لم تفاجئني تصريحات المهندس سعد الحسيني عضو مكتب الإرشاد العام لجماعة الإخوان المسلمين ود. محمود عزت نائب المرشد العام في مؤتمر امبابه يوم الخميس الماضي, ولم أسمع جديدا في قول أولهما بأن الجماعة تسعي لريادة المجتمع لتحقيق هويته الإسلامية تمهيدا لإقامة الحكم الإسلامي أو في دعوته السلفيين والصوفيين وأنصار السنة للعمل المشترك من أجل التمكين للدين. وحثهم علي انتهاز الفرصة للانتشار السياسي بالمساجد والمصانع والجامعات, ولم أجد ما يدعوني للتوقف أمام قول الثاني إن الجماعة ستطبق الحدود, ولكن بعد امتلاك الأرض, ولم يدهشني إسراع الاثنين وآخرين من أقطاب الجماعة لنفي ما قالاه, علي الرغم من أنه مسجل بصوتيهما وصورتيهما. أما السبب فلأن ما قاله القطبان الإخوانيان, هو من المعلوم عن تاريخ الإخوان بالضرورة, فقد بدأ مؤسسها الراحل حسن البنا حياته السياسية بالنشاط ضمن لجان الخلافة, التي تشكلت لتسعي إلي نقل الخلافة الإسلامية إلي بلد إسلامي آخر, بعد أن ألغاها أتاتورك في تركيا.. ولما فشلت هذه اللجان في تحقيق هدفها بسبب الصراع بين ملوك المسلمين علي أيهم أحق بأن يضيف عمامة الخلافة إلي تاجه, قرر البنا أن يبدأ مشوار اعادة الخلافة من القاعدة لا من القمة, وأن يؤسس جماعة هدفها إعداد الفرد المسلم أولا, ليشكل أسرة مسلمة, ثانيا, ليتكون من مجموع هذه الأسر المجتمع المسلم, ثالثا, لتكون الخطوة الرابعة هي تكوين الدولة الإسلامية, التي يخضع لها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها, ويحكمها خليفة يطبق شرع الله, ويعيد مجد السلف الصالح من الخلفاء. تلك هي يوتوبيا حسن البنا التي ولدت وبها عيب خلقي بكسر الخاء وسكون اللام هو أن مؤسسها الذي كان منظما موهوبا ولم يكن فقيها مجتهدا ركز جهده علي حشد المسلمين وتجميعهم وتنظيمهم حول المعلوم من الدين بالضرورة, ومع أنه كان يدرك أن القرون التي مرت منذ تأسيس الخلافة الإسلامية, وهي نظام حكم مدني ابتكره المسلمون ولم يرد به نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة في قرآن أو سنة, قد غيرت من أحوال المسلمين, ومن أحوال العالم الذي يعيشون فيه, وهو ما يتطلب اجتهادا عصريا, فقد أصر علي إبقاء باب الاجتهاد مغلقا, إذ كان يعتقد أن الخلافات الفقهية, هي التي فرقت بين المسلمين ومزقت الوحدة الإسلامية, وأن المهم الآن هو توحدهم حول المسائل البسيطة التي لا يختلفون حولها مثل الالتزام بعبادات وأخلاقيات الإسلام, فإذا قامت الدولة الإسلامية فسوف تجد في مدونة الفقه الإسلامي الموروثة عن السلف, الكثير الذي تطبقه, وإذا ما اشتد عود الجماعة فلا مانع من فتح باب الاجتهاد الآمن الذي لا يمزق التنظيم ولا يبدد الوحدة, وهي مهمة رحل البنا من دون أن يقوم بها, وانشغل خلفاؤه بصد الغارات التي شنتها نظم الحكم علي الجماعة, عن القيام بها, فكانت النتيجة أن تضخم التنظيم علي حساب الرؤية, وأصبحت الجماعة كما قلت أكثر من مرة جسدا بلا رأس.. وعضلات بلا عقل! ليس فيما قاله القطبان الإخوانيان في مؤتمر إمبابة, إذن ما يضيف جديدا إلي المعروف عن آراء جماعة الإخوان المسلمين يدعوهما إلي تكذيبه, فالجماعة بالفعل تسعي لإقامة خلافة إسلامية سنية, تحكمها الشريعة الإسلامية, كما يفهمها الإخوان المسلمون, نقلا عن السلف الصالح,ما يدعو للدهشة ليس ما قاله القطبان الاخوانيان, بل هو هذا السيل من مقالات وتصريحات الاعتراض التي صدرت عن النخب السياسية المدنية, وكشفت عن أنهم وقعوا في فخ متقن لخديعة النفس, حين أوهموا أنفسهم بأن الإخوان المسلمين يقفون معهم في نفس