نعم.. هي جريمة في حق الوطن.. وجرح يمثل نزيفا مستمرا في جسد الاقتصاد القومي, مليارات الدورلات ضلت طريقها من خزينة الدولة التي تنفق منها علي تلبية احتياجات البسطاء من المواطنين, بالاضافة الي تمويل المشروعات القومية والبنية الأساسية الي جيوب حفنة تحولوا الي مليونيرات نتحدث هنا عن رأس الجريمة وهو القانون رقم واحد لعام1998 الذي سمح بدخول القطاع الخاص في مجال أنشطة وخدمات التوكيلات الملاحية البحرية دون ضوابط او شروط مما أدي الي كوارث اقتصادية مازالت البلاد تدفع ثمنها حتي الآن. وقبل الدخول في تفاصيل هذه الجريمة يجب أن نوضح للقاريء ما هي التوكيلات الملاحية؟ وما هي أهميتها والدور الذي تلعبه والأنشطة التي تقدمها في الخدمات البحرية؟ النظام العالمي في مجال الخطوط الملاحية التي تمتلك أن تدير عددا من السفن لابد أن يكون لها وكيل ملاحي في كل دولة تدخل موانيها حيث يقوم هذا الوكيل بتقديم كل الخدمات من تموين وقود ومياه ومواد غذائية واحتياجات طاقم البحارة عند دخول السفينة الي الميناء, بالاضافة الي سداد الرسوم السيادية التي تحددها الدولة. بالاضافة الي ذلك يتولي الوكيل الملاحي التدخل لحل المشكلات إن وجدت بين ملاك السفينة وممثلي الحكومة في حالة علي سبيل المثال الاصطدام بالأرصفة او تلوث المياه في الميناء وغيرها. مما سبق يتبين لنا أن نشاط الوكالة الملاحية هو أقرب الي الوساطة والسمسرة منه الي الاستثمار الحقيقي الذي يعود بالقيمة المضافة الي الاقتصاد القومي, فهذا النشاط لايحتاج الي استثمارات ضخمة او مبالغ مالية كبيرة, فالأمر لايحتاج أكثر من مكتب او شقة متوسطة الحجم مزودة بعدد محدود من العاملين وأجندة اتصال محلية ودولية لتكون علي تواصل مع السفينة قبل دخولها او خروجها من الميناء. ونحن لسنا ضد القطاع الخاص ولكننا مع دخوله في مشروعات كبيرة وخدمات جديدة تمثل القيمة المضافة للاقتصاد, وهناك بالفعل مشروعات كبري ناجحة واكتسبت سمعة عالمية في مجال تداول الحاويات في موانيء السخنة وشرق بورسعيد والاسكندرية. وبعد هذا التوضيح نعود الي أصل القصة بطرح السؤال- كيف كان الوضع بالنسبة للتوكيلات الملاحية قبل صدور القانو رقم1 لعام1998 ؟ كانت الدولة تحتكر هذه الأنشطة خاصة بالنسبة للسفن العابرة لقناة السويس باعتبارها ممرا عالميا ولأفضل لأحد في جذب السفن اليه وهو ما يعني انها جاية.. جاية فكانت خزينة الدولة تحصل علي رسوم العبور للقناة الي جانب خدمات الوكالة الملاحية والتي كانت تتولاها القناة للتوكيلات. وظلت شركة القناة للتوكيلات الملاحية تمارس هذه الأنشطة علي مدي أكثر من40 عاما دون منافسة من أحد قبل دور القانون1 وهي شركة تملكها الدولة بنسبة92%, بالاضافة الي4% لحصة مساهمين من القطاع الحكومي. الخطير في هذا القانون أنه لم يسمح بدخول القطاع الخاص الوطني فقط لممارسة هذه الأنشطة, بل الأجانب أيضا, وهو ما أدي الي انخفاض كبير في اجمالي الايرادات خاصة ان أكثر من95% من الخطوط الملاحية التي تعبر قناة السويس وتتردد علي الموانيء المصرية يملكها أجانب وليس مصريون, وهو ما أدي الي حرمان خزينة الدولة من ملايين الجنيهات والدولات سنويا سواء بالنسبة للارباح او الضرائب او الرسوم السيادية بعد الانخفاض الحاد في عدد السفن التي كانت تخدمها الشركة من18 ألف تقريبا في العام الي أقل من الفي سفينة, بما يعني ضياع95% من مصدر الدخل. الي جانب ذلك أدي هذا القانون المشبوه الي تداعيات خطيرة في الملاحة والاقتصاد علي حد سواء ولعل أهمها أن الفرصة لم تمنح للقطاع الخاص المصري فقط اصحاب الحق والوطن, بل وشركاء في متطلبات دعم الاقتصاد القومي, وانما شملت القطاع الخاص الأجنبي دون اعطاء أي مميزات للمصريين والذين لم يتمكنوا من منافسة الأجانب في جذب واستجلاب الخطوط الملاحية العملاقة وكانت النتيجة خسائر فادحة تمثلت في الآتي تركيز الجانب الأكبر من الأنشطة التجارية والخدمية البحرية في أيدي الوكيل الأجنبي. تحرك العنصر الأجنبي في اتجاه منافسة القطاع الخاص المصري من خلال النزول بأسعار خدماته إلي مستوي متدني وصل إلي حد التكلفة, مما زاد من حدة المضاربة بأسعار تلك الخدمات, وبالقطع أدي بالفعل إلي احتكاره لما يزيد عن80% من حجم أعمال الوكالة عن سفن العبور وسفن الميناء الواحد, بل وإخراج منافسيه من القطاع الخاص لمصري من مجال النشاط سواء في مجال الوكالة الملاحية أو الخدمات المرتبطة بالنقل البحري.. وتم حرمان خزانة الدولة من الكثير من حقوقها الضريبية التي كانت تؤدي إليها من خلال الشركات الوطنية التابعة لقطاع الأعمال, والتي كانت تسهم في تخفيض عجز الموازنة وتمويل ضرورات الحياة, وبعض المشروعات الاستراتيجية, وذلك بتقارير جهاز المحاسبات والمجالس القومية المتخصصة وجلسات مجلس الشعب الموثقة بالتقارير والمضابط وهذا لاشك أفقد الدولة مصدرا هاما, ومؤثرا من مصادر العملات الأجنبية التي تراكمت نتيجة تحويلات ملاك السفن بالخارج للشركات الوطنية. حدثت الهزة الكبري في سوق العمل الملاحي بسبب حصول كبار المسئولين بالدولة علي حق تمثيل ملاك السفن الأجنبية, إلي جانب الحصول علي تراخيص وكالة من تلك السفن من خلال مكاتبهم وشركاتهم, حيث منحهم القانون هذا الحق, وبالتالي أنتج هذا القانون آثارا سلبية علي الشركات الوطنية ومنها شركة القناة للتوكيلات الملاحية كشركة عملاقة داعمة للاقتصاد الوطني منها: انخفاض أعداد السفن المخدومة خاصة العابر منها لقناة السويس بنسبة95,5% وبالتالي فقدان93% من حجم الايرادات الناجمة عنها, أي أننا فقدنا نحو16000 سفينة سنويا كانت تضيف لخزانة الدولة فقط كأتعاب وكالة عن سفن العبور نحو192 مليون دولار سنويا. كما فقدت الدولة القدرة علي ضبط تراكمات التحويلات من العملات الأجنبية التي ترد من ملاك السفن, وهي مصدر هام للدولة تدعم الحكومة من خلال تلك التراكمات الكثير المشروعات الاستراتيجية الكبري, وقد كانت تراكمات تلك الحصيلة من العملات الأجنبية تعبر عن مجموع ما يتم تحويله من الخارج بمعرفة ملاك السفن وأصحاب الخطوط الملاحية, والتي وصلت إلي ما يجاوز الأربعة مليارات دولار. وتعاظمت الآثار السلبية في ضبط حركة التحويلات بالنقد الأجنبي وتجسدت في قيام القطاع الخاص في سبيل تدبير احتياجاته لأداء أعماله ومنها سداد رسوم عبور قناة السويس بتجميع تلك العملات من السوق المحلي, وهو لاشك يمثل تزايدا في الطلب عليها مما كان له الآثر المباشر في ارتفاع قيمتها في مواجهة العملة المحلية التي تنخفض وتتدني قيمتها تلقائيا ولمعالجة الآثار السلبية والتداعيات التي أحدثها القانون1 لسنة1998نتقدم باقتراحات في اتجاه ما يمكن اتخاذه من إجراءات تضمن دعم الخزانة العامة للدولة واقتصاد مصر أهمها: اعادة النظر في القانون رقم1 لسنة8991 والقرارات اللاحقة له: وذلك لوقف نزيف وإهدار المال العام وحقوق الخزانة العامة للدولة ولدعم اقتصاد مصر في الوقت الحالي خاصة في ضوء المتغيرات الاقتصادية الجديدة بعدما تأثرت الوحدات الانتاجية والبورصة والاحتياطي النقدي بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وبالشكل الذي يحقق التوازن العادل والمنافسة الشريفة بين شركات قطاع الاعمال العام ومنها شركة القناة للتوكيلات الملاحية وبين شركات القطاع الخاص من حيث التدرج في حمولات السفن, وضمان جدية التحويلات النقدية من الخارج والتزام الجميع بتوريد الحد الأدني لأتعاب الوكالة لوزارة النقل بما لا يترك الفرصة للتهرب من سداد مستحقات الدولة, ويجعل الهدف من إفساح المجال أمام القطاع الخاص المصري لمزاولة أعمال الوكالة الملاحية دعما للاقتصاد المصري هدفا حقيقيا يتحقق علي أرض الواقع. تعديل قرار وزير النقل رقم520 لسنة20063 ليشمل الضوابط الآتية: وقف إصدار تراخيص الوكالة الملاحية(238 ترخيصا في الوقت الحالي) لمدة عامين يتم خلالها دراسة موقف الوكالات الملاحية بشكل نوعي حتي يمكن التحقق من مدي جدية بعض الشركات الحاصلة علي تراخيص, ومدي التزامها بالضوابط الواردة في القرار, وقرارات تسعير خدمات الموانيء خاصة في ضوء اتجاه قطاع النقل البحري لمراقبة جودة الخدمات التي تتم من خلال كل الشركات. قصر الوكالة عن السفن الاجنبية أيا كانت حمولاتها التي تعبر قناة السويس شمالا أو جنوبا علي شركة القناة للتوكيلات الملاحية. وقصر أعمال الوكالة عن السفن الأجنبية والمصرية المملوكة للمصريين أيا كانت حمولاتها التي تؤم الموانيء المصرية للقيام بعمليات الشحن والتفريغ, علي الشركات المصرية عام وخاص دون الأجنبي وفقا لتعاقدتها, وما تقوم به من وكالة عن الشركات الملاحية العالمية, وفي هذا ضمان لسيطرة الدولة نسبيا علي صناعة إستراتيجية كصناعة النقل البحري تدر عائدات ضخمة من العملات الحرة وبالتالي إبعاد شبح الوكيل الأجنبي عن سوق النقل البحري الذي استولي عليه من خلال شراكته مع بعض الشركات المصرية. وفي ضوء ما سبق لابد وأن نتساءل: من المسئول عن السماح بإهدار المليارات من العملات الصعبة, والتي كانت تمثل تراكمات تحويلات ملاك السفن من الخارج, والتي كانت تدعم الاقتصاد المصري والكثير من المشروعات الاستراتيجية في مصر؟ ولماذا تم حبس تقارير رئاسة الجمهورية والمجالس القومية المتخصصة والجهاز المركزي للمحاسبات ولجان النقل والمواصلات والقوي العاملة في أدراج مجلس الشعب فهناك الاستجواب الذي سجلته مضبطة مجلس الشعب بجلسته رقم43 في29 فبراير2000 في الفصل التشريعي السابع دور الانعقاد العادي الخامس, حيث اتضح اثناء المناقشة أن الخزانة العامة قد فقدت أكثر من مائتي مليون جنيه سنويا كانت تأتي من عائدات وأرباح شركتي القناة للتوكيلات الملاحية والإسكندرية للتوكيلات الملاحية, حيث ترتب علي هذا انهيار اجتماعي واقتصادي للشركتين وانخفضت الحياة المعيشية لآلاف العاملين, ولم يتم تعويض الخزانة العامة لما فقدته من أموال, كما أثير بنفس جلسة الاستجواب تقرير رئيس جهاز المحاسبات الذي أفصح عن أن هناك وسائل تخريب لوسائل الاقتصاد في هذا الوطن العزيز, حيث تبين من الفحص أن حصيلة النقد الاجنبي المسددة من ملاك السفن الأجنبية لشركتي قطاع الأعمال العام للتوكيلات الملاحية أي شركة الإسكندرية وشركة القناة بلغت خلال خمس سنوات من عام1990/1989 حتي1994/93 نحو9715 مليونا: أي9 مليارات و715 مليونا, كما لوحظ أن هناك تحايلا في المواني المصرية فلي القوانين والقرارات السيادية علي خلاف ما يقضي به الصالح العام, وعلي خلاف ما تقضي به القرارات السيادية المنظمة لاعمال الوكالة الملاحية بالموانيء المصرية, حيث تزايد نشاط كبار المسئولين للعمل كممثلين ملاحيين لملاك السفن الأجنبية والسماح لهم بمباشرة أعمال تعتبر من اختصاص التوكيلات الملاحية, وهذا الكلام معناه أن هناك عيونا تتطلع لكل عمل ناجح في مصر, واتضح أنهم لم يضيفوا شيئا لخزينة الدولة المبالغ التي تعوضنا عما كان يدخل للخزانة العامة, برغم أن هاتين الشركتين كان لهما فضل كبير في كثير من المشروعات العامة والاستراتيجية.