الازمة العالمية لم تنته بعد بالرغم من وجود بعض الارقام المبشرة القادمة من الولاياتالمتحدة, فإن التعافي من الازمة لايزال بعيد المنال مع اقتصاد يعتمد بنسبة70% علي الاستهلاك ومع معدل بطالة نحو10%, فان الخروج الفعلي من الازمة يحتاج علي الاقل الي عامين. ان تداعيات الازمة مازالت قائمة مع وجود مخاطر ناتجة عن عجز موازنة في الولاياتالمتحدةالامريكية يفوق9% من الناتج المحلي مع قلق متزايد علي قدرة الحكومات الأوروبية علي الوفاء بالتزاماتها الناتجة عن الديون السيادية.. الأمر الذي سينعكس بدوره سلبيا علي الاقتصاد المصري. ومن الانصاف هنا التأكيد ان هذه التداعيات لاترتبط بسياسات خاطئة للحكومة المصرية.. بل إن الامر علي العكس تماما.. فإن الاصلاحات الاقتصادية التي طبقتها مصر منذ2004 جعلت الاقتصاد المصري اقل عرضة للاهتزازات.. والقول بأن الاقتصاد المصري مازال يتمتع بالحماية لا يتنافي مع ارتباطه بالاقتصاد العالمي.. خاصة فيما يتصل بالاستثمار.. والمنافسة الشرسة علي جذب الاستثمارات. وحتي تنتهي مرحلة الندرة في رؤوس الاموال المتاحة فلابد من طرق أخري لتمويل المشروعات امام الحكومات, خاصة تلك التي استخدمت بنجاح في دول اخري. وتحسبا لما حدث اطلقت الحكومة في عام2006 مبادرة الشراكة بين القطاعين العام والخاص, بهدف زيادة دور القطاع الخاص في تطوير مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ذات الاولوية, مثل مشروعات البنية الاساسية.. والي جانب البعد التمويلي لهذه المشروعات فقد استهدفت الحكومة من وراء هذه المبادرة إشراك القطاع الخاص في أعبائها ومكاسبها علي السواء. ولكن هناك بعض العقبات امام هذه الخطة.. فالمبادرة تفترض أن يتحمل القطاع الخاص اعباء تمويل هذه المشروعات, وبالتالي افتراض فائض من التمويل لدي القطاع الخاص تتولي المبادرة استيعابه, وهو أمر جيد في الظروف العادية, ولكن في ظل ظروف الأزمة المالية العالمية وماسببته من معوقات أمام التمويل الاستثماري دفع الحكومات الي التمويل بالعجز علي نطاق واسع من أجل مواجهة الازمة الي جانب تشجيع الاستثمار في ذات الوقت. .. ولولا استخدام الولاياتالمتحدةالامريكية قنوات متعددة للتمويل لما استطاعت الحفاظ علي مكانتها الاقتصادية في عالم اليوم, فبعد انتهاء الحرب العالمية الاولي عاشت الولاياتالمتحدة خمسة عشر عاما في ظل شح الانفاق الرأسمالي, في الوقت الذي شهد نموا سكانيا واضحا مصحوبا بهجرة واسعة من المناطق الريفية الي المجتمعات الحضرية وزيادة الطلب بالتالي علي المساكن, وتغير أنماط وسائل النقل والتحول نحو تحديث الخدمات الاساسية, وكل هذه العوامل تجمعت لتخلق طلبا هائلا علي مشروعات البنية الأساسية لاستيعاب الحاجات المتزايدة لهذه المجتمعات. ولقد سببت تداعيات الموقف زيادة سريعة في حجم الدين الحكومي, وكان علي الولاياتالمتحدة البحث عن وسائل لتمويل تلك المشروعات دون أعباء جديدة علي ميزانيتها. وجاء الحل من التجربة الانجليزية التي وفرت نموذجا للتمويل تم تطبيقه في الولاياتالمتحدة فيما بعد, فلقد انشأت انجلترا نظام سندات الايراد لتمويل عدد من المشروعات لإنشاء طرق سريعة جديدة تفرض رسوما علي مستخدميها وذلك في1770, وانتقلت التجربة الي الولاياتالمتحدة.., والسوق الاجمالية لهذه السندات الآن تبلغ1.3 تريليون دولار. ولإعطاء فكرة أكثر تفصيلا عن هذا النوع من السندات.. فهي نوع من السندات الآجلة لتمويل احد المشروعات الذي تتحمل ايراداته مسئولية الوفاء بتبعات هذا الدين, وتنشئها الحكومة لبناء او تطوير مشروعات إنتاجية او خدمية مثل مشروع كبير للنقل الجماعي او محطة لتوليد الكهرباء او مطار او احد الطرق السريعة, وهذا النوع من السندات يتعامل مع مشروع محدد بعينه من حيث التمويل والحصول علي العائد بدون أية اعباء علي الموازنة العامة فإيرادات المشروع وحدها هي المسئولة عن السداد. والآن يثور التساؤل.. لماذا هذا النوع من السندات الآن؟ فهذا النوع من السندات لم يتم اقتراحه ليكون بديلا لمبادرة الشراكة, ولكن لإضافة وسيلة جديدة للتمويل في ظل الظروف الراهنة. ولأن هذا النوع من السندات يفتقر( من الناحية النظرية علي الاقل لضمانات حكومية) فإن المخاطر لابد وان تكون اعلي, ولذلك فلابد أن تكون الفائدة أعلي من اي نوع آخر من السندات التي تتمتع بضمانات حكومية.. وبشكل عام فهذه السندات تكفل تنوع مجالات الاستثمار بالنسبة لصغار المدخرين, وتحقق عائدا محددا علي المستوي الطويل يفوق عائد السندات الحكومية وفوائد البنوك, وبرغم مسئولية المشروع عن الوفاء بأعباء ومتطلبات السندات سيكون علي الحكومة إقرار قواعد صارمة لضمان وفاء المشروع بالتزاماته, فمصداقية الحكومة كراعية للمشروع ستظل دائما عنصرا حاضرا لضمان حقوق أصحاب السندات. إن هذه السندات الي جانب المشروعات القائمة علي الشراكة بين القطاعين العام والخاص تتيح مصدرا جديدا للتمويل وتعطي الحكومة افقا جديدا للتقدم في برنامجها الاستثماري, ويسمح بتحقيق معدلات التنمية التي تتطلع اليها.