المعسكر, ويسعون مثلهم لإقامة دولة مدنية ديمقراطية تحل محل الدولة الاستبدادية التي اسقطتها ثورة52 يناير, ولم ينتبهوا إلا بعد غزوة الصناديق وتصديحات القطبين إلي الحقيقة التي أعلنها الإخوان من قبل, وهي أنهم يسعون لتحقيق هدف اقامة الدولة الدينية, عبر مرحلتين متميزتين, هما مرحلة المشاركة ومرحلة المغالبة أو مرحلة الاستضعاف ومرحلة التمكين. في مرحلة المشاركة يسعي الإخوان للتحالف مع كل القوي, وإلي التظاهر بأنهم يقفون معها في المعسكر نفسه, لذلك أعلنوا في برنامجهم الإصلاحي عام4002, أنهم يطالبون بجمهورية برلمانية, وأيدوا في برنامج7002 إبقاء النظام الرئاسي الذي كان قائما, ولم يعارضوا السلطات الواسعة التي كانت نصوص دستور1791 تكلفها لرئيس الجمهورية, بل عارضوا النص في التعديلات الدستورية علي أن مصر دولة تقوم علي المواطنة, ورفعوا شعار دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية.. وهي طبقا لتفسيرهم تختلف عن الدولة الدينية في شيء أساسي, هو أن الذين يحكمونها ليسوا رجال دين يرتدون الجبة والقفطان والعمامة, ويتصرفون باعتبارهم ظل الله في الأرض, بل خبراء مدنيين يرتدون القميص والبنطلون والكرافتة, ويحوزون مناصبهم عبر الآليات الديمقراطية, التي يختصرها الإخوان عادة في شيء واحد, هو الانتخابات وحكم الأغلبية! وبرنامج مرحلة المشاركة هو الذي حال بين نواب الإخوان والتقدم بمشروعات قوانين لتطبيق الشريعة الإسلامية, علي امتداد أربعة فصول تشريعية كان لهم خلالها وجود ملحوظ في المجلس النيابي, لأن طرح مثل هذه المشروعات يدخل ضمن برنامج مرحلة المغالبة وهو وراء سعيهم للدعوة إلي جبهات وطنية تضمهم مع غيرهم من القوي السياسية ثم ينفرط عقدها, حين تكتشف الأطراف الأخري أنهم يسعون لتوظيفهم للعمل لحسابهم, وهو وراء الصدمة التي أحدثتها تصريحات سعد الحسيني ومحمود عزت لدي ثوار التحرير, الذين توهموا أن الإخوان حين شاركوهم الاعتصام في الميدان ولعبوا دورا مهما في إنجاح الثورة كانوا يسعون مثلهم لإقامة دولة مدنية ديمقراطية طبقا للمعايير الدولية. ثم اكتشفوا في ضوء هذه التصريحات أنهم يسعون لإقامة دولة استبداد ديني تحل محل دولة الاستبداد المدني التي رحلت! { تلك صدمات تحدث عادة حين يحاول الإخوان الربط بين برنامج مرحلة المشاركة وبرنامج مرحلة المغالبة فتفلت الخيوط من بين أيديهم, وينكشف المستور, وكان ذلك ما حدث حين أدلي مرشدهم الأسبق بالتصريح الذي قال فيه: إن دولتهم سوف تحظر التجنيد علي غير المسلمين وتفرض عليهم الجزية, وحين قال خليفته إنه يقبل رئاسة ماليزي لمصر, وحين ضمنوا مشروع برنامج حزب7002 النص علي تشكيل هيئة من كبار علماء الدين تعرض عليهم القوانين بعد إقرارها من مجلس الشعب, للحكم علي مدي شرعيتها, وهو ما حدث في الأسبوع الماضي, حين طرح سعد الحسيني برنامج مرحلة المشاركة, بينما فضح محمود عزت جانبا من برنامج مرحلة المغالبة. ولو أن القوي السياسية التي أزعجها ما قالاه, تعاملت مع الحقائق, لأدركت أن الإخوان يسعون بالفعل لإقامة دولة إخوانية دينية, ولحددت موقفها منهم علي هذا الأساس الذي لم ينكروه يوما, ولو أن الإخوان تعاملوا مع هذه الحقائق, لأدركوا أن الوقت قد حان لاجتهاد فقهي خلاق, يوازن بين ضرورات الدولة المدنية الحديثة, والإسلام, الذي لم يخطئوا حين قالوا إنه دين مدني إذ هو كذلك بالفعل, أما هم فليسوا كذلك بالمرة. وتلك هي مشكلة باب الاجتهاد الذي أغلقه المرشد المؤسس.. ولم يفتحه خلفاؤه حتي اليوم. ومرة أخري: صديقك من صدقك.. لا من صدقك. المزيد من مقالات صلاح عيسى