عقب عودته من جولة استكشافية بعدد من العواصم العالمية الكبري, دعاني دبلوماسي مصري رفيع المستوي لجلسة عشاء, تحولت لعرض مطول, لما خرج به من انطباعات وقراءات لطبيعة الوضع السياسي في منطقة الشرق الأوسط وموقف العديد من دول العالم بما فيها دول المنطقة من هذه التطورات. وتأثير ذلك علي مستقبل المنطقة وشعوبها. سألني كيف تري الأوضاع الآن؟ فأجبته, هناك نوع من الغموض في المنطقة ولا أحد يعرف إلي أين تتجه, فابتسم قائلا: قد يبدو الأمر كذلك فعلا, ولكن علينا أن نقرأ جيدا كل تحرك وكل تصريح يصدر من أي عاصمة ومن أي مسئول في العالم, وأن نربط بين كل الأحداث سواء وقعت في هولندا, أو في قرية من قري الصعيد, حتي لو كان هذا الحدث صغيرا, يصف الدبلوماسي الوضع في المنطقة, بأنه وضع مأزوم, ويقترب بشكل أو بآخر من حافة الهاوية, ويقول ان الاعتراف الأمريكي بالعجز علي تحريك عملية السلام في المنطقة, أوقع الجميع في حيرة, ولكن هذا لا يعني أن الإدارة الأمريكية ستتوقف عن تكرار محاولاتها, وإلا ستفقد الإدارة الأمريكية, والرئيس أوباما نفسه مصداقيته. ومع ذلك يظل الوضع كما هو فإسرائيل تناور وتطرح لاءاتها المعروفة حول الاستيطان والقدس والدولة اليهودية, وأمريكا تعيش مأساة كبري بسبب الوضع الاقتصادي, انشغالها بالوضع في أفغانستان والعراق والملف النووي الإيراني, والأوضاع العربية ليست بأفضل أحوالها والانقسام الفلسطيني. وضع الجميع وعلي رأسهم القضية الفلسطينية في مأزق وأصبح الجميع في وضع لا يحسد عليه وخصوصا الرئيس أبومازن الذي ليس أمامه سوي التحرك السياسي بالضغط علي إسرائيل والاتصال بالأمريكيين ومحاولة تشكيل موقف عربي موحد داعم لفكرة الاتصالات غير مباشرة. والملاحظ أن هناك انفتاحا أوروبيا علي إسرائيل فرئيس وزراء إيطاليا زار إسرائيل بوفد وزاري كبير, والمستشارة الألمانية استقبلت نيتانياهو ومعه8 وزراء دفعة واحدة, والرئيس الفرنسي سوف يستقبله في باريس قريبا, مقابل ذلك موقف عربي منقسم بين فتح وحماس, وسيطرة عربية وإيرانية علي الأخيرة ومجتمع دولي لا يري شريكا في المفاوضات بسبب الانقسام الفلسطيني, وهذا وضع مثالي لنيتانياهو وحكومته, فلا حديث عن مفاوضات ولا حقوق الشعب الفلسطيني المحتلة أراضيه. ولا ضغوط من أجل وقف المستوطنات, ويواصل الدبلوماسي المصري شرح قراءته للوضع فيقول, برغم ما يقال عن بوادر تقارب بين فتح وحماس وعن مفاوضات غير مباشرة بين السلطة وإسرائيل, فإن أوراق الضغط المتاحة عربيا قليلة وهذا يعود إلي أن هناك من يحاول وقد نجح في إيجاد مواجهة بين العالم الغربي والعالمين العربي والاسلامي وأدي ذلك إلي أن الغرب موجود في العراق, والحرب مشتعلة في أفغانستان, واليمن يتعرض لأخطار محدقة, والصومال لم يعد الصومال الذي نعرفه, فهو قد دخل في مرحلة الضياع, وهناك وجود من تنظيم القاعدة في أكثر من منطقة, ونحن أمام حالة من التوتر بين الغرب والاسلام, صنع الغرب منها جزءا مهما وصنع التشدد الديني لدي بعض الاتجاهات الإسلامية الجزء الآخر منها. والكل ينزلق نحو الصدام, وعلينا أن نقرأ جيدا حادث الشاب الإفريقي عمر الفاروق الذي حاول تفجير نفسه في الطائرة الأمريكية, أو الطبيب في الجيش الأمريكي الذي فتح النار