لم تفلت امرأة متغطرسة من عبارة قالتها, وتنم عن غيبوبتها بما كان يجري حولها من ثورة عارمة. فعندما انفجرت الثورة الفرنسية الكبري عام1789 وزحفت الجماهير الغاضبة نحو قصر فرساي. قيل للملكة ماري أنطوانيت.. إنهم جوعي, يطالبون بالخبز. فكان ردها صاعقا وجهولا: لم لا يأكلون جاتوه!! وبرغم أن الثورة أعدمت ماري وزوجها الملك لويس السادس عشر, إلا أن ما قالته عن الجوعي لايزال يلتصق بها وربما يبرر اعدامها. ومنذ ذلك الحين, مرت عقود طويلة, لم تثر امرأة في قمة السلطة حنق الجماهير الثائرة مثلما أثارت إيلينا شاوشيسكو زوجة ديكتاتور رومانيا, التي أطاحت الثورة الديمقراطية بعرشه الشمولي وتم اعدامه هو وزوجته. وكان ذاك هو المشهد الدموي الوحيد في الثورات الديمقراطية التي عمت أوروبا الشرقية عام1989 ضد النظم الشمولية والاستبدادية. {{{ الغريب, أن ماري أنطوانيت بكل صلفها ونزقها وغلظة قلبها قد عبرت حدود أوروبا وسكنت في قصر قرطاجبتونس. وصارت سيدة القصر ليلي الطرابلسي زوجة الطاغية بن علي زعيمة عصابة تنصب أفراد عائلتها في المناصب الكبري. وتنهب معهم ومع بن علي ثروات البلاد. وعربدت البطالة بين خريجي الجامعات. وكان من بينهم محمد البوعزيزي. فاضطر مرغما لأن يعمل بائعا جائلا علي عربة خضار وفاكهة, كي يدبر قوت يومه. غير أن سلطات الطاغية كانت تتحرش به وبأمثاله. وذات يوم ساقت الأقدار شرطية تعمل في البلدية اسمها فادية حمدي في مسار عربة محمد. وحاولت مصادرة ميزانه وحررت له مخالفة. كانت تنفذ القوانين الجائرة. ولو لم تفعل لأطاحوا بها وأنزلوا عليها العقاب. وعندما حاول البوعزيزي اللجوء للمسئولين. لم ينصفه أحد. وبلغ به الغضب مبلغ الثورة. وأضرم النيران في جسده. ولفظ أنفاسه الأخيرة بعد أيام. وكان هذا إيذانا باندلاع الثورة الشعبية في تونس. وتوهجت في غمارها خيالات جامحة بأن فادية صفعت محمدا, وهو ما أدي إلي حرق نفسه لشعوره المرير بإهدار كرامته. وتلقف بن علي هذه الصفعة الوهمية. وزج بفادية في السجن, ظنا منه أن ذلك كفيل بإخماد الغضب الجماهيري علي نظامه. لكن الغضب لم يهدأ حتي هرب بن علي وليلي إلي السعودية. وانتصرت الثورة. لكن فادية ظلت في السجن إلي أن أضربت عن الطعام. ونظرت المحكمة قضيتها. وتبين براءتها من الصفعة الوهمية. وهي الآن حرة وطليقة. {{{ ماري انطوانيت.. لم يحلو لها المقام فحسب في قصر قرطاج, وإنما كان يطيب لها أن تأتي إلي القصر الرئاسي بمصر. وربما كانت تشعر بالغيرة إلي حد الحقد علي سيدة القصر سوزان ثابت.. فقد أوتيت من القوة والسلطة علي نحو لم تحظ بهما ماري عندما كانت سيدة قصر فرساي. ولم تكتف سوزان بلقب السيدة الأولي, وإنما استبد بها الطموح الأرعن والأهوج لأن تصبح أم الوريث والرئيس القادم في سباق ابتداع الجمهورية الوراثية لآل مبارك. وكان هذا الطموح الأحمق, ضمن أسباب أخري عنوانها تحالف الاستبداد والفساد ففجرت ثورة25 يناير. ولعل أم الوريث كانت الأكثر ذهولا عندما أطاحت الثورة بنظام مبارك وولي عهده. فقد سقطت في مستنقع الفساد والإفساد ولا مكان لماري أنطوانيت وسيدات القصر في زمن الربيع العربي. هذه مجرد هوامش علي دفتر الثورة. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي