نحن جميعا منذ بداية ثورة52 يناير كمن حاصرهم زلزال أو إعصار شديد نشأ نتيجة تشقق أرض الواقع وبروز أضواء جديدة مبشرة, ويقوم علي الجانب الآخر منها برق ورعد ونيران كثيرة تلفح الوجوه بحرارتها وتهدد أمن المواطنين. هذا الإعصار الشديد الذي أحاط بنا جميعا جعل البعض خائفا مرتعدا وجعل آخرين يشعرون بوجود هذه الأضواء الجديدة, وإن كانت بعيدة في الأفق إلا أنها تجلب لهم بعض الاطمئنان والتفاؤل, والذي يخرجهم من هذا المأزق الذي فرضته الأقدار علينا, والذي لم يكن منه بد نتيجة لثورة تريد القضاء علي نظام سابق متشبث بالأرض لا يريد تسليما أو اعترافا بهذه الثورة, وفي ظل هذا الواقع المعقد والمتشابك ينظر الجميع حولهم يطلبون حياة جديدة تتجلي فيها إرادة المواطن الحر, والذي يتحدي هذا الواقع ليصل إلي أمل النهضة المنشود, وقد تدفقت الاقتراحات للخروج من هذه الأزمة الحالية التي تتسم بالقلق والخوف والتخبط في ترتيب الأولويات, لقد استشعر الجميع ما يحيط بمصر حتي إن رئيس الوزراء قد أدلي بتصريح قال فيه إن مصر أمة في خطر, وقد أرتفعت اصوات تري أن معالجة الأزمة تكون في الرجوع إلي العهد والنظام السابق ناسين أن هذا الاستقرار المزعوم وكما قال البعض إنما يعبر عن سكتة إنسانية نتجت عن عملية القهر المنظم التي سادت في النظام السابق. وفتح المثقفون والإعلاميون آذانهم بقوة ليسمعوا لاقتراحات البعض حول تنظيم المسيرة السياسية الحالية, والتي تدور حول تسمية رئيس جديد للبلاد, وليكن هو المشير طنطاوي وذلك بجانب مجلس رئاسي مدني يدير البلاد حتي تتم الانتخابات الرئاسية وتشكيل هيئة تأسيسية منتخبة أو بتوافق وطني لوضع دستور جديد للبلاد قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية, وتتكون هذه اللجنة من أعضاء من52 حتي001 عضو من المصريين العدول ذوي المصداقية لوضع الدستور, ولابد من إجراء حوار وطني واسع يشارك المجتمع في ترتيبات المرحلة الانتقالية ومن أجل وضع خريطة عاجلة وشفافة للاقتصاد, ولا يغفل الجميع أهم قضايا مصر العاجلة, والتي تتمثل في الأزمة الاقتصادية وقضايا الأمن. وفي الجانب الإنساني للأزمة فقد مس الشاعر فاروق جويدة مشاعر المواطنين باقتراحه الذي يدور حول المحنة التي أصابت العقل المصري موضحا أن أحداث الثورة أظهرت الجينات الحضارية والإنسانية القديمة, والتي ظهرت في سلوكيات المصريين مما كانت مثار إعجاب العالم كله لقد وقف الهلال والصليب متعانقين, وهو ما يذكر بما أرسته ثورة91 المجيدة من وحدة وطنية جعلت الزعيم الهندي غاندي يصرح بأنه يدين زعامة سعد زغلول في هذا المجال, ولقد كانت هذه هي روح مصر المتحدة, والتي عشناها زمنا طويلا, لقد أوضح الشاعر فاروق جويدة أهمية أن نستلهم مكونات الثراء المصري الحقيقي, والذي يكمن أساسا في القدرة البشرية والتفوق الذي لا يجاريه أحد في ميادين العلوم والفنون والآداب, وقد نبه إلي أهم عامل علي الثورة أن تستجليه وتدفعه إلي الأمام, وهو انقاذ العقل المصري مما لحق به من فساد فكري طيلة العهد السابق, وأن هذه هي أخطر صور الإصلاح والثورة الحقيقية لكل إصلاح وتنظيم سياسي أو اقتصادي. ولقد وضح للعيان أن كل أصحاب الرأي يؤكدون أن أساس الإصلاح في مصر الآن هو ضرورة وضع دستور جديد قبل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية, وبأنه لا يمكن تصحيح مسار الأمم وحصار الفوضي والتشرذم إلا بعد استجلاء القيم الأساسية للمجتمع وعوامل التوافق في هذا المجتمع, والتي تكون قبلة الجميع وليتضمن الدستور هذه القيم, وهذا التوافق المجتمعي. أما عن الحوار التي تتشكل ملفاته الآن, فيري الجميع ضرورة أن يكون هذا الحوار من المجلس العسكري والحكومة من جانب والشعب من الجانب الآخر سابقا دائما علي صدور القوانين عن مثل قانون الأحزاب وقانون مباشرة الحقوق السياسية, وحتي لا يفقد هذا الحوار مصداقيته لدي الشعب ولعلنا, ونحن نبحث عن طريقنا في هذه الفترة الانتقالية الحرجة أن نستهدي بتجارب الآخرين الذين سبقونا في التحول نحو الديمقراطية من مثل تجربة تركيا وتجربة جنوب إفريقيا. إن التجربة التركية التي يحمل لواءها الآن حزب العدالة والتنمية الحاكم تصلح نبراسا لنا في مجال التطوير والارتقاء والتجديد, والتي أخذ بها هذا الحزب حين أخذ بالديمقراطية الكاملة التي يحتكم إليها الشعب دائما, وفي مواجهة العلمانيين والجيش التركي وتراث كمال أتاتورك, وأعتقد أنه لابد من إفراد مقالة مستقلة لهذه التجربة التركية الثرية. وخلاصة القول أن الأحاديث التي جرت أخيرا تدور في أغلبها حول البعد السياسي والتنظيمي للدولة, وكيف تكون هذه التنظيمات ضامنة لتحقيق الأمن في الشارع المصري, وتثبيت الاقتصاد, وجوهر الأمر كله هو البعد الإنساني القابع في اللاشعور الجمعي, والذي عطل انبعاثه وتحركه ما كان يمارسه نظام الحكم السابق من استبداد وفساد, ويري البعض في هذا المجال أن مفتاح النهضة, بعد قيام ثورة52 يناير ينحصر في قيام تعليم عصري وبحث علمي حقيقي يجد له مكانا في هذا البعد الإنساني. وهذا هو باختصار العمود الفقري للتقدم, والذي يجب أن تدفع به الثورة إلي الأمام ليعرف هو اللبنة الأساسية في بناء التقدم والنهضة.