الدستور أولا.. ليست مجرد جملة عادية وإنما ترجمة لحركة جدل واسعة تسود المجتمع المصري علي مستوي كل الأوساط السياسية والاجتماعية والقوي الشعبية والحزبية.. ينقسم المجتمع الي قسمين أحدهما يؤيد ويطالب بشدة بوضع دستور للبلاد قبل إجراء انتخابات لمجلسي الشعب والشوري تأسيسا علي مجموعة من الحجج منها أن وضع قواعد البيت سابق ومقدم علي إقامته, وأن من شأن إقامة البناء السياسي علي قواعد مؤقتة( الإعلان الدستوري) ثم إعادة صياغة القواعد مرة ثانية بوضع الدستور ربما يدخل مصر في متاهات بسبب تشكيل وإعادة تشكيل المؤسسات تارة وفقا للقواعد المؤقتة, وأخري وفقا للقواعد الدائمة. هذا بخلاف المواقف الرافضة لبعض التيارات والقوي السياسية ومنها جماعة الإخوان المسلمين. وكما أوضح لنا صبحي صالح عضو لجنة صياغة الدستور المؤقت والمحامي أن الحديث عن( الدستور أولا) هو محاولة للالتفاف علي إرادة شعبية, وبالتالي فهو سلوك غير ديمقراطي, لأن الديمقراطية تعني القبول برأي الأغلبية.. والذي تم إعلانه في الاستفتاء الشعبي علي التعديل الدستوري. والغريب أنه في الوقت الذي يدافع فيه بشدة فقهاء قانونيون عن هذا الاتجاه( الدستور أولا) ومنهم الفقيه الدستوري الكبير الدكتور ابراهيم درويش, نجد فقهاء قانونيين أيضا معارضين لمبدأ الدستور أولا, وهو ماأعلنه المفكر الاسلامي والقانوني الدكتور سليم العوا.. واصفا حملة ال15 مليون توقيع للدستور أولا بأنها إجراء غير دستوري, وأنه لا يجوز العبث بنتيجة الاستفتاء, وإنما يجب احترام رأي الأغلبية, وعدم فرض رأي الأقلية.. فضلا عن كون الداعين للحملة لم يتمكنوا من جمع90ألف توقيع حتي يوم الأحد الماضي وحتي لو جاز لهم تجميع العدد فما مدي مشروعية جمع التوقيعات من المواطنين وهو الإجراء الذي تقوم به قوي حزبية وسياسية وهل يجب الاعتداد به ؟ الاجابة عن هذا التساؤل جاءت علي لسان الدكتور شوقي السيد الفقيه القانوني الذي أكد لنا أن( جمع التوقعات) لا يمكن اعتباره وسيلة دستورية بالمعني الدستوري السليم, وإنما إحدي صور التعبير عن الرأي العام, التي يمكن وضعها أمام السلطة الدستورية في البلاد حاليا( المجلس العسكري) وهو وحده يقرر ما إذا كان من الممكن الاستجابة لها من عدمه. وبحثا عن المخرج من الجدل الذي يشتد حمية بين فريقين ولكل منهما أنصاره من القانونيين والحزبيين والسياسيين.. كان سؤالنا للمستشار الدكتور محمود العطار, نائب رئيس مجلس الدولة الذي أكد أن المخرج مما يحدث يكون في الاحتكام لجهة محايدة تحظي بالمصداقية والخبرة القانونية والدستورية بعيدا عن أي اتجاهات حزبية أو سياسية, ألا وهي مجلس الدولة, مضيفا أن المادة66 من قانون مجلس الدولة قادرة علي حسم الخلاف حيث تنص علي منح الاختصاص للجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع بمجلس الدولة بإبداء الرأي مسببا في المسائل والموضوعات الآتية: المسائل الدستورية والتشريعية وغيرها من المسائل القانونية التي تحال إليها بسبب أهميتها من رئيس الجمهورية أو رئيس الهيئة التشريعية أو من رئيس مجلس الوزراء أو من رئيس مجلس الدولة. ويوضح المستشار العطار أنه في حالة تكليف مجلس الدولة بدراسة الموضوع, يقوم النائب الأول للمجلس بدعوة الجمعية العمومية فورا للانعقاد ومعها مستشارو قسم التشريع.. حيث يبدأ أولا كل منهم بدراسة الموضوع بشكل منفرد.. والتعرض للسوابق القضائية في أحوال الثورات, وغيرها, ودراسة المعايير الدولية.. في هذا الشأن, ثم يتم عقد اجتماع رسمي للجمعية, لتبادل الآراء بين الأعضاء, للوصول الي رأي محدد, من خلال التصويت علي الآراء الخلافية. ويشير المستشار العطار الي صعوبة الحكم علي الموقف حاليا دون دراسة مستفيضة في مجلس الدولة, ولا يصح القول بأن هناك قانونيين مؤيدين للدستور أولا, لأنه علي صعيد آخر هناك قانونيون معارضون كذلك.. ولا يمكن الجزم بما يقال من أن الاعلان الدستوري أسقط الاستفتاء الشعبي, لأنه يمكن القول كذلك بأن جمع التوقيعات من المواطنين يتنافي مثلا مع الاستفتاء الذي كان معبرا عن المواطنين. وموضحا أن مجلس الدولة كان علي مدي تاريخه حكما محايدا ولم ينحز للدولة فيما قبل, بل أصدر العديد من الأحكام المعارضة للنظام الحاكم ومنها إتفاقية الغاز, وإبطال عقد مدينتي, وإلغاء الحرس الجامعي. وغيرها من الأحكام.. وبالتالي فهو الجهة القادرة الآن علي قول كلمة الفصل في هذا الشأن.