وكانوا يظنون أن السماء العصية لن تستجيب لهم وأن الذي يبتغون بعيد كدائرة القطب والأرض من تحتهم تتزلزل من ثقل ما حملوا من مقادير لم يك شيء يشير إلي أنهم عائدون من الموت إن جازفوا بالحياة وأن الذين يغطون في نومهم شأنهم كل طلعة صبح ستوقظهم صيحة القادمين إلي الساحة الشاسعة وهل من مراقدهم يقفزون وهم يفركون العيون؟ ودهشتهم تترجرج ملء البيوت وملء الصدور وملء الحناجر حين يصير الجميع سماء تردد صوت النبوءة والآن مصر تقول وهذي إذن توبة للسماء العصية! وها أوقدوا من مشاعلكم هينمات وصوعوا لنا من بشاشتكم أغنيات وصبوا الشراب الذي هو أليق بالوطن الظامئ المستجير بكم وبما تحملون من الطهر حين تدوسون في ساحة النصر أزمنة القهر تطوونها في ثنايا لفائفكم ثم ترمونها للشتات وتغلي مراجلكم بالنشيد الذي يسقط الموبقات ويطلق للمعجزات طريقا إلي الشمس والنور والفجر, والجمر والأمنيات الفساح فهل ينهض الناس يوما من النوم؟ ناموا وأبوابهم موصدة مفاتيحها في يديكم وها هم مصائرها رهن أعناقكم تموتون من دونها وأصابعكم تتشبث بالأرض والأرض ترشفكم في خشوع الصلاة وتحتضن الوجه واليد والرأس تحصد سيل الرصاص الذي يتطاير يمرق بين أصابعها تود لو انتفضت تحتكم حجرا حجرا لتصنع من حولكم درعها وتحرس أنبل من في السلالة من طينها وأول من طهروا وجهها بالدماء! صحونا علي زمن قادم وانتظرنا هنالك, عبر المسار الطويل, ذؤابات طلع وأعناق أخيلة تتمايل, عبر فضاءات صحراء جرداء قامت تدمدم فيها رياح تفلت صاحبها من بين قضبان ليل مرير تطارد فينا فرائسها المنهكات وتعلن عن زمن للتشفي وترفع راياتها السود في وجه هذا الصباح الجديد وشيئا فشيئا تكشف وجه الرياح التي لم تزل تتطاول حاملة نذرا للعباد بأن العباءات تخفي السيوف وأن الخناجر ظامئة للدماء وأن القيامة قادمة عن قريب وأن كلام العقول الرشيدة ليس يفيد فهيا بنا نطفئ العاصفة ونمسك هذا الصباح الذي شع فينا ونحضنه بصدور حديد ونمشي به خطوة خطوة نتباهي به ونزف إليه انبثاقة عمر جديد ونحميه من كل ذؤبان هذا الظلام المولي وهذا الفساد الطريد جحورهم لم تزل في العراء ونحن صعود لأفق بعيد سنرقي علي سلم من نجوم نطوف فيها بخطو وئيد ونحبس أنفاسنا, كلما تمادت رغائبنا في الصعود أمد يدا ونقسم عن فجرنا لا نحيد غدا تتحرر هذي العقول وتشرق بعد ظلام تبتنيه سواعد هذا الشباب المجيد علي صدرهم من غضون الكفاح وفي وجههم من دماء الشهيد! المزيد من مقالات فاروق شوشة