علي زملائه في المعسكر, ولو كان الغرب عاقلا, لحاول محاصرة هذه الحالة وتفريغ شحنة التوتر عن طريق تسوية القضية الفلسطينية, لكن يبدو أنه لا يريد, وظهر ذلك في حكايات الرسومات المسيئة للرسول والمخرج الهولندي وحكايات منع المآذن في سويسرا والنقاب في فرنسا ودول أخري, ويبدو أيضا أن هناك محاولات للتحالف بين الغرب واليهودية العالمية ومحاولة إظهار المسلمين بعدم السماحة واتهامهم بالتطرف والعداء للحضارة الغربية, وفي المقابل هناك في العالم العربي والاسلامي من يلعبون نفس اللعبة, ويسعون لزيادة التطرف وتصعيد المواجهة وتصوير الأمر علي أساس عداء ديني بين الغرب والإسلام, ومحاولة قيام حلف إسلامي جديد لمواجهة الغرب, وكل ذلك يخدم بالطبع هدفهم في استعجال الصدام وإنهاء الاستقرار في بقية الدول العربية والاسلامية ودفع المنطقة للحرب. وعلينا أن نقرأ تصريحات وتهديدات إسرائيل لسوريا, فالتهديد الإسرائيلي لم يتحدث عن تكرار الهجوم علي الجنوب اللبناني أو الضاحية الجنوبية لبيروت, فعندما لاح في الأفق احتمالات توجيه ضربة عسكرية لإيران, أعلنت طهران أن حزب الله في لبنان سيقف معها وكذلك حركة حماس في غزة فجاءت التهديدات الإسرائيلية لدمشق بأنها لو سمحت لحزب الله بإطلاق صواريخه أو تم دعمه عسكريا, فسوف تكون الضربة داخل دمشق نفسها وأن اللعب سيكون علي الأرض السورية, وعلينا أن نأخذ هذا الجدل كله في إطار الصراع الغربي مع إيران حول ملفها النووي وعلينا أيضا أن نفهم معني أن تضع أمريكا سفنا حربية وبطاريات صواريخ مضادة للصواريخ في مياه الخليج في أربع دول. مع زيادة الوحدات البحرية في بحر العرب والبحر الأحمر, وبالطبع مرور هذه الوحدات وغيرها في المستقبل عبر قناة السويس, لهذا لم يكن غائبا عن المصريين, أسباب اهتمام خلية حزب الله التي تم كشفها بمدن القناة, والتخطيط للاعتداء علي السفن الأمريكية وهي تعبر القناة, وإيران تمر بفترة بالغة الحساسية وهي تناور في موضوع التخصيب, وتسعي لكسب الوقت, وهناك توجه لفرض عقوبات عليها والعقوبات كما نعرف لا تحدث تأثيرات مباشرة, ويتصور الغرب أو يراهن علي الانقسام الايراني في الداخل, وقد أحدث الانقسام شرخا ما في النظام, ولكن لن يكون سببا لسقوطه ولهذا سيفكر الغرب في التعامل مع إيران بنفس طريقة تعامله مع الاتحاد السوفيتي السابق أو مثلما فعلوه مع ألمانيا, فلن يقبل الغرب منافسا له أو كيانا يهدده وللأسف هناك حماقة إيرانية تساعد الغرب علي هذا, وعلي العالم العربي ألا ينجرف وراء هذه الحماقة, فإيران لها أجندتها وهي تلعب في العراق, وأفغانستان واليمن والسودان, وكل ما تفعله يخدم تلك الأجندة, والأوضاع في المنطقة بشكل عام متوترة, ووصلت لحافة الهاوية, ويمكن ان تندلع الحرب في أي وقت, ولكن ذلك سيكون مرهونا بحسابات الوضع الداخلي في إيران ووجود القوات الأمريكية في العراق, وربما محاولة إصلاح الخطأ الأمريكي التاريخي, الذي قدم العراق ومنطقة الخليج علي طبق من فضة لإيران, عقب غزو العراق, وقد يكون ذلك هو السبب الرئيسي في التفكير لتوجيه ضربة عسكرية لإيران. ومع ذلك يظل السؤال, هل تندلع الحرب في المنطقة, أم يتم إنقاذها من السقوط في الهاوية؟. المزيد من مقالات مجدي الدقاق