أعداء الشعب! كان المفهوم الشائع في السياسة المصرية خلال الخمسينيات والستينيات هي أن كل الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب. وكان أعداء الشعب بالمعني السياسي هم كل من ينتمي بالفكر إلي نظام ما قبل ثورة يوليو; أو يختلف مع النظام في توجهاته الداخلية أو الخارجية; أو ببساطة كل من له رؤية أخري حول كيفية سير الأمور في الدولة. نتيجة هذا المفهوم كانت حرمان مصر من أخلص الوطنيين, فكان منهم من دخل السجون, ومن هاجر إلي الخارج حتي إن الكثير ممن ذهبوا للدراسة في البعثات الرسمية فضلوا البقاء في البلدان التي ذهبوا إليها, وكان منهم من صمت وكفي. النتيجة الكلية لذلك كانت حرمان مصر من أفضل ما عرفت من عقول وأفكار لو كانت موجودة لما جرت كوارث وهزائم. مضي هؤلاء وجاء عقد السبعينيات وعلي ما جاء فيه من حريات عامة وانفتاح اقتصادي وسياسي فإنه سرعان ما ظهر أعداء للشعب آخرين عرفوا بالرذالة كان منهم المثقفون والخبراء والساسة وكل من اختلف مع النظام. وفي يوم مشئوم حل آلاف من هؤلاء في السجون, ولم يمض وقت طويل حتي تم اغتيال رئيس الجمهورية وارتجت الدولة كلها بعد أن أصبحت علي كف عفريت جديد خرج من القمقم. هذا العفريت أصبح فزاعة العقود الثلاثة التالية حيث باتت قوي جهادية وإرهابية وعنيفة وسلمية أيضا من أعداء الشعب, وكانت النتيجة اعتقال الديمقراطية, واغتيال سيادة القانون, وضياع فرص عظيمة للانتقال من دول العالم النامي إلي صفوف الدول المتقدمة. ويبدو أن الطبع غلاب, والعادة راسخة, وأن أعداء الشعب والأشباح والعفاريت لا بد من وجودهم وإلا غابت الحرب مع طواحين الهواء. الاسم هذه المرة هو الثورة المضادة وهو بحكم التعريفات التاريخية أنصار النظام القديم, وكل من له رأي آخر فيما يجري وما سوف يكون. ولأن الغريزة كاسحة فإنه يجري استحضار أعداء الثورة حتي عندما تفشل الثورة في الاتفاق علي التظاهر أو الاعتصام, علي أساس أن هناك جرثومة مضادة تمنع الثوار من الاتفاق علي قيادة يمكن للشعب والحكم أن يتعامل معها. سوف تنجح الثورة فقط عندما تقيم مجتمعا لا يقوم علي الخوف من المشاركة أو إبداء الرأي ويقوم علي سيادة القانون الطبيعي!. المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد