تتصاعد الاحداث سريعا داخل الاراضي السورية اعتبارا من يوم15 مارس الماضي عندما خرج الشعب السوري في بعض المحافظات طالبا الحرية مما اثار حفيظة القيادة السورية, وعلي الرغم من القرارات السريعة التي اتخذها الرئيس السوري بشار الاسد من اقالة الحكومة والغاء حالة الطوارئ, فإن الشعب رفض ذلك بعد ان قامت عناصر الامن بقتل العديد من المواطنين في العديد من المحافظات, ومحاولات قمع هذه المظاهرات بشتي الطرق, انتهت بتدخل القوات المسلحة السورية في محافظة درعا فجر يوم الاثنين الماضي من خلال عناصر مدرعة للقضاء علي الثورة من خلال قصف المدينة بالدبابات والاسلحة, مما اثار غضب الشارع السوري والعربي وكذا المجتمع الدولي, الامر الذي جعل الموقف اكثر اشتعالا بشكل غير مسبوق, مما ينذر بالمزيد من الضحايا ودخول البلاد في حرب اهلية تعيد الي الاذهان ما حدث في لبنان, وذلك نظرا لتعدد الطوائف داخل المجتمع السوري. واذا نظرنا في البداية إلي الموقف بالنسبة للثورة السورية فسنجد انها تختلف كليا عن باقي الثورات في الدول العربية وذلك لحساسية الموقع الجغرافي لسوريا وقربها من نقاط التماس مع الحدود الاسرائيلية وما سينتج عن هذه الثورة سواء كان بتغيير النظام الحالي بأكمله او الاعلان عن اصلاحات داخلية في النظام فإن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تقف اليوم موقف الحائر مما يجري في سوريا, بل ان القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تري أن اي تغيير في سوريا لن يصب في مصلحة إسرائيل العسكرية والسياسية في المنطقة. ان فشل الجيش السوري والنظام الحاكم في سوريا يقمع هذه الانتفاضة السورية وامتدادها الي باقي المحافظات السورية فإن هذا سيؤدي الي تغير استراتيجي عميق لان سقوط بشار الاسد من علي عرض الحكم سيضع إسرائيل في مخاوف عديدة اهمها من هو الحاكم المقبل لسوريا وهل سيكون اكثر انفتاحا علي الغرب من بشار الاسد, الخوف الإسرائيلي يكمن في الايدي التي ستسيطر علي صواريخ سكاد التي تمتلكها سوريا ذات الرءوس الكيماوية المتفجرة, بالاضافة الي قيادة الجيش السوري في جبهة الجولان لان بشار الاسد وعلي الرغم من دعمه لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين حافظ علي جبهة الجولان هادئة مع إسرائيل لذلك فان أي نظام جديد ربما سيحمل في جعبته الجديد في قضية هضبة الجولان والحدود مع إسرائيل. ويري الدكتور عادل سليمان الخبير الاستراتيجي ان أي نظام سوري جديد سيحاول بشتي الطرق كسب الشرعية الداخلية, ولكي يستطيع تحقيق ذلك فان الوسيلة الوحيدة ستكون إحداث تغييرات جذرية علي المستوي الاقليمي سياسيا وعسكريا, وعلي هذا فان الجانب الإسرائيلي اليوم يتطلع بحذر للثورة السورية لان اي تغيير في النظام الحالي سيؤثر بشكل او بآخر علي العلاقات بين البلدين التي لم تكن في افضل حالاتها في السنوات العشر الأخيرة. من جهة اخري وحتي في حال فشل الثورة السورية فان إسرائيل لن تتجه لتوقيع اتفاق سلام مع السوريين لأن, بشار الاسد سيكون في نظر الإسرائيليين حاكما معرضا للسقوط, وذلك لعدم توافر الدعم الشعبي له لذلك فإن فشل الثورة سيدفع بإسرائيل الي التعامل مع بشار الاسد كشخصية ضعيفة جدا بعكس ما كانت تتعامل معه قبل الثورة. لقد حاول النظام السوري بشتي الطرق الابتعاد عن اي صراع مسلح مع إسرائيل فعندما قصفت الطائرات الإسرائيلية المفاعل النووي السوري في الشمال الشرقي من البلاد لم تتحرك سوريا بل انها طالبت إسرائيل بالعودة الي مائدة المفاوضات. ويري اياد ان الثورة السورية اذا كتب لها النجاح فسيكون لها تأثير علي