لا أظن أن هناك حكومة علي أرض مصر واجهت ما تواجهه الآن من ملفات اقتصادية ومواقف جادة وحادة وحساسة مثل الحكومة الحالية اذ لم يمر بتاريخ مصر مثل هذه الظروف فقد مررنا بأزمات نكسة1967 وما ترتب عليها من آثار اقتصادية وخيمة استمرت لسنوات سبع عجاف واستطعنا قيادة اقتصاد مصر واعداده لمعركة العبور, ورغم كل الضغوط والظروف الصعبة الا أن ما نواجهه الآن شيئ مختلف تماما عما سبق ويتلخص في أن هناك ملفات حادة تحتاج إلي مواجهات جادة بفكر يعكس الثورة ولا يمثل امتدادا لمنظومة نهبت ثروات مصر. فالبعض لا يزال يدافع عن مصالحه التي افرزها النظام السابق ضمن شبكة نهب مصر. ألا نؤمن بأهمية أن يكون هناك الجديد في النظر إلي الأمور؟ الا يجب أن تكون نظرتنا واجراءاتنا وتصرفاتنا تعكس روح25 يناير؟ كيف نفسر علي سبيل المثال سفر وزير السياحة برفقة نفس الحاشية القديمة من الوزارة إلي بورصة برلين الا يعلم العالم كله وعلي الهواء كل صغيرة وكبيرة تجري علي أرض مصر كل لحظة؟ هل يكون الهدف هو اعطاء صورة وردية عن أمن واستقرار لم يعودا للآن إلي أرض مصر؟ أليس من الاهم أن يساند قطاع السياحة في هذه المحنة بعماله وموظفيه ومؤسساته وقطاعاته ويبحث لها عن حلول لازمة حطت عليهم في الأجور واقساط البنوك والتأمينات والكهرباء وغيرها؟.. إنها رحلة رفاهية في وقت جاد لم يعد يحتمل سفر وزير. ولا يزال البعض من المستفيدين الذين يمثلون اذناب نظام الفساد الاقتصادي يروجون أفكارا لانقاذ عملائهم الذين هبطوا علي ثروات البلاد ونهبوها للافلات من العقاب والتحجج بأن الانهيار الاقتصادي قادم وأن التحفظ علي أموالهم سوف يوقف نشاط الشركات دون ادراك للمعني القانوني للتحفظ علي الأموال الشخصية فقط والذي لا يقترب من قريب أو بعيد من حسابات الشركات والمصانع, إن هذا خلط متعمد في هذا المفهوم لإثارة عمال المصانع واشعال الفتنة بين المؤسسات المختلفة. ان هناك علامات خطر تحيق بالاقتصاد الوطني يجب التعامل معها علي الفور منها علي سبيل المثال: تحقيق العدالة في التوزيع وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء بإعادة النظر في المرتبات والمكافآت الخيالية وبدلات حضور الجلسات الوهمية التي يتقاضاها البعض من عباقرة الزمن الماضي وبين هيكل أجور مخز ومهين للمصريين فهل يعقل ان يكون راتب استاذ جامعي600 جنيه بعد30 عاما من الخدمة والاستاذية! ان المطالبة بحد ادني للأجور1200 جنيه هو أول خطوة لاستعادة الكرامة التي سحقها نظام أجور مختل ومتعمد لاذلال المصريين والسيطرة عليهم. إن الحديث عن ان الاجور العالية تعكس قدرات وعبقرية أصحابها وضرورة الإبقاء علي الاوضاع الحالية في الفوارق الضخمة للأجور وتأجيل تصحيح فوضي هيكل الأجور هي دعوة تستهدف استمرار القلق وإثارة الشارع المصري والمطالب بالعدالة وتوقف الحياة والعمل واستمرار الاضرابات والاضطرابات. اننا نطالب بإنهاء دولة التمييز الطبقي بين أبناء الوطن الواحد. بل تقتضي العدالة الاجتماعية فرض ضريبة تصاعدية علي الدخول العالية ولتكن25% بدلا من الشريحة الحالية(20% المساوية بين جميع الدخول صغيرة كانت أو كبيرة) وفرض ضريبة علي الأرباح الرأسمالية الناتجة عن بيع الأسهم والاراضي والشقق والفيلات. وكذلك علي الأموال الساخنة التي تخترق البورصة واذون الخزانة وتحقق أعلي مكاسب في العالم وتخرج سريعا. إن العدالة الاجتماعية تتطلب أيضا تنمية حقيقية للزراعة والصناعة تعود عوائدها للشعب, وكذلك تصفية شبكات احتكار السلع