"حتى الآن تبرع بيل جيتس بنحو 28 مليار دولار للأعمال الخيرية".. هل أعدت قراءة هذه الجملة مرة ثانية للتأكد من الرقم؟.. هل دفعك هذا الرقم إلى شيء ما؟ هل تفكر فيما أفكر فيه.. هل دققت فى كلمتي "حتى الآن" فى بداية الجملة؟ هذه الجملة قرأتها وأنا أستعرض تاريخ رجل التكنولوجيا وصاحب شركة مايكروسوفت وهو شخص محبب إلى قلبى ويعتبر أحد أشهر شخصيات العالم.. وثانى أغنى رجل فى العالم. لن أسوق إليك عزيزى القارئ الفطن مقارنات تخيلية عما يمكن أن يفعله هذا الرقم في بلدانا المنكوبة فى عقولها وفى ذمتها فى بعض الأحيان.. إذا قُدم للمرضى والجوعى وأصحاب المشاريع الصغيرة فى بلداننا العربية.. لن أقدم بين يديك أيها القارئ الذكى تخيلات أخرى وأتركك أنت تتخيل عما يمكن أن نفعله نحن بمثل ذلك الرقم وعن ما أنفقه هذا الرجل حتى الآن من ثروته.. وعما ينفقه مليارديرات ومليونيرات هذا الوطن العربى من خليجه إلى خليجه. لن أقدم بين يديك أيها القارئ الذكى تخيلات أخرى وأتركك أنت تتخيل عما يمكن أن نفعله نحن بمثل ذلك الرقم.. وعما ينفقه مليارديرات ومليونيرات هذا الوطن العربى من محيطه إلى خليجه. ولكن الكتابة تدفعنى مضطرا للتعبير عن بعض مراراتى وعذاباتى بين يديك عزيزى القارئ فاسمح لى بتقديم مشهد واحد يطن من رأسي.. فقد مرت عليّ وعليك صورة ذلك العربى الذى يلقى بأمواله فى الهواء داخل أحد الملاهي الليلية.. لمجرد أنه يُحيي راقصة درجة ثالثة أو أولى ليس هناك فرق.. تٌعرى جسدها ولكنها تكشف عوراتنا نحن الأغنياء العرب.. ونشاهد كل يوم مهزلة نثر أموال رجال الأعمال في الفضائيات الراقصة التى تتمايل فيها الفتيات أمام الكاميرا.. "واتصل يلا بينا".. فلو وضع أى رجل أعمال أمواله فى كثير من الاختراعات التي يبتكرها الشباب لربح أكثر والدليل بيل جيتس.. والمرارات كثيرة والعذابات أكثر على حال أمتنا.. وعلى حال رجال أعمالها. ولكننا لن نفرط فى جلد الذات.. ولن نفرط فى إعلاء الآخرين.. ولكن بحق هذا الرجل يستحق التقدير والاحترام. هذا الرجل يضع معظم هذه الأموال فى أبحاث الملاريا.. ماذا يعنى ذلك؟.. يعنى أنه كعادته لا يفكر بما هو معتاد وواضح ومتاح للجميع من أمراض شائعة ولكنه يفكر فيما وراء ذلك.. هذا ما جعله يتربع على عرش أغنى أغنياء العالم لعدة سنوات بفضل اجتهاد وعبقرية وحسن إدارة.. وبفضل دخوله مجالات لم يدخل إليها أحد من قبل أو يتطرق إليها.. مثل تبرعاته التى يقول عنها: "إن العالم يركز جهوده على السرطان أكثر من أمراض أخرى، ولذلك فإن ثروتي سيكون لها معنى أقل في ذلك المجال." ومنهج بيل جيتس الواضح فى التعامل مع الحياة والأموال يجعلنا لا نستغرب حين أعلن أنه لن يترك لأولاده إلا ملايين قليله يعتمدون عليها في مصارعة حياتهم المستقبلية.. وسيترك لكل من أولاده الثلاثة 10 ملايين دولار فقط.. كلا على حده رغم أن ثروته تقدر 36 ألف مليون دولار (36 مليار دولار). وكما قلنا لن نجلد الذات كثيرا.. فهناك رجال أعمال عرب محترمون وأوفياء لبلدانهم.. يقدمون الخير ولكنهم يستطيعون أن يقدموا أكثر.. يقول سبحانه وتعالى: "أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض". [email protected] المزيد من مقالات أحمد سعيد طنطاوى