عاجل - الذهب المستفيد الأكبر من خفض الفائدة.. فرص شراء قوية للمستثمرين    تشكيل بايرن ميونخ وتشيلسي في قمة الجولة الأولى من دوري أبطال أوروبا    700 فصل و6 مدارس لغات متميزة جديدة لاستيعاب طلاب الإسكندرية| فيديو    تدريب آلاف الطلاب بالجامعات على معايير جودة التعليم بمبادرة «بداية جديدة»    بحضور وزير الخارجية.. التفاصيل الكاملة لفعالية «استجابة مصر للكارثة الإنسانية.. معاً لإبقاء غزة حية»    حاتم زكريا يكتب: التصويت لفلسطين وتغيير النظام الدولي    العمل تعلن وظائف جديدة في الأردن بمجالات صناعة الكرتون والشيبسي    الداخلية تكشف حقيقة هروب صاحب سلسلة مطاعم بعد النصب على المواطنين    بدء المؤتمر الصحفي ل مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    بوتين يبحث هاتفيًا مع رئيس وزراء الهند الأزمة الأوكرانية وتطورات العلاقات الثنائية    لأول مرة.. ترشيح طالب مصري من أبناء جامعة المنيا لتمثيل شباب العالم بمنتدى اليونسكو للشباب 2025    إنزاجي يستقر على بديل كانسيلو أمام الأهلي السعودي    وكيله: إمام عاشور يستحق الاحترام من الأهلي    أرتيتا يتفوق على فينجر بعد 25 مباراة في دوري أبطال أوروبا    "الأرصاد": أمطار غزيرة على منطقة نجران    مصرع شخص والبحث عن آخرين في ترعة بسوهاج    اختلت عجلة القيادة..مصرع شخصين بمركز المراغة فى سوهاج    صورة - الرئيس الكازاخي يكرم مفتي الجمهورية ويمنحه وسام الشرف    ياسمين الحصرى ل"الستات": والدى جاب العالم لنشر القراءة الصحيحة للقرآن    بالذكاء الاصطناعي.. رضوى الشربيني تستعيد ذكريات والدها الراحل    موعد عرض الحلقة الأولى من مسلسل المؤسس عثمان 7 على قناة الفجر الجزائرية وترددها    هل الحب يين شاب وفتاة حلال؟.. أمين الفتوى يجيب    احتجاجات واسعة في لندن ضد زيارة ترامب لبريطانيا    مدارس «القليوبية» تستعد لاستقبال مليون و373 ألف طالب    تعيين نائب أكاديمي من جامعة كامبريدج بالجامعة البريطانية في مصر    أيمن عبدالعزيز يعلن تمسكه بعدم العمل في الأهلي.. وسيد عبدالحفيظ يرد    كيليان مبابي يعلن غيابه عن حفل الكرة الذهبية 2025    حقيقة اختفاء 5 قطع أثرية من المتحف اليوناني في الإسكندرية    إصابة شاب بإصابات خطيرة بعد أن صدمه قطار في أسوان    "الصحة" تُكمل المرحلة السادسة من تدريب العاملين على أجهزة إزالة الرجفان القلبي    فوائد السمسم، ملعقة واحدة لأبنائك صباحا تضمن لهم صحة جيدة    إحالة شكاوى مرضى في وحدة طب الأسرة بأسوان للتحقيق    بعد نشر صورة مع جدها الفنان محمد رشدي.. من هي البلوجر فرح رشدي؟    مظاهرات في لندن ضد زيارة ترامب إلى بريطانيا    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    قناة السويس تشهد عبور السفينة السياحية العملاقة AROYA وعلى متنها 2300 سائح    80%ملكية أمريكية.. ملامح الاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة والصين بشأن "تيك توك"    قوات الاحتلال تقتحم مدينة نابلس شمال الضفة الغربية    عاجل- رئيس الوزراء: مصر ثابتة على مواقفها السياسية والإصلاح الاقتصادي مستمر رغم التحديات الإقليمية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    معاش للمغتربين.. التأمينات تدعو المصريين