امرأة جديدة شاهدناها لأول مرة في ميدان التحرير امرأة لم نكن نعرفها, بل كثيرين استهانوا بها, فهي بالنسبة لهم كانت أما ربة البيت التي لا تغادره إلا لشراء طلبات الأسرة, وينحصر دورها في رعاية الاولاد والزوج, وتقديم الطعام لهم أو الشابة التي تلبس البنطلون الجينز والتي شيرت ولايهمها سوي سماع الاغنيات الشبابية وترديد مقاطع منها, واستخدام النت للشات, شابة تتحدث العربية بدلع وبين علي كلمة وأخري تستخدم تعبير انجليزي أو فرنسي لتعلن عن مستواها الاجتماعي المتميز... أو الفتاة التي تلبس البنطلون الجينز مع الفستان الضيق المحزق القصير الذي يكاد يخنق وسطها وصدرها وتلف رأسها بطبقات متعددة من اغطية الرأس الملونة, وتحدد عيونها بمكياج صارخ ينطق بانوثتها, والتي كثيرا ما انتقدت لانها لا تعلم ما تريد بالضبط حجب نفسها عن الجميع أم جذب عيون الكل.... انها امرأة جديدة تعلم بالتحديد ما تريد وتسعي لتحقيقه بكل الطرق المشروعة حتي لو استدعي الآمر المبيت في الشارع امرأة ترفع صوتها وتهتف بالحرية, وتري أن الأهم لأولادها ليس مجرد طعام تضعه أمامهم, بل مستقبل كامل يعدهم بالرفاهية ويبعد عنهم الطغاة الذين حرموهم العيش الكريم, فتاة شابة مرفهة شعرت أن من حولها من المكافحين الصابرين لهم حق مثلها في الحياة المنعمة أو علي أقل تقدير الكريمة, وفتاة أخري رأت أن انوثتها في صوتها الجهوري المطالب بالثورة... الثائرات هن نساء مصر المستقبل. لاتوجد سمات محددة لوصف الفتاة بأنها ثائرة.. فكلمة ثورة تعني الاعتراض علي الفساد والمطالبة بتغيير جذري لأوضاع خاطئة وتطهير شامل لنظام كثر طظلمه.. والشاب والفتاة لايختلفان علي هذا المعني, ولكن مجتمعنا لايزال تشوبه النظرة الذكورية, فأيه فتاة مختلفة قليلا يقال إنها متحررة, وإذا تعارضت آراؤها مع القوالب الفكرية المتعارف عليها يقال متمردة.. لذلك قررت النزول إلي ميدان التحرير يوم الجمعة الذي سمي جمعة الغضب الثانية للتعرف علي ملامح الفتيات اللواتي شاركن في الثورة العظيمة التي بدأها الشباب في25 يناير ودعمتها كل طوائف الشعب. وتري سوسنة الميرغني المتدربة بالتليفزيون والتي تربت في بيئة سياسية نظرا لأن والديها صحفيين بان الفتاة الثائرة يجب أن تكون صاحبة قضية أو مبدأ أو مظلمة وأن تكون مؤمنة بأهمية دورها في المجتمع,مؤكدة أن النساء كن يخرجن أيام الرسول عليه الصلاة والسلام للمشاركة في الحرب.. فهل يعقل أن تقبع النساء في القرن الواحد والعشرين بمنازلهن. والفتاة قبل ثورة يناير كانت تمارس السياسة بالانضمام لحركات أو تيارات سياسية, ويوم52 يناير نزلت فقط فتيات الفيس بوك وتويتر لميدان التحرير, لكن منذ يوم28 وحتي اليوم الفتيات من جميع الأطياف تشاركن.. وتتذكر سوسنة انها كانت تشعر وكأن الأرض ترتج تحت قدميها كلما هتف المتظاهرون الشعب يريد إسقاط النظام, فعرفت أن المصريين قرروا نفض كل سنوات وأيام الظلم والفساد وشبهت الناس يومها بأنهم بالونة منفوخة وانفجرت, وتأكدت أن مصر بلدها وليست كما تردد من قبل ياسيدي دي مش بلدنا.. ولا تنسي سوسنة أيضا كيف نزلت أمها معها الميدان وكتبت ارحل علي جبينها, وكذلك تضامن سكان العقارات المحيطة بالميدان ومساعدتهم الثوار بتقديم البصل والمياه الغازية ليغسلوا عيونهم من آثار القنابل المسيلة للدموع.. وعن المستقبل تقول انها تتمني أن يكون شريك حياتها ثوريا مثلها ويؤمن بدور المرأة في المجتمع. أما يسرا أحمد النقر الطالبة بالثانوية العامة فتقول إن سبب اشتراكها في الثورة هو شدة حبها لمصر ورغبتها في المشاركة في تحسين أوضاعها وازاحة النظام الظالم الذي تسبب في إذلال الشعب وافقاره ومرضه وأيضا تسبب في موت شباب مثل خالد سعيد.. وتعتبر أن مشاركتها في الثورة ونزولها ميدان التحرير للمطالبة بحقوقها ليس تمردا كما يدعي البعض بل هو واجب علي كل من يتطلع لمستقبل أفضل لهذا الوطن, ومن الميدان اكتسبت زمالات وصداقات جديدة من الشباب عاملوا الفتيات بشهامة ونخوة. يابخت من نام وسط عياله آية عبدالله الطالبة بكلية التجارة والموظفة بإحدي الشركات والتي تملك روحا متمردة لايخطئها الانسان من الوهلة الأولي: تقول أهلي يتصورون دائما انني سأذهب إلي المعتقل قريبا بسبب آرائي وكتاباتي وحواراتي سواء في خارج المنزل أو من خلال النت.. وقبل الثورة كنت أشارك كمتطوعة في بعض المراكز الحقوقية وكنت أنزل المظاهرات بدون علمهم.. لكن يوم25 شعرت برغبة جارفة أن أبلغهم برغبتي في المشاركة ويومها اعترض والدي, أما والدتي فهددت بترك المنزل ولم تتراجع عن موقفها وتوافق علي ذهابي للميدان إلا بعد رضوخ والدي لرغبتي وقبوله الذهاب معي.. فهو يحب السياسة لكن والدتي دائما كانت تقول له يا بخت من نام وسط عياله. وتتصور شيماء غيث طالبة هندسة التشييد والبناء أن الله سيحاسب الناس علي صمتهم علي ظلم سلطان جائر, لذلك قررت المشاركة في الثورة خاصة وأنها تعلمت كيف تكون ايجابية من خلال مشاركتها في العمل الاجتماعي والتنموي, كما تعلمت في الجامعة كيف تطالب بحقها, فنزلت ميدان التحرير مع شقيقها, حيث إن والديها كانا في السعودية وكانت والدتها تطمئن عليهما بالتليفون. وهي لا تحبذ الاشتراك في أي حزب أو ائتلاف ولا توافق أن يعمل الجميع بالسياسة, ولكن يجب الاهتمام بالمجالات الأخري لتنمية الدولة حتي تعود مصر لمكانتها السابقة.. وعن مشاركتها في جمعة الغضب تقول: تملكني بعض الخوف في البداية.. ثم زاد مع إلقاء القنابل المسيلة للدموع ومشاهدة النيران تشتعل في السيارات والمباني.. وفي هذه اللحظة احتضنتني صديقتي سلمي وقالت لي متخافيش ده جهاد في سبيل الله فاستجمعت قوتي وشجاعتي وصمدنا للنهاية في حما زملائنا. وتتمني أن تسهم في محو أمية المصريين البسطاء الذين لم ينالوا حظهم من التعليم, فمن العار أن ندخل في القرن الحادي والعشرين ومازالت النسبة الأكبر من الأميين من النساء. وتصف حنان فايد مدربة اللغة الانجليزية ومهارات التواصل فتيات الثورة فتقول: إن معظمهن تتراوح أعمارهن بين20 و30 سنة تقريبا, وتتميزن بمظهر جيد وبعضهن كن مع أمهاتهن وأغلبهن مثقثفات واعيات ولديهن إصرار علي مواصلة الثورة للنهاية وتحقيق المطالب التي ينادي بها الثوار منذ اليوم الأول لذهابهم إلي ميدان التحرير, وتؤكد أن الهدف من عودتها للمشاركة هو تغيير الأوضاع الخاطئة في البلد بشكل عام, ولأجل المطالبة بحقوق المرأة بشكل خاص, فهي نزلت الميدان منذ بداية الثورة حتي لاتكون المشاركة من خلال الفيس بوك فقط. ومعاناة والديها طيلة حياتهما من الاضطهاد في عملهما لأنهما علي حد قولها شريفان زادها إصرارا علي النزول, وتضيف قائلة ان المرأة المصرية شاركت بفاعلية كبيرة في الثورة وأن صديقتها الجزائرية التي تعيش في فرنسا أكدت لها أنها تابعت من خلال وسائل الإعلام مشاركة المصريات مما اعتبرته مظهرا مشرفا للمرأة العربية المتحضرة.. وتنهي حنان حديثها مؤكدة أن المستقبل قبل الثورة كان يبدو كئيبا, ولكنه الآن يبدو مشرقا إذا تحققت مطالب الثوار. ورغم صغر سنها فإن ميار محمد أمام الطالبة بالاعدادية اشتركت في الثورة التي توقعت هي وأسرتها نجاحها من خلال لجنة إعاشة شاركت فيها مع والدتها وشقيقتها يارا طالبة الاعلام الانجليزي لمساندة الثوار.. وهي منذ وعيت للحياة وبدأت تفهم كانت تسمع كلاما في السياسة وأوضاع البلد المتدهورة, وفي عام5002 كان أغلب الحديث في البيت عن الانتخابات الرئاسية. وتحكي انها وصاحبتها كانتا مجرد زميلتين فقط في المدرسة وتقابلتا في الميدان فصارت علاقتهما أقوي, لانه أصبحت بينهما ذكريات مشتركة جميلة ومشاعر لا يفهمها سوي الذي نزل الميدان.. ففي يوم موقعة الجمل ذهبتا لشراء بعض احتياجاتهما وفوجئت ميار باتصال والدتها بها كي تعود للمنزل فورا ولكنها انهارت بعد مشاهدتها لما حدث في الميدان من خلال التليفزيون, ومع ذلك نزلت في جمعة الغضب الثانية لتكون مع صديقتها ليؤكن اصرارهم علي نجاح الثورة. تلك كانت أفكار مجموعة من الفتيات اتفقن علي ضرورة الاستمرار في المشاركة في القورة وفي التغيير, وأجمعن في نفس الوقت علي أنهن في انتظار برامج الأحزاب الجديدة وأيضا برامج المرشحين للرئاسة لاختيار الأنسب لادارة البلاد في المرحلة القادمة.