بدأت وزارة الخارجية في الآونة الأخيرة في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصديق علي اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية, وهذا في حد ذاته انتصار كبير للعدالة الجنائية الدولية لما لمصر من مكانة وثقل كبيرين علي المستويين العربي والإقليمي. ومن ثم فإن انضمام مصر للجهود الدولية المبذولة لملاحقة ومعاقبة مرتكبي أبشع الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية سوف يمثل خطوة ايجابية كبيرة سوف تحسب للقيادة السياسية الحالية, كانت مصر قد وقعت علي اتفاقية روما في62 ديسمبر عام0002 إلا أنها تخلفت عن التصديق علي الاتفاقية والانضمام للمحكمة لأسباب سياسية بالدرجة الأولي بيد أن الفرصة مازالت سانحة أمام مصر لاستعادة دورها القيادي العربي والإفريقي والإقليمي في المحكمة الجنائية الدولية لعوامل عديدة من أهمها: أولا: إن عدد الدول العربية التي قامت بالتصديق علي اتفاقية روما المنشئة للمحكمة هو ثلاث فقط هي: المملكة الأردنية الهاشمية وجيبوتي وجزر القمر. ومن هنا تبرز أهمية انضمام مصر للمحكمة لكي تكون في طليعة الدول العربية التي تؤيد إرساء مبادئ العدالة الجنائية الدولية علي مستوي العالم من خلال المحكمة الجنائية الدولية, ثانيا: عدد الدول الإفريقية التي صدقت علي إتفاقية روما حتي اليوم هو33 دولة وهو أكبر من الدول في أي من القارات الست, ومن ثم فإن هناك ضرورة سياسية في التصديق علي الاتفاقية للحفاظ علي دور مصر القيادي في القارة الافريقية إذ أن التخلف عن هذا الدور سوف يكلف مصر ثمنا باهظا آخر لاسيما في ظل الغياب التام للدور المصري علي الساحة الافريقية خلال العقدين الأخيرين. ثالثا: التصديق علي الاتفاقية في هذا الوقت سيعكس الصورة الايجابية لثورة الخامس والعشرين من يناير إذ أنه لا يوجد مبرر مقنع لامتناع القيادة السياسية في الوقت الراهن عن التصديق علي اتفاقية سيتم بموجبها ملاحقة ومعاقبة مرتكبي أبشع الجرائم التي تقع تحت اختصاص المحكمة وهي جرائم الحرب, وجريمة الإبادة الجماعية, والجرائم ضد الانسانية. رابعا: تزخر مصر بالكفاءات القانونية والقضائية المؤهلة علي أعلي مستوي, ومن ثم فإن إنضمام مصر لعضوية المحكمة سيضمن لها تمثيلا مناسبا في تشكيل المحكمة إما من خلال ترشيح قضاة مصريين للجلوس علي منصة المحكمة أو لشغل منصب رئيس الإدعاء العام الذي سيخلو بتقاعد المدعي العام الحالي بعد عام من الآن. لا يخفي علي أحد أن غياب القرار السياسي كان هو السبب في عدم الانضمام للمحكمة إلا أن ذلك الرفض الرسمي كان يستند الي سببين رئيسيين أولهما هو خشية النظام السابق من انطباق اختصاص المحكمة علي المسئولين المصريين, وثانيهما هو عدم وجود حصانة لرؤساء الدول تضمن لهم الإفلات من العقاب وفقا لنص المادة72 من النظام الأساسي التي نصت صراحة علي ان الاحكام الواردة في النظام الأساسي تطبق علي جميع الأشخاص دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية, سواء كانوا رؤساء دول أو حكومات أو أعضاء في حكومة أو برلمان أو ممثلين منتخبين أو موظفين حكوميين, وبالتالي فإنه إعمالا لذلك النص فإن الصفة الرسمية لا تعفي بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب النظام الأساسي, كما أنها لا تشكل في حد ذاتها سببا لتخفيف العقوبة. أما وقد تحررت مصر من سطوة النظام السابق فقد زالت تلك الأسباب الزائفة ولم يعد هناك ما يمنع من الانضمام للمحكمة خاصة أن الجرائم التي تندرج تحت اختصاص المحكمة وهي جرائم الحرب, وجريمة الإبادة الجماعية, والجرائم ضد الإنسانية نادرا ما ترتكب في مصر ومن ثم فلا يوجد ما يمنع من الانضمام للمحكمة, علاوة علي ذلك, فإنه وفي ظل الرغبة الشديدة في إعمال أحكام القانون في مصر ونشر ثقافة سيادة القانون في المجتمع المصري, فلابد أن ينال كل من يرتكب أيا من تلك الجرائم العقاب الحقيقي والمناسب للجرم المرتكب. مستشار بمحكمة جنايات الزقازيق المزيد من مقالات القاضى: خالد محيى الدين