يدخل اليوم العالم الجليل محمود حافظ عامه التاسع والتسعين أمد الله في عمره وحفظه لمصرنا الحبيبة, هذا العالم الذي يعمل بدأب النحل, كتلميذ يجتهد بكل قوته في أن يؤدي ما عليه, فهو يعرف أن قيمة الانسان ليس بعدد سنوات عمره. وإنما بقيمة الإنجاز الذي يحققه في مسيرة حياته. وعالمنا الجليل محمود حافظ نموذجا فريدا نادرا, ندرة الألماس بين الحصي, لعديد من القيم يحملها في قبله وعقله وروحه, ينثرها وينسج بها خيوطا من نور تشع وترفرف إينما حل, وهو بحق مثل أعلي للشباب المتحضر الذي يريد أن يشارك في هذه المنظومة الحضارية التي نعيشها لأنه من الحتمي أن نتمثل العصر الذي نحيا فيه بثقافته وعلومه وتقنياته, لانه علي الشباب ان يستفيدوا من طاقاتهم الحيوية, ويحسنوا الاستغلال لكل قدراتهم الممكنة والكامنة, لأن هذه المرحلة تتطلب من الجميع التطوير المستمر لكل روافد الحياة لصنع النهضة. ومسيرة هذا العالم الجليل ذات دلالات ناصعة أرغب في أن أتوقف عند بعضها: أولا: حب الوطن بمعناه العميق والواسع وبكل ما فيه من إحساس بالانتماء للأسرة العلمية في داخل جامعة القاهرة كأستاذ في كلية العلوم, وخارج أسوارها كرئيس للمجمع العلمي المصري, ورئيس مجمع اللغة العربية) مجمع الخالدين(, إنه يعتز ويتمسك ويعمل علي تطوير منظومة ومنهج العمل في سبيل التقدم, يؤمن بأن دور العالم والمثقف والفنان والمسئول هو الاشتغال بتطوير الواقع, ومن هنا تتحول الرؤية لديه من النزعة الذاتية التي تشكل عائقا أساسيا للنمو, إلي الروح العامة التي تدفع عجلة العمل للتطور, ومن هنا يكون العمل بهذا المنظور قادرا علي صنع صياغات جديدة كرؤية تنموية لتغيير الواقع, من خلال اتقان متعة العمل, إنها ركيزة أساسية في طريق النجاح. ثانيا: قيمة الوقت, إن د.محمود حافظ لم يبعثر وقته هباء, لم تتسرب الأيام والساعات والثواني من بين يديه كما يتسرب الماء وإنما أدرك أن ايقاع الزمن الذي نعيش فيه الآن إيقاع سريع, وهو يختلف عن الأزمنة السابقة, لأن السباق علي أشده في العلوم والتكنولوجيا وتطبيقاتها لذلك أخذ يعمل بجهد متميز مستفيدا بكل ثانية من وقته, ود.حافظ يدرك ان الوقت لا يمكن تقديره ومعادلته بشيء, لأن الوقت هو الحياة, لهذا نشر ما يزيد علي مائة وستين بحثا في المجالات العلمية المتخصصة في مصر والخارج, شارك في مئات المؤتمرات العلمية, طوافا حول العالم لندن, طوكيو, تونس,.. إنه عضو وزميل العديد من الأكاديميات العلمية الدولية, لهذا فوقته بين المحاضرات والأبحاث والندوات والمؤتمرات. ثالثا: الإرادة والتفاؤل, في مشوار حياته العريض فهو قادر علي تحويل لحظات الإخفاق الي نجاح, والهزيمة الي انتصار, إنه الاحتفاظ بالإرادة والتوازن النفسي, حتي تكون له القدرة علي المواصلة في التطوير, لأنه يدرك, إذا انهزم العقل انتهي الانسان وانتهت الأمة, فالتقدم والتخلف يكونان في العقول والقلوب, ومن ثم فهو يدعو الشباب أن يتسلح بالمناعة الداخلية, وهذه المناعة الروحية والأخلاقية ترتكز علي روحه المتفائلة, والبعد عن التفكير في الماضي الذي لا يمكن تعديله, والبعد عن القلق من المستقبل الذي لم يأت بعد, وإنما العيش في الزمن المضارع بكل الجدية والدأب لكي يؤدي دوره في مسيرة الحياة, إن الانشغال بالماضي والقلق علي المستقبل يبدد الطاقة, ويجعلنا في حالة خمول وكسل وسلبية. رابعا: تواصل الأجيال حيث كون د.محمود حافظ مدرسة علمية تخرج منها أجيال كثيرة من العلماء نهلوا من علمه الواسع, وعملوا معه في مشروعاته البحثية, لم يبخل عليهم بمعرفته الموسوعية, ولم يدخر جهدا لمساعدة من يريد المساعدة إنها المجموعة الحافظية, انها الاستاذية التي جوهرها العطاء. إن محمود حافظ الحائز علي جائزة مبارك في العلوم لعام1999, وجائزة الدولة التقديرية في العلوم عام1977 ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولي عام1978 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي عام1981, يرسم جدارية متلألئة من حبات الفسيفساء الملون بألوان الطيف, تشع منها فلسفة حياة ايجابية, قادرة علي صنع حالة تحريك من السكون الي الفعل, إنها ثقافة حب العلم والعمل, ثقافة الاستنارة, ونريد لهذه الرؤية أن تنتشر بين شباب مصر المستقبل, لكي نصنع معا نقلة حضارية لهذا البلد العزيز مصر.