مازلت عند رأيي الذي قلته أكثر من مرة قبل ثورة25 يناير وبعدها بأن التحدي الأكبر يتمثل في مدي القدرة علي التعامل العاجل والإيجابي مع قضايا البطالة والغلاء والعدالة الاجتماعية بمنهج علمي لا يعرف لغة العطايا الاقتصادية والمنح الاجتماعية وإنما يرتكز إلي برامج عملية لتوفير فرص العمل وتحقيق التوازن بين الأجور والأسعار وتقريب المسافات بين الفئات الأكثر دخلا والأغلبية الأشد عوزا. وإذا كان هناك من درس مستفاد بعد هبوب رياح الثورات العربية في أكثر من بلد عربي فإن هذا الدرس ينبغي أن يكون موضع اهتمام وعناية من رجال الأعمال ونخب الأثرياء في العالم العربي لإدراك أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية من ناحية وتقليل الفوارق الطبقية من ناحية أخري بشجاعة المبادرة نحو إتخاذ خطوات عملية ملموسة تؤدي لإزالة أسباب التوترات الاجتماعية. لعلي أكون أكثر وضوحا وأقول: إن رياح الثورات العربية أكدت بما لا يدع مجالا لأي شك أن أنظمة الحكم التي ارتضت بصيغة التزاوج بين السلطة والثروة ليس بمقدورها أن توفر الحماية للنخب الممسكة بمفاتيح الثروة عندما تغضب الشعوب نتيجة الشعور بتهميش دورها من ناحية واستمراء استفزازها بفجاجة الظلم في توزيع ثروات الوطن من ناحية أخري.. ومن ثم فإن العدالة الاجتماعية هي وحدها التي توفر الحماية لرجال الأعمال وأصحاب رءووس الأموال. ومن يقرأ معطيات ومقدمات ونتائج الثورة في كل من مصر وتونس يجد أن الشباب الذي اندفع بكل التلقائية والحيوية لكسر حواجز الخوف كان مدفوعا ومحصنا بشرعية المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون ارتباط بأي توجه عقائدي ودون الالتزام بأي قيادة حزبية أو دينية وذلك أمر لم يضمن هذا النجاح المذهل لثورتي مصر وتونس فحسب وإنما أحدث تغييرا جذريا في موازين القوي داخل المجتمعات العربية التي عاشت قرونا طويلة في أوهام الاعتماد علي الأحزاب السياسية أو الحركات الدينية أو الانقلابات العسكرية الصريحة كمداخل وحيدة لصنع التغيير. لقد تغير المشهد السياسي تماما في العالم العربي ولم يعد بمقدور أحد من المحللين والخبراء الدوليين أن يواصل إطلاق المقولة السخيفة التي كانت تصف العالم العربي بأنه رجل العالم المريض والتي كانت القوي الكبري تبني حساباتها وسياستها الخارجية مع العرب علي أساس هذا المعتقد الذي يلغي تماما دور الشعوب العربية في إمكانية صنع التغيير... وذلك درس للقوي الدولية لا يقل أهمية عن الدرس الذي أشرت إليه بالنسبة لرجال الأعمال فكلا الجانبين ينبغي عليهما أن يدركا أن حماية مصالحهم واستثماراتهم ليست بيد أنظمة الحكم مهما تبلغ قوة قبضتها الأمنية بعد أن أصبحت الكرة في ملعب الشعوب العربية التي لا تطلب سوي التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية. خير الكلام: لا شيء كالصبر يشفي جرح صاحبه... ولا حوي مثله حانوت عطار! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله