يمر الاقتصاد المصري اليوم بحالة غير مسبوقة من التعثر والتراجع منذ أحداث25 يناير, ورغم أن البورصة المصرية نجحت في كسر حاجز الخوف بارتفاع غير متوقع شمل غالبية الأسهم المدرجة في السوق. فإن شبح الأزمة الاقتصادية مازال يلقي بظلاله, ومن ثم تبدو الحاجة ماسة إلي تعاضد وتكاتف الجميع لتحقيق خروج آمن من عنق الزجاجة. والأرجح أن دورا رائدا لعبته لجان الزكاة في مجالات التنمية البشرية إضافة إلي احداث طفرة تنموية واقتصادية نجحت بصورة جلية في تقليص معدلات الفجوة الاجتماعية التي برزت بصورة صارخة في عهد الرئيس المخلوع, وخصوصا في الريف والمناطق الفقيرة, وربما كان شعار( خبز حرية عدالة اجتماعية) الذي رفعه ثوار25 يناير متوافقا إن لم يكن مستلهما من المخزون الثقافي لهذه اللجان. ومن المتوقع أن تشتد الحاجة إلي دور لجان الزكاة خلال الفترة المقبلة في ظل الاختلالات الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد المصري, وتسريح كثير من العمالة اليدوية, وعمال الزراعة جنبا إلي جنب العمالة العائدة من ليبيا وجلهم من الفقراء الذين لا يملكون موردا ثابتا للدخل. في هذا السياق تثار تساؤلات عدة تتعلق بطبيعة الدور المنوط للجان الزكاة في دعم الاقتصاد الوطني بعد ثورة25 يناير, وتحويلها من قوة استهلاكية إلي قوة منتجة, خصوصا وأنها تستقبل ما بين عشرة مليارات و17 عشرا مليارا سنويا, يتم جمعها وإنفاقها عبر طرق مختلفة منها14 ألف جمعية خيرية وإسلامية وخمسة آلاف لجنة زكاة تابعة لبنك ناصر الاجتماعي, وكذلك بعض البنوك الإسلامية ومشيخة الأزهر الشريف التي تتلقي ما يقرب من ستة ملايين جنيه سنويا لتوزيعها علي الفقراء والمساكين فضلا عن توزيعها عن طريق الأفراد في الأحياء والمناطق الفقيرة. والواقع ان أموال الزكاة تعد أحد أهم الأدوات المالية لمعالجة مشكلة الفقر والاحتياج, لاسيما وأنها موردا إلزاميا ثابتا ومستمرا لا يتأثر بما يمكن للدولة توفيره من دعم, وإذا كان الفقر يتزايد في العصر الحاضر بعد أن بلغت نسبتهنحو 25% حسب الأرقام الرسمية, ورغم المخصصات الحكومية السابقة للحد من هذه الأزمة, فإنها ظلت فاشلة بالنظر إلي أن هذه المخصصات كانت وهمية في جزئها الأكبر, ومن, هنا تبدو أهمية مؤسسات الزكاة في مصر ودورها في دعم الاقتصاد الوطني. وحقيقة الأمر أن لجان الزكاة نجحت بصورة ملموسة قبل أحداث ثورة25يناير وفي أعقابها في تقديم معالجات سريعة وجيدة للخلل الاجتماعي الناجم عن تدهور الأحوال الاقتصادية, وذلك عبر بناء وتدشين مشاريع خدمية وتعليمية وصحية واستثمارية أسهمت في حل أزمة البطالة اضافة إلي تحقيق معدلات أعلي للتنمية البشرية فشلت فيها حكومات النظام السابق. ويشار في هذا الصدد إلي لجنة زكاة مسجد أبوشعبان بقيادة المايسترو عبدالله أبورضا ورفاقه ودورهم في بناء منظومة اقتصادية أهلية لم تهدف فقط إلي رعاية الفقراء والأيتام, وإنما حملت مشعل التنوير والثقافة والابداع لتدشن أو مشروع من نوعه لتعليم اللغات والكمبيوتر بجهود خيرية, فضلا عن تأسيس ورش ملابس جاهزة تمكنت من استقطاب جزء من البطالة المنتشرة بين أوساط الشباب. والحق أن مسئول اللجنة( عبدالله أبورضا) ورجالاته أسهموا في حفظ التوازن الاجتماعي لقريتهم وبعض القري المحيطة بهم, والأرجح أن نجاح اللجنة يعود بالأساس إلي أن كون القائمين عليها محل ثقة المواطنين, فلا فساد ولا محسوبية ولا رشوة تتخلل عملها. غير أن الدور التنموي للجان الزكاة في عمومها مازال بحاجة إلي أن يتعاضد ويتكاتف بعد أن قطعت شوطا كبيرا علي صعيد سد الحاجات اليومية للمترددين عليها. لذلك قد يكون من الضروري استثمار أموال الزكاة, فلا ينبغي أن تستخدم فقط لسد احتياجات الفقراء الاستهلاكية, إنما يجب أن تستخدم في خلق أدوات للاستثمار لهؤلاء الفقراء حتي يستطيعوا بدورهم أن يمتلكوا أدوات الانتاج التي تضمن لهم دخل ثابت وبالتالي سد احتياجاتهم بصفة مستمرة, ومن ثم دفع مسيرة الاقتصاد المصري خطوات إلي الأمام لتجاوز تداعيات المرحلة الراهنة. ومن هذا المنطلق قد يكون من المفيد للمؤسسات التي تتلقي أموال الزكاة استثمارها في بناء المصانع والمؤسسات التجارية وخلق أنشطة مدرة للدخل لتحول الفقراء من متلقين للزكاة إلي دافعي الزكاة. وتلك الوسيلة في استخدام أموال الزكاة تعد من أكفأ الوسائل التي تحول المجتمع بأكمله إلي مجتمع منتج به تنمية بشرية واقتصادية, فضلا عن مواكبتها ثورة52 يناير التي هدفت بالأساس إلي تحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن الاجتماعي بين أبناء الوطن.