لا الاحضان أو القبلات أو الاحاديث الودية مع رموز الدين المسيحي والاسلامي ستفيد فيما يحدث الآن ببلدنا من إنفلات أمني ونشاط متزايد للطابور الخامس من ميليشيات النظام السابق وحزبه الوطني المنحل. فالوحدة الوطنية والنسيج الواحد رغم كونه حقيقة مؤكدة لاتحتاج لقبلات أو احضان. إلا أن الحل في تصوري هو الضرب بيد من حديد علي هذه الميليشيات وحصارها فأسماء وعناوين بلطجية النظام معروفة ولاتحتاج لبحث. وما يحدث من تجاوزات وتأجيج لنيران الفتنة أمر أصبح لا يمكن السكوت عليه وإلا تحولت بلدنا الي لبنان( السابق) أو حروب البوسنة والهرسك والصرب والمسلمين.. ولتوضيح وتأكيد قوة النسيج المصري اسرد قصتين بطلاهما صديقان عزيزان هما القبطي الدكتور طبيب الصحفي بجريدة العمال بديع اسكندر والآخر الصحفي وصديق الطفولة والشباب أنيس ابو العلا. الصديق بديع اسكندر القبطي المثقف المنفتح وكان يعمل صحفيا بجريدة العمال رغم ان عمره كان قد تجاوز الستين إلا أنه لم يكن متزوجا وكان يتبني طفلة صغيرة مسلمة نعم القبطي بديع يتبني الطفلة المسلمة يتيمة الابوين حيث رباها وساندها حتي حصولها علي دبلوم التجارة.. وعند هذا الحد نقول كتر الف خيره.. غير ان الرجل بذل جهدا كبيرا حتي قام بتشغيلها في احدي الشركات.. ليس هذا فقط بل قام بتزويجها لشاب مسلم. وكنت اشاهد المرحوم بديع قدس الله روحه احيانا في الشارع التجاري في بلدي منيا القمح الشرقية يحمل احد طفلي البنت المسلمة ومعه ام الطفل لشراء الخبز الفينو وبعض الاحتياجات الاخري والطفل يناديه ب جدو. ولم يكن بديع مسلما بالقطع فهو قبطي معتز بمسيحيته المتواضعه تزين حوائطها صور السيد المسيح والسيدة العذراء.. وعندما تركت بلدي بالشرقية واستقرت بجوار عملي بالقاهرة اصبحت لا أذهب الي بلدي إلا قليلا وفي المناسبات, حيث فوجئت في إحدي الزيارات بوفاة الشهم النبيل سمح الوجه والقلب بديع وقد تألمت كثيرا لاني لم أكن موجودا وقت وفاته لاشيعه واواريه التراب. أما الصورة الثانية فهي لصديق الطفولة والصبا والدراسة أنيس ابو العلا وهو ايضا بلدياتي وحكايته تصلح ان تكون فيلما سينمائيا, فالصديق أنيس خريج قسم صحافة باداب القاهرة في الستينيات وقد تزامل مع رينيه المسيحية وعاشا معا قصة حب عظيمة انتهت بالزواج وكل منهما علي دينه.. ولان رينيه اللبنانية من اصل فلسطيني فقد ذهبا معا في السبعينيات الي لبنان للعمل والاقامة.. غير أن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي السفن, فقد قامت الحرب الاهلية اللبنانية ففرقت بين الزوج وزوجته.. فهو في عرف دعاة الطائفية والتشرذم مصري مسلم سني, وزوجته مسيحية لبنانية من اصل فلسطيني لذا فقد تم حجز انيس مع فئته ورينيه مع فئتها.. ولم يكن هناك بد من ان يفعل الزوجان اللذان جمعهما رباط الله المقدس والحب الجميل من ان يفعلا المستحيل من الهروب من الاسر وقد صرفا كل مدخراتهما تحويشة العمر لفك هذا الاسر ونجحا في الوصول لالمانيا ووفقا الي عمل هناك.. وعاشا في المانيا إلي الآن وأنجبا أياد وزياد وبالطبع مازال كل منهما علي دينه.. إن ما اذكره قصة بديع وأنيس ليس قصة من وحي الخيال, والحقيقة أنه لم يكن هناك مجال لذلك لولا ما نجده هذه الايام من محاولات زرع الفتن الطائفية والتي كان آخرها موضوع كنيسة إمبابة فهذه العملية الدنيئة والحقيرة أعادت الي ذاكرتي ومخيلتي قصة الحب الانسانية والمشاعر السامية والفياضة التي يتمتع بها البشر فنحن قبل ان نكون إقباطا أو مسلمين أو يهودا أو حتي لا دينيين فنحن بشر ويحضرني في هذا الاطار بيت من الشعر لا اذكر الآن كاتبه يؤكد ما ادعيه وأؤكده: أنا بالحب قد وصلت إلي نفسي وبالحب قد عرفت الله. المزيد من مقالات احمد فؤاد