وفي مقدمتها استيراد القمح واللحوم. كما ينبغي إعادة النظر في ملف التهريج المصرفي لتسويات جرت لكبار رجال الأعمال ضاعت فيها علي البنوك مليارات من الجنيهات واعادة النظر في التعديلات القانونية التي سمحت بهذا. ويرتبط بذلك أيضا اعادة النظر في قانون منع الاحتكار بعد ما اضافت اليه اللجنة المشتركة بمجلس الشعب المنحل مواد تزيد الاحتكار احتكارا. تأكيد سيطرة البنك المركزي علي البنوك الوطنية والبنوك الأجنبية في توجهاتها نحو دعم الاقتصاد الوطني حيث إنها قد غلت يدها عن منح الائتمان للصناعة والاستثمار لصالح شراء اذون الخزانة والقروض الشخصية, وكلاهما اكثر ربحية للبنوك واكثر اهدارا للمصالح والاستثمار الوطني. ولنسأل أنفسنا كيف استطاع أحد البنوك الوطنية ان يتباهي بتحقيق ارباح بلغت2 مليار جنيه دون أن يسأله أحد من أين وكيف وماهي القطاعات المنتجة التي ساهم فيها؟ ضرورة استعادة أرض الطريق الصحراوي بين القاهرة والاسكندرية المنهوبة إلي الدولة مرة أخري, وهنا نتساءل لماذا الضجة حول منتجع السليمانية وحده وكيف نفسر استثناء وادي النخيل الذي يقطنه رئيس الوزراء السابق في ثلاثة قصور بناها في غمضة عين, وبالاضافة إلي28 منتجعا آخر خالفت بشكل سافر شروط التعاقد وحولتها من ارض استصلاح زراعي إلي منتجعات وفيلات وحمامات سباحة وملاعب جولف تقضي علي ثروة مصر من المياه الجوفية واهتمت الشركات بالأكابر ولم تجد من يحاسبها. ان مخالفة شروط العقد تؤكد استعادة الارض وليست المصالحة. يجب استعادة الأرض مع تعويض الذين وضعوا يدهم عليها واساءة استخدامها بمقدار ماتم سداده. وأخيرا ماذا يمكن ان يفعل الوزراء الجدد؟ هل سوف يستمرون علي خطي السابقين؟ هل ستكون مهمتهم تسيير الأعمال؟ هل يدخل ضمن صلاحياتهم وضع تصور مستقبلي؟ إننا نتصور ان مهمتهم هي روتينية من ناحية وثورية من ناحية أخري. اما الأولي الروتينية فهي ادارة وتسيير شئون الوزارة بشكل روتيني محض وهذا لن يقدم ولن يؤخر بل سيؤدي إلي الاستمرار فيما سبق ولما كان الشباب قد ضحي ودفع ثمنا من أجل الثورة علي الأوضاع ومن أجل الانتقال إلي مرحلة أخري جديدة فإننا نتصور انتقال الوزراء الي الملف الثاني وهو المهام الثورية من خلال تكوين مجموعة عمل في كل وزارة مهمتها وضع خطة العمل في المرحلة الانتقالية التالية, وذلك خلال اسبوع واحد لأن الدراسات موجودة في جهات متعددة ويمكن الحصول عليها من المجالس القومية المتخصصة والمركز المصري للدراسات الاقتصادية ومعهد التخطيط وتوصيات الجهاز المركزي للمحاسبات وغيرها كثير. فمثلا من غير المعقول الا تكون هناك سياسة واستراتيجية للتصنيع في مصر ومن غير المعقول أيضا الا تكون هناك سياسة واستراتيجية لاستخدام الأرض في مصر توضح أسس تخصيص وتسعير وتسجيل الاراضي ومتابعة استخداماتها وفق نظام قانوني محكم لادارة اراضي الدولة حفاظا عليها, وكذلك سياسة زراعية إننا نستطيع زيادة الانتاج المحصولي بنسبة46% ولكنه لا يحدث وفق دراسة للدكتورة هناء خير الدين فيستمر ارتفاع اسعار الغذاء الذي يستحوذ علي54% من انفاق الاسرة المصرية. كما يجب ان تتوقف التعليمات التي منعت الفلاح من زراعة القمح وانخفاض مساحة الارض المزروعة بالقطن. لقد انتهي عهد سيطرة رأس المال علي الحكم والمؤسسات التشريعية وبدأ عصر جديد يعيد للمصريين كرامتهم ويوقف زحف مجموعات المستفيدين, ويعيد لمصر قدراتها وامكانياتها المسلوبة واستعادة الصحة الاقتصادية لمصر والمصريين. المزيد من مقالات عصام رفعت