فلنتطهر.. من أجل الوطن حين جمعنا ميدان التحرير وأصبح بيتنا, تولد لدينا جميعا شعور بالتوحد وضرورة حماية البيت من أي عدو خارجي, كان التحدي واضحا لنا وهو نظام القهر والاستبداد حين انهالت علينا قنابل المولوتوف ورصاصات الغدر, كنا نقف جميعا علي قلب رجل واحد, هذا يكسر الاحجار وهذا يرمي بها دفاعا عن ميداننا وانفسنا وحريتنا, وهذا يداوي ويسعف, وهذا يطرق الحديد ليحمس ويحفز, كانت ملحمة لم يبحث فيها أحد عن ذاته, انعدم الشعور بالذات وتضاعف الشعور بالجمع والمصير المشترك. كنا نتقاسم اللقيمات وشربات الماء, كنا نتبادل الأماكن علي الأرض حتي نلقي بأجسادنا المنهكة لننام قليلا ونستيقظ لنأخذ دورنا في الحراسة وتأمين المداخل, لم يسأل أي واحد منا عن أيديولوجية الآخر أو دينه, كانت حالة من الاندماج الانساني الكامل, ذابت الفوارق الاجتماعية والفكرية وصار الوطن هو القيمة العليا التي تجمع الجميع, تألمنا معا وضحكنا معا وبكينا معا وحاربنا معا وصمدنا معا وسجل التاريخ ملحمة إنسانية شديدة الروعة والنقاء.حاولوا دوما شق صفوفنا فلم يفلحوا, حاولوا مساومتنا فرفض الجميع الالتفاف وكان قرارنا بالبقاء والاعتصام حتي الحرية, لم نخش الموت بل تمنيناه لنلحق بركب الشهداء, كانت الطائرات تحلق فوق رؤوسنا, ونحن نهتف الله أكبر من مبارك, أمام المتحف في مساء الأربعاء الدامي, ومع اشتعال المواجهة كانت دموعي تنهمر من عيوني غضبا وسخطا مما يفعله بنا هؤلاء, ولكن شعرت حينها بتمازج انساني كامل وتوحد بلا حدود مع كل مصري في هذا المكان, وحدنا الاحساس بالخطر فكانت قوتنا ضاربة بثباتنا وتوحدنا ووضوح هدفنا وغايتنا.. وكان الانتصار, وتنحي الطاغية وبدا أن مصر قد تحولت إلي قطعة شهية من الحلوي يرغب الجميع في التهام أكبر قدر منها, نتفهم أن الاختلاف الفكري والسياسي طبيعة, وهو ظاهرة صحية في كل المجتمعات, ولكن ما نراه في الساحة السياسية المصرية الآن ليس اختلافا سياسيا, بل هو تطاحن بلا معني وخطابات تخوين وإقصاء وممارسات لاتمت الي الديموقراطية بشيء, توظيف للدين من البعض ومتاجرة بدماء الشهداء من أطراف أخري, وصراعات شخصية تتم ترجمتها الي اختلافات سياسية, تيار من التشوهات الانسانية التي كانت مخبوءة قبل الثورة وانفجرت في وجوه المصريين, لم تستطع النخبة التي يفترض أنها نخبة أن تدرك تاريخية اللحظة وحساسيتها لمستقبل مصر, فمارست العبث والمراهقة السياسية والنفسية, وجرنا البعض الي حالة استقطاب أخري بين تيار ديني وتيار ليبرالي, وبينهما مجموعات أخري ترفض وتزايد علي الجميع, والضحية في كل الحالات هو الشعب المصري الذي لم تنتم غالبيته العظمي بما يتجاوز ال09% الي أي تيار سياسي أو فكر أيديولوجي وظلوا يكتفون بمشاهدة هؤلاء المتصارعين والسخرية منهم. إن الخطورة الشديدة لهذا المشهد العبثي هو أنه سيجعل عموم المصريين يزهدون في المشاركة والاهتمام بالشأن العام وحين سيخفت وهج الثورة في القلوب بعد وقت ما بطبيعة الحال فإننا بذلك سنكون قد رجعنا للوراء وقتلنا الأمل في قلوب الملايين اننا جميعا بلا استثناء نحتاج الي التطهر الثوري وهو أن تخفت الأنا بداخلنا ويعلو الحلم الجمعي والهم المشترك لانقاذ وبناء وطن, مصر قبل ذواتنا وأحزابنا وأيديولوجياتنا, قد نكون بممارساتنا هذه وقود الثورة المضادة من حيث لا ندري, النار ستحرق الجميع والاستقطاب سيقصينا كلنا عن الشعب المصري, وسيعزلنا عن مصر الحقيقية.. صرخة قلب مكلوم علي وطن ينتظر منا الكثير. المزيد من أعمدة مصطفى النجار