قد يكون من المناسب ونحن نشهد عودة محاولات بث الفتن والانقسامات الطائفية والمذهبية في أركان المجتمعات العربية والإسلامية, وإحياء نعرات التعصب التي تجاوزها الزمن بفعل التقدم الانساني وثورة الاتصالات التي جعلت من العالم قرية صغيرة يتعاون فيها البشر في ظل الإخاء الانساني الذي كرسته الاديان السماوية ويجعل من الناس اخوة متساوين في الكرامة والحقوق والواجبات وفي أمن وسلام بعيدا عن أي هيمنة.. قد يكون من المناسب هنا أن نحذر من الوقوع بين مخالب هذه الفتن وهذه الدائرة الجهنمية من الطائفية والمذهبية, وفي نفس الوقت نجتهد كثيرا في التقريب بين المذاهب في الدين الواحد, بحيث نتحول من مجرد الدعوة إلي واقع يصب في الاجتماع علي خطاب ديني ومجتمعي لا يتنازع حوله أحد ويتوخي المصلحة العامة للبلاد والعباد, ولا يترك فرصة للفرقة والخلاف. وإذا أخذنا الإسلام كمثال فإن دارسه يدرك دون عناء أن مبادئه وقيمه صالحة لكل الأزمنة والأمكنة وأنه يستوعب المستجدات التي تفرزها كل العصور ما دامت تصوب في مصالح الناس والأوطان وتدرأ عنهم الأخطار.. أما غير ذلك من التجمد في قوالب ثابتة لا تبارح المكان ولا تسير مع ركب التطور فهو نابع من قصور في فهم حركة الإسلام ونظرته إلي الكون وما يحفل به من آيات الله المدركة الآن أو التي ستتكشف فيما بعد بإعمال النظر والفكر والتدبر في إبداع الله وصنعه.. والاسلام بهذا الادراك اكبر من ظن بعض المسلمين ان اركانه هي كل الاسلام, وفاتهم أن هذه الاركان إنما هي بمثابة الركائز التي تحمل البنيان, كما أن الذين يختصرون الاسلام في العبادات انما ينتقصون منه الكثير.. فالإسلام اكبر من هذا وأشمل, وثوابت الشريعة محدودة لم تشغل من الفقه إلا حيزا محدودا أما الفروع وهي غالبية الأحكام فهي نتاج التفكير البشري, وهي عماد التراث الفقهي الضخم من مذاهب ومدارس وآراء وهي قابلة للتطور ما دامت استجدت مصلحة للناس الذين تحكمهم هذه الشريعة, وكمثال فإن الامام الشافعي عندما كتب مذهبه الفقهي في بغداد ثم جاء إلي مصر وجد أن ما يصلح في بغداد لا يصلح في مصر فأعاد كتابة مذهبه بما يصلح للناس فيها. أريد هنا أن أصل إلي نتيجة هي أن الإسلام له ثوابت محددة لا يجوز تجاهلها أو الاجتهاد فيها, وله فروع كثيرة تستوعب كل شئون الحياة.