مصر في حاجة إلي صحافة للثورة حتي ولو كان ثوريو52 يناير خارج السلطة, ولا أستطيع خداع القراء بادعاء أن التغيير في قيادات المؤسسات الصحافة القومية. صحافة الشعب بالأصل جاءت بالثوريين إلي مسئولية صنع القرار الإداري والتحريري لكن إزاحة عدد من وجوه ما قبل52 يناير. خطوة مهمة لمعالجة الاحتقان في الشارع والمؤسسات, خاصة أنها ظلت بمثابة عبء ثقيل علي صحفها وتورطت في ممارسات لا مهنية وحامت حولها شبهات فساد سياسي وغير سياسي. الزملاء الجدد الذين يتولون مسئولية هذه المؤسسات مدعوون إلي تلبية متطلبات مرحلة انتقالية في السياسة والصحافة, وبصرف النظر عن الملاحظات بشأنهم وعلي طريقة اختيارهم. ولا يتصور أن نبدأ هذه المرحلة من دون سياسات تحرير جديدة تقوم علي القطيعة مع عهد الولاء لرجال السلطة والأعمال علي حساب القراء والمهنية. ويتطلب وضع هذه السياسات أولا حوارا حرا بين الصحفيين أنفسهم ومع القراء ومختلف تيارات وقوي المجتمع من دون إقصاء أو استعلاء. وبالأصل تحتاج شجاعة نقد الذات والاعتراف بالأخطاء وتداركها, وبقدر ما تحتاج أيضا إلي إطلاق مبادرات الإبداع والابتكار. ولست مع استبعاد أي كان من الكتاب والصحفيين حتي من تورطوا في ممارسات معادية للشعب والثورة وفي انتهاك حقوق زملائهم المادية والمعنوية بما في ذلك المنع من النشر والحرمان المهني والتهميش والتجويع. لكنني لا أتصور أن يظل هؤلاء في العهد الجديد محتكرين لمساحات النشر وأن يتقاضوا نظير ذلك مكافآت سرية سخية أو أن تستمر أعمدتهم الصحفية المغتصبة بسلطة المناصب القيادية مفروضة علي القراء. فقد آن الأوان لكي تختفي من صحفنا القومية ظواهر من قبيل كرسي وعامود وغابة الأعمدة, وأن تتحدد الأعمدة لكتاب لهم شعبية بحق بعد استطلاع نزيه لآراء القراء. وأتصور أن يتحكم في فرص نشر الرأي الاعتبارات الموضوعية لا الشخصية, مع مراعاة تنوع الاتجاهات والانفتاح علي أسماء جديدة وشابة. وأتمني أن يطالع القراء في الأهرام مقالات كتاب من قبيل جلال أمين و طارق البشري وحسن حنفي و علاء الأسواني و عزمي بشارة و نادر فرجاني و حسام عيسي وغيرهم من الأسماء اللامعة المحترمة. وأتمني أن يعود إليها محمد حسنين هيكل وسلامة أحمد سلامة و فهمي هويدي و أسامة الغزالي حرب. أما إصلاح الإدارة في هذه المرحلة الانتقالية فيتطلب فورا فتح ملفات الفساد المتراكمة, واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكراره, وصياغة عقد جديد بين الإدارة والعاملين في لائحة داخلية معلنة تنهي عهد سرية العمولات والمكافآت والتقارير والجمع بين المناصب القيادية, وتضع حدا معقولا بين أدني وأعلي دخل وتوصيفا وظيفيا ماليا لكل منصب وقواعد موضوعية وشفافة للثواب والعقاب, فضلا عن سياسة توظيف رشيدة ترعاها لجان اختبار. وفي ظني فإن هذا لن يتحقق من دون الاستماع لمطالب العاملين المشروعة التي صاغوها في عدة وثائق علي مدي الشهرين الماضيين وفتح حوار مع جمعية عمومية موسعة لا جمعية الستة وثلاثين عضوا المختارة بقواعد مجلس الشوري ونظام حكم مبارك وغالبيتها من المعينين وفق ميول الحزب الوطني ورئيسه ونجله وزوجته وأجهزة الأمن. أعرف أن الطريق طويل وشاق وسيكون مليئا بالمعوقات والعراقيل والمصاعب. فهناك قوي داخل هذه المؤسسات الصحفية ستقاتل لاستمرار الأوضاع القائمة ودفاعا عما تحتكره معنويا وماديا وللتغطية علي الفساد السياسي والمهني والمالي والإفلات من المحاسبة فيما ارتكبته لعشرات السنين. وأعرف أيضا أن الانتقال إلي اتخاذ القرار التحريري والإداري بجماعية وديمقراطية ليس بالسهل. كما يتطلب تشكيل مجالس إدارة وتحرير مؤهلة لتغيير الصورة التقليدية السلبية للصحف القومية, ولممارسة هذه الثقافة المفتقدة في اتخاذ القرار. أكتب مقالي هذا ولا أدري إذا ما كان سيلقي مصير المنع ذاته لأي مقال كتبته لجريدتي الأهرام في شأن محلي منذ بداية علاقتي بالنشر فيها عام.6891 ولعل من المفارقات المؤسفة أن يجري حجب مقال كتبته في فبراير الماضي بعنوان: مستقبل الصحافة القومية بعد ثورة52 يناير فيما أخذ المسئولون عن أزمة هذه الصحافة يحتكرون الحكمة ومساحات النشر بشأن هذا المستقبل علي صفحات الجريدة. لكن دعونا نتفاءل قليلا ونحاول. المزيد من مقالات كارم يحيى