تزخر الساحة السياسية في الآونة الأخيرة بالثنائيات, وذلك علي نحو متزايد عقب ثورة25 يناير وسقوط النظام الاستبدادي السابق. وتكشف تلك الثنائيات عن انقسامات داخل الجماعة الوطنية. فهناك الجدل حول الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية, والنظام البرلماني في مقابل النظام الرئاسي, والخلاف حول المصالحة أم المحاسبة تجاه رموز النظام المخلوع, وهناك الصراع حول أيهما يأتي أولا الدستور أم الانتخابات التشريعية ومخاوف لدي البعض من محاولات الانقلاب علي نتائج الاستفتاء علي التعديلات الدستورية, ومقولة مضادة من جانب آخر, وهي أن الاستفتاء سقط عمليا بإصدار الإعلان الدستوري. كما كثر الحديث عن شواهد تاريخية تشير إلي أخطاء وقعت فيها الأغلبية أحيانا في مجال انحيازها لاختيارات بعينها في لحظة تاريخية محددة في حين كانت الأقلية هي التي علي صواب.. أو دعاوي مثل محاولات البعض التهرب من استحقاقات الديمقراطية التي توجب الالتزام برأي الأغلبية في مواجهة رأي آخر يري أن أصوات الأقلية في المجتمع هي من تمثل في أغلب الأحوال النزوع نحو التقدم وأشواق التغيير والاصلاح, وكثر الحديث في خضم ذلك عن فضائل الأغلبية كما كثر الحديث عن نواقصها, كما ظهر الحديث عن مخاطر سطوة الأقلية في مواجهة الحديث عن دور تلك الأقلية التاريخي. ورغم أني شأن غيري لي انحيازاتي واختياراتي بين هذه الثنائيات فأنا أنتمي لذلك الفريق الذي يدعو للدولة المدنية ولإعداد الدستور أولا قبل إجراء الانتخابات التشريعية وللمحاسبة لا للمصالحة إلا أني أري أنه إذا كان الاستفتاء علي التعديلات الدستورية قد حسم الأمر فيما يتعلق بالتسلسل في إجراءات المرحلة الانتقالية فإن المطلوب الآن هو وضع ضمانات بأن يأتي تشكيل الهيئة التأسيسية الذي سيكون منوطا بها إعداد الدستور علي نحو يتيح لجميع الأطياف السياسية أن تمثل في تلك الهيئة,وذلك بغض النظر عن الأغلبية البرلمانية وعما إذا كانت ستكون من نصيب جماعة الإخوان المسلمين أم لا. ولعل المشكل في هذا الصدد أي في حالة فوز التيارات الإسلامية بأغلبية في البرلمان أن هذه التيارات وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين تضم داخلها عناصر متفتحة مثل د.عبدالمنعم أبوالفتوح لكنها تضم في الوقت نفسه أجنحة متشددة مثل الأستاذ صبحي صالح الذي يدعو لاحياء فكرة الخلافة الإسلامية. ومن غير المعروف حجم هذا الجناح الأخير الحقيقي داخل الجماعة ومن ثم التداعيات المختلفة لمثل هذا الأمر علي إعداد الدستور.وأخيرا هل هذه الثنائيات علامة صحة وعافية للمجتمع؟ هل هي تعبير علي أن جميع القوي تدلي بدلوها, وأن هذا الانقسام جزء من سنن الحياة أم أن الأمر يتوقف علي كيفية إدارتنا لتلك الثنائيات, وأننا بحاجة بجانب الثنائية إلي التعددية.. تلك التعددية التي ميزت الثورة والتي غابت من قبل كثيرا عن الوطن. المزيد من مقالات د. ايناس طه