توجدا إلا للإنسان العادي، وحاشا لله أن يكون عبدالرحمن بدوى من العاديين. ولسنا فى حاجة إلى أن نقول إن كلمات التشجيع التى سمعها عبدالرحمن بدوى هى التى جعلته نابغة زمانه وعصره وفيلسوف مصر كما تنبأ له طه حسين بعد مناقشته للدكتوراه وكانت عن الزمان الوجودي، وبالطريقة نفسها لولا تشجيع الأخوين على ومصطفى أمين لأنيس منصور لما أصبح هذا الأخير كاتبا مرموقا بحسب رواية هذا الأخير عندما طالبه على ومصطفى أمين بأن يكتب يوميات رحلاته فى الأخبار، فكان أن برع هذا الأخير فى فن الرحلات وكتب لنا ضمن ما كتب «حول العالم فى 002 يوم». أريد أن أقول إن الزمن الجميل الذى مضى لم يكن يبخل فيه الأساتذة الكبار على التلاميذ الصغار بكلمات التشجيع التى يكون لها فعل السحر فى حياتهم، والحق أن شيئا كهذا حدث لعباس العقاد، فقد ذكر كيف أنه مدين للإمام محمد عبده عندما زاره هذا الأخير فى مدرسته بأسوان وقال للمدرس بعد أن قرأ موضوع الإنشاء الذى كتبه العقاد الصغير عن السلام. ما أجدر هذا الطفل أن يكون كاتبا بعد! ما أزعمه هو شيئان الأول أنه لولا تشجيع د. طه حسين ثم مصطفى وعلى أمين وقبلهما الإمام محمد عبده لما أصبح تلامذتهم على النحو الذى ذكرنا نجوما فى دنيا الفكر. الشيء الثانى هو سؤال: لماذا يبخل جيلنا على الأجيال الحديثة بكلمات التشجيع؟ هل لأن فى تشجيعهم حتفنا، أم لأن الخوف على مقاعدنا أبعد عن ألسنتنا أى تشجيع نرى أنه من حقهم علينا؟!