المستوي الاقليمي بشكل كبير خصوصا علي صعيد العلاقات السورية الأمريكية الإسرائيلية, بالاضافة الي طبيعة الدور الذي من الممكن ان تلعبه القيادة السورية الجديدة مع احزاب المقاومة كحزب الله وحماس وما هي الامكانية لاستمرار الدعم السوري للاستراتيجية الايرانية في الشرق الاوسط التي بدورها ستؤثر علي طبيعة التعامل الإسرائيلي السياسي والعسكري مع الواقع السوري الجديد خصوصا في ظل الحذر الإسرائيلي الحالي مما سيتمخض عن هذه الثورة. اما بالنسبة للتركيبة الطائفية للشعب السوري فنجد ان هناك العديد من الطوائف داخل المجتمع الاغلبية سنية وتبلغ نسبتهم76% من بينهم9% من الاكراد و11% من العلويين و5% من الشيعة والدروز و10% مسيحيين, وعلي الرغم من ان العلويين اقلية فان النخبة الحاكمة منهم وكذا كبار رجال الدولة ورجال الاعمال المتحكمون في الاقتصاد, والاهم من كل ذلك اغلب قيادات الجيش السوري من العلويين, وكذا نسبة كبيرة من الافراد والضباط, مما يؤكد ان النظام الحاكم يقف الجيش بجانبه, وعلي اهبة الاستعداد لتنفيذ كل المهام التي توكل آلية من قياداته لقمع المتظاهرين. ويؤكد لؤي حسين المفكر الكاتب السوري انه لايوجد في واقع المجتمع السوري الراهن حالة طائفية بارزة ولا كامنة, فالطائفية لاتشكل حالة ما لم تكن طائفية سياسية, اما شعور الافراد, ولو كانوا كثرة, بانتماء طائفي علي مستوي دينهم وعباداتهم, او حتي احساسهم بان طائفتهم اكثر صوابية من الناحية الدينية من غيرها, فهذه لاتشكل حالة طائفية, مع التأكيد ان وجود مثل هذا الشعور الطائفي عند الافراد هو امر طبيعي جدا, ولايتناقض مع امكانية انتمائهم الي دولة علمانية. ولاشك في وجود اشخاص وجماعات غير هؤلاء, ممن لديهم غايات سياسية طائفية, الا انهم لايشكلون حالة مقلقة حتي الآن, كذلك فانه يوجد ايضا العديد من الاشخاص, ومن جميع الطوائف, يديرون تعاملاتهم الاجتماعية وفق نظم طائفية, فمنهم من يفضل حصر تعاملاته المالية والاستهلاكية بأبناء طائفته ومنهم من يمنع ابناءه من الاختلاط خارج طائفته, وينظر للآخرين علي انهم ابناء طوائف. ما يوجد في المجتمع السوري هو عناصر للطائفية لم تتحول بعد الي مكونات لها, يلزمها لذلك استمرار السياسات الاقليمية الطائفية التي نجحت, في ترويج خطابها الطائفي علي مساحة المنطقة, مع تمركزه في لبنان والعراق, خاصة ما يتم ترويجه عن حركات تشييع او تسنين, هذا الخطاب سيسهم بلا شك في خلق مكونات حالة طائفية في سوريا, خاصة ان لم تتخل النخب السورية عن تسليمها بالأمر الواقع وتحملت مسئولياتها بنشر الخطاب العقلاني والعلماني. ومن جهة اخري, ففي حال التدخل العسكري القوي فان هناك احتمالات قوية بان تتدخل الطوائف المختلفة في صراع مسلح وربما يصل الحال الي حرب طائفية اهلية, وبما ان الجيش السوري اغلب قياداته وافراده من ابناء الطائفة العلوية فاننا سنلاحظ ان مهمة الثوار في الوقت الحالي ستكون في غاية الصعوبة, حيث انهم سيدخلون في صراع مع جيش نظامي مسلح ومدرب وقد تتفاقم الامور الي اوضاع تصل الي الموقف الليبي. اذن فالوضع في سوريا معقد في الفترة المقبلة فاذا اشتعلت الثورة اكثر من ذلك وشملت كل المحافظات مع التدخل العسكري القوي للحفاظ علي كيان النظام, فان الوضع سيزداد اشتعالا ليس في سوريا وحدها بل في المنطقة بأسرها خاصة انه لاتوجد اي معاهدات سلام مع إسرائيل, مما قد يجعل الحدود السورية في خطر, ومن جانب آخر هناك تحالف استراتيجي بين ايران وسوريا فهل سيكون هناك دعم ايراني للنظام السوري, حيث ان النظام الإيراني ربما يتخوف من اي قيادة سورية جديدة. [email protected]