فى الخارج للاشتراك    مفتى الجمهورية: ما يجرى فى غزة جريمة حرب ووصمة عار على جبين العالم    تحديث بيانات المستفيدين من منظومة دعم التموين.. التفاصيل    المنيا.. تنظيم قافلة طبية مجانية في بني مزار لعلاج 280 من المرضى غير القادرين    وزارة الصحة تطلق أول مسار تدريبى لمكافحة ناقلات الأمراض    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    ننتهج استراتيجية تعتمد على الابتكار والرقمنة.. وزير الري: نصيب الفرد من المياه لا يتجاوز 560 متر مكعب سنويًا    بن عطية يفتح جراح الماضي بعد ركلة جزاء مثيرة للجدل في برنابيو    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    «عبداللطيف» يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسي تعزيز التعاون المشترك في مجالي التعليم العام والفني    اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية    "جمعية الخبراء" تقدم 6 مقترحات للحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    حركة القطارات | 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 17 سبتمبر    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    رانيا فريد شوقي تستعيد ذكريات طفولتها مع فؤاد المهندس: «كان أيقونة البهجة وتوأم الروح»    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل الصحافة القومية بعد ثورة 25 يناير
نشر في الأخبار يوم 03 - 03 - 2011

السمكة تفسد من رأسها". هكذا يقولون . لكن النظرة العلمية الموضوعية للظواهر الاجتماعية ليست بهذه البساطة . فثمة علاقة جدلية بين السمكة ورأسها. كلاهما يؤثر في الآخر ويتأثر به . وهذا الأمر ينطبق علي حال الدولة و الثورة في مصر . فقد ترجم ثوار 25 يناير الوعي بان السمكة تفسد من رأسها، فشددوا علي مدي 18 يوما مجيدا علي الاطاحة بالرئيس المتنحي . لكنهم يدركون ان عملية تغيير النظام برمته قد بدأت وحسب، ولا يجب ان تتوقف حتي الاطاحة بكل "مبارك " و رجاله في كل مؤسسة ومجال ومعهم دستورهم وقوانينهم و أساليبهم ومناهجهم وثفافتهم، تمهيدا لبناء أسس جديدة لدولة ديموقراطية مدنية لم تشرق شمسها علي البلاد منذ فجر التاريخ . وإذا ما شئنا ان نتناول أزمة الصحافة القومية، فاننا لاشك موقنون بان أيه محاولة لانقاذها واصلاحها تتطلب أولا تغيير القيادات التي تم اختيارها علي مدي عقود علي أسس غير شفافة وغير ديموقراطية . بل ان الاختيار في الأغلب الأعم جانبته معايير الكفاءة والمهنية والنزاهة . ودون التشكيك في قيادة بعينها، فان قرار التعيين لهذه القيادات كان يتم اسما وشكلا بواسطة مجلس الشوري و لجنتة العامة. وكلاهما يسيطر علي أغلبيته الكاسحة الحزب الحاكم . ويرأسهما أمين عام الحزب نفسه. وفعليا فان اختيار قيادات الصحافة القومية كان يجري من جانب رئيس الدولة رئيس الحزب الحاكم،الذي يصدرأيضا قرار تشكيل المجلس الأعلي للصحافة المهيمن علي شئونها عامة وعلي شئون الصحف القومية خاصة. والي جانب سلطة رئيس الجمهورية في اختيار قيادات الصحف القومية هناك أسرته، بخاصة نجله أمين لجنة السياسات كما جري في السنوات الأخيرة، فضلا عن أجهزة الأمن التي يظل لتقاريرها الكلمة المؤثرة في دولة شمولية بوليسية بإمتياز و محكومة بالاستبداد والفساد .
