يضيف الأديب الباحث محمد رضوان إلي سجل دراساته عن شعراء الرومانسية في أدبنا الحديث وكتبه المتتابعة عنهم كتابا جديدا عن أحمد خميس: شاعر الروابي الخضر, بعد أن قدم لقارئه من قبل شاعر الأطلال: ناجي, وشاعر الجندول: علي محمود طه, وشاعر النيل والنخيل. : صالح جودت وشاعر الكرنك: أحمد فتحي وشاعر الهمسات: أحمد عبدالمجيد وقد صدرت هذه الكتب عن عدة دور نشر في القاهرة ودمشق. وقد سبق الناقد الكبير الدكتور عبدالقادر القط إلي تسمية هؤلاء الشعراء وغيرهم بشعراء الاتجاه الوجداني الذي يري له جذورا في شعرنا العربي علي مدار عصوره المختلفة مؤثرا هذه التسمية بديلا للتسمية التي أطلقها النقاد عليهم وهي شعراء الرومانسية لأنه رأي في الرومانسية, مصطلحا أدبيا حديثا منتزعا من سياق الآداب الأوروبية له مواصفاته وخصائصه وأسباب نشأته ويخطيء حتي بعض نقادنا الكبار الذين ينظرون لمصطلح الرومانسية من وجهة نظر ضيقة لم تتسع لدراسة البعد الثوري التجديدي فيه حين كان شعراء الرومانسية الغربية أصحاب نزعات وطنية وإنسانية ثورية وخروجا علي التقاليد الكلاسيكية التي قيدت من قبلهم من الشعراء والأدباء وظل بعض نقادنا المصريين والعرب لا يرون في هذه التسمية له إلا بعديه العاطفي والخيالي, وإسرافه في التعبير عن الوجدان وابتعاده عن الرؤية الواقعية والتناول الواقعي, وهو وهم كبير وخلط فادح, فلا شعر يخلو من هذه الجذوة الرومانسية أو الوجدانية مهما كان تياره أو اتجاهه ولو خلا منها لكان فاقدا لروحه المشعة وجوهره الشديد التأثير. والشاعر أحمد خميس في سياق هؤلاء الشعراء جميعا لا يكاد يعرف عنه إلا مشاركاته الإذاعية في مطالع حياته باعتباره واحدا من جيل المؤسسين لإذاعة الاسكندرية منذ عام1954 ومشاركاته الفنية ممثلا له طبيعته وأداؤه واختياراته الخاصة في عدد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية وحين امتد به العمر, وأصبح عازفا عن ممارسة الإبداع الشعري الذي كانت ذروته بين عامي1949 و1954, وكان وقتها ينشر قصائده في مجلة الهلال, طغت شهرته ممثلا سينمائيا وتليفزيونيا علي معرفته شاعرا, وبخاصة حين أصبحت له أدواره المؤثرة في أفلام مثل: رسالة إلي الله والأيدي الناعمة وأين عمري وحكاية حب وعذاب الحب وفجر الإسلام وثالثهم الشيطان والشك ياحبيبي, وفي مسلسلات تليفزيونية مثل: الطبري وللزمن بقية والزيني بركات والوديعة وغيرها من عشرات الأفلام والمسلسلات. وساعد هذا النشاط الفني الواسع كما يقول الأديب الباحث محمد رضوان في إسدال الستار علي شعره وشاعريته, كما حدث بالنسبة لشعراء آخرين كانوا جديرين بالتقديم والتنويه مثل: أحمد فتحي والهمشري والشرنوبي وغيرهم.. وأصبح الناس لا يذكرون له إذا ذكروا إلا مقاطع من قصيدته الروابي الخضر التي لحنها وتغني بها الموسيقار محمد عبدالوهاب, الذي تحمس لها حين رأي فيها امتدادا لشاعرية شاعر الجندول علي محمود طه ولغته الشعرية المرهفة وخيالاته المحلقة وامتلاء القصيدة بجمال التقطيع الموسيقي وكأن الشاعر كان يلحنها وهو يصوغها بالفعل. من الواضح أن لغة الشاعر أحمد خميس ومعجمه الشعري, هما امتداد لصنيع شعراء الرومانسية أو الاتجاه الوجداني الكبار من أمثال إبراهيم ناجي وعلي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل ومحمد عبدالمعطي الهمشري ومن تابعوهم من أجيال الشعراء الذين عكفوا علي تصوير ما لاقوه من معاناة نفسية وهموم وأشواق وجدانية وماتقلبوا فيه من عذابات ذاتية فهم طيور جريحة مغردة, وقلوب حزينة ضارعة تشكو وتتألم ونفوس شفيفة مرهفة, يصرعها الوجد, وتغلفها الحيرة الخالدة التي جعل منها الشاعر أحمد خميس عنوانا لقصيدة موغلة في التيار الرومانسي. ولعل الأنفاس التي تتردد في شعره, قادمة تهب من عوالم الرومانسيين الكبار, وبخاصة الشاعر الملاح علي محمود طه, الذي يبدو أن شاعرنا قد اتخذ منه المثال والمنهج والخطة والطريقة واللغة والصورة. لعلها قد جعلت الدوي والشهرة الطاغية للشاعر الأول, الذي أحرز قصب السبق, وسبق شعره شعر الآخرين إلي أسماع الناس حين تغني به الموسيقار محمد عبدالوهاب في رائعتيه: الجندول وكليوباترا, ثم في قصيدته اللافحة وطنيا وقوميا عن فلسطين, فلم يعد للناس حاجة إلي شعر غيره, حتي لو كانوا من أخلص تلاميذه وعشاق شعره ومتابعيه ولا قدرة علي تأمل شعر الرائد والمتابع, ووضعه في ميزان التأمل والبحث عن السمات الخاصة في شعر كل منهما, والفروق التي ميزت بينهما, والمغامرات الشعرية التي قام بها أحمد خميس من خلال استلهامه في عدد من قصائده البديعة مستلهما شخصيات أحاطت بها هالات سحرية ودوائر تاريخية وأسطورية مثل: قطر الندي وشهرزاد وكليوباترا وعمر الخيام( الذي حاكاه في رباعياته واقترب من تمثل فلسفته وفكره) وفي قصائده الغنائية التي شجعه علي إبداعها شهرة قصيدته المغناة الروابي الخضر وهي القصائد التي تغني بها فريد الأطرش ونجاح سلام وسعاد محمد والمطرب السوري نجيب السراج. ويبقي للأديب الباحث محمد رضوان المكب دوما علي ما أهمله التاريخ الأدبي كشفا وجلاء وتحقيقا وتقديما أنه أتاح لنا رؤية أحمد خميس الشاعر والإنسان عن قرب من خلال حياته وشعره وماجمعه عنه من مصادر لم يكن ممكنا أن تتاح لغيره شأنه في كل إصداراته السابقة, وهو أمر يكفيه في دائرة البحث والتوثيق ولغيره من النقاد أن يعكف علي هذه المائدة العامرة الشهية التي كان له فضل تقديمها لقارئه في واحد من أعداد كتاب الهلال المتميزة. المزيد من مقالات فاروق شوشة