ولما كانت هذه الدول سرعان ما تتحول للانقضاض علي القوانين التي وضعتها حكوماتها وبرلماناتها المطعون في شرعيتها شعبيا و تأخذ في انتهاك نصوصها واحدا تلو آخر، فقد جري اختيار قيادات الصحف القومية من أعضاء الحزب الحاكم وبواسطة آليات تخالف نصوص القانون 96 لسنة 1996 الذي يقضي بأن الصحف القومية مستقلة عن جميع الأحزاب والسلطة التنفيذية ( المادة 55 ) . بل ان ادارة هذه المؤسسات التي تعود الي الشعب كله كما تقول فلسفة انتقال كبريات الصحف في عام 1960 من الملكية الخاصة الفردية والعائلية الي لون من ملكية الدولة العامة ذات الطبيعة الخاصة جرت بالمخالفة لنصوص عديدة في هذا القانون .وقد أوكل تمثيل الشعب وممارسة حقوقه في ملكية هذه المؤسسات الي "الاتحاد القومي" في عام 1960 ثم"الاتحاد الاشتراكي" بحلول عام 1962 ثم "مجلس الشوري" بحلول عام 1980 . فاللوائح المالية والإدارية للمؤسسات الصحفية القومية سرية أو شبه سرية. والميزانيات لا يجري الإعلان عنها،ومعها المكافآت والمخصصات السرية لمجموعات منتقاة. و القيادات الإدارية والصحفية تستقطع لنفسها نسبة من حصيلة الإعلانات علي نحو لا يقره قانون، وبخاصة المادة 70 من قانون الصحافة لعام 1996 . و المجالس التحريرية غائبه او غير قائمة بالأصل . كما جري الخلط بين الإعلان والتحرير وعمل الصحفيين كمستشارين لمسئولين تنفيذيين و رجال اعمال و شركات ومصالح محلية وأجنبية. ناهيك عن أوجه الفساد وسوء الإدارة الأخري. وفي كل ذلك ما يخالف قوانين عهد جمهورية 1952 بما في ذلك حكم "مبارك" نفسه . و لأن الشعب المصري قام في مطلع عام 2011 بواحدة من أعظم الثورات في تاريخ البشرية ولأن النية تتجه بعد الانتهاء من المرحلة الانتقالية الي دستور جديد يليق بالشرعية و بالجمهورية الجديدتين، فإنه لا يمكن تصور أن تظل صحافتنا القومية بذات القوانين السابقة،وقد سكنتها روح الاستبداد لعقود طويلة. فبمقتضي هذه القوانين فإن مجالس الإدارة أغلبيتها من المعينين من جانب مجلس الشوري لا المنتخبين، فضلا عن الجمعيات العمومية التي جري اختزالها الي 36 عضوا نيابة عن جميع العاملين من عمال واداريين وصحفيين يأتي معظمهم ايضا بالتعيين . وهي بالأصل جمعيات محدودة الصلاحيات ولاتملك حق سحب الثقة من رئيس مجلس الإدارة او المجلس واعضائه. و قد جري تركيز معظم الصلاحيات بين يدي "رئيس المؤسسة"،وهو مايعكس الثقافة السائدة في نظام سياسي يركز السلطات في يد رئيس الدولة . والي جانب ذلك فان مجالس التحرير في صحافتنا القومية هي كلها بالتعيين. بدءا من رئيس التحرير المعين من قبل مجلس الشوري ووصولا الي أعضائه المعينين من قبل مجلس إدارة المؤسسة بأغلبيته المعينة لا المنتخبة. وفي الممارسة ووفق الثقافة السياسية الاستبدادية ذاتها، فان مجالس تحرير الصحف جري اختزالها في شخص رئيس التحرير، بل ان غالبية الصحف القومية لا تعرف مجالس تحرير ولا سياسات تحرير مكتوبة ولا نقاشا ديموقراطيا في اتخاذ القرار التحريري . وقد اضيف الي ذلك تآكل ماتبقي من تقاليد مهنية طورها الصحفيون في مصر منذ القرن التاسع عشر والي بدايه عقد السبعينيات من القرن الماضي. وكان أثر هذه التقاليد قد تجلي علي نحو أو آخر في السنوات الأولي للصحافة القومية الي أن تلاشي أو كاد.
ولكن .. من أين نبدأ والي أين نصل ؟
حال الصحافة من حال البلد الآن . هناك مرحلة انتقالية يتلوها تأسيس جمهورية جديدة وصحافة جديدة بدستور وقوانين ديموقراطية . وحينها فان مصير هذه الصحف القومية سيعود الي الشعب، ممثلا في برلمانه المنتخب ديموقراطيا، ليقرر نمط الملكية و أسلوب الادارة وكيفية اختيار القيادات ومحاسبتها لو شاء ان تستمر هذه الصحف بفلسفتها وصيغتها " القومية " هذه . وفي كل ذلك فان المصريين لا الصحفيين المصريين وحدهم في حاجة الي نقابة صحفيين ونقابات مؤسسات صحفية فاعلة لا غائبة ومختطفة لحساب الإدارة و الحزب الحاكم وأجهزة الأمن، كي تشارك في صياغة هذا المصير .
هذه مرحلة في الأفق تتحدد بمسار التحول الثوري الجاري في المجتمع كله ومعه مصير الصراع مع نظام ذهبت رأسه و اهتزت أركانه، لكنه لايزال يسيطر ويحكم بقليل من التغيير في الوجوه وبذات الأساليب والمناهج .أما المرحلة الانتقالية في صحافتنا القومية فيجب ان تبدأ بأسرع ما يمكن انقاذا لهذة المؤسسات العملاقة و للاسماء التاريخية لصحفها، بعدما فقدت المصداقية لدي القراء و انهار توزيعها و شاع فيها حديث الفساد وإهدار المال العام، و خصوصا بعد أدائها التحريري غير المقبول شعبيا ومهنيا في تغطية ثورة 25 يناير . ولم يعد خافيا علي الرأي العام ان المؤسسات الصحفية القومية اصبحت اشبه ببرميل بارود علي وشك الانفجار . وقد اختلط في هذا المشهد النادر صراعات مصالح اجتماعية و مهنية بل وشخصية أيضا . و هي صراعات تبدو من بعيد للثوار والعسكريين والساسة بالغة التعقيد، إلا ان نظرة من قرب تسمح بالتقاط ماهو محوري ونبيل فيها، حيث يتشكل منذ اندلاع الثورة في رحم هذه المؤسسات ضمير مهني وطني انساني يكتسب يوما بعد يوم انصارا وكتلا مؤثرة . وتتشكل جماعات من عمال و ادرايين وصحفيين تبلور أفكارا خلاقة لعبور المرحلة الانتقالية، وتتحرك من أجل تغيير يقوم علي اسس الديموقراطية والعدالة و الشفافية . وهذه العملية علي اهميتها لا تخلو من مشكلات وعراقيل، لا مجال لمناقشتها هنا وفي الحيز المحدد المتاح للنشر .
لكن المهم ان هذه الحركة داخل المؤسسات و بتأثير رياح الثورة أخذت في غضون أقل من شهر واحد في بلورة حلول جماعية للمرحلة الانتقالية . وعلي سبيل المثال فقد وصلت هذه الحركة في مؤسسة "الأهرام " الي وضع قائمة مطالب من 15 بندا يقوم بالتوقيع عليها جموع العمال والإداريين والصحفيين. وتنطلق هذه المطالب من مزج خلاق بين ثلاث مكونات هي :الشرعية الثورية.. و الشرعية القانونيه لنصوص إيجابية ظلت معطلة ومهملة.. وتراث النضالات الإجتماعية السياسية والنقابية المهنية علي مدي العقود الماضية . إذ انه ليس دقيقا القول أو الإيحاء بأن ملف الصحافة القومية لم يكن مفتوحا في يوم أو عهد ما، بما في ذلك عقد الستينيات من القرن الماضي .فلطالما كان هناك عدم رضا ازاء صيغة الصحافة القومية قانونا و تطبيقا منذ ولدت . وطالما كان هناك مقترحات للإصلاح . ولدينا تراث جماعي صاغته توصيات مؤتمرات الصحفيين العامة بنقابتهم، وآخرها المؤتمران الثالث والرابع في عامي 1995 و2004 . ولدينا تراث فردي كان لكاتب هذا المقال شرف المشاركة فيه بكتاب صدر مطلع عام 2005 بعنوان :" حرية علي الهامش : في نقد احوال الصحافة المصرية ". ويخطئ من يقول بان اصلاحات المرحلة الانتقالية بدءا بتغيير القيادات الآن تخلف فراغا وفوضي. فلدينا بوصلة رؤية وكتلة حية من الصحفييين ومختلف العاملين تعرف جيدا ما هو الطريق . حقا ان إصلاح السمكة من رأسها، لذا تبدو المطالبة بتغيير قيادات المؤسسة الصحفية و علي اسس جديدة أمرا لايحتمل التأجيل. لكن المنادين بهذا التغيير مثل شعبهم علي وعي بأن رأس السمكة وحده لايكفي . وهم في ذلك يسعون لانقاذ هذه المؤسسات و استعادة مصداقيتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.