ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية يؤشر بما لا يدع مجالا للشك إلي أن هناك في المجتمع من يريد أن تحل الفتنة محل الثورة, وأن تسيطر علي الناس الخلافات والانقسامات بدلا من التطلع لمستقبل أفضل بعد ثورة 25 يناير المجيدة. لم يكن متوقعا علي الإطلاق أن يحدث ما حدث بين شباب المسلمين والأقباط في المقطم ومناطق أخري, وأن يتم إطلاق النار.. وإحراق المنازل.. وقطع الطرقات, وأن يتواري صوت العقل ليحل الجنون والتطرف محله. لم يكن متوقعا أن المجتمع الذي قام قبل أسابيع قليلة بأعظم ثورة سلمية في العصر الحديث ينزلق بعض أبنائه بهذه السرعة إلي هذه الأعمال المشينة التي تهدد بحدوث فتنة لن تبقي ولا تذر في حالة استمرارها, أو تصاعدها لا سمح الله. لم يكن متوقعا أن يساهم البعض من القيادات في الطرفين في اشعال الموقف من خلال التشدد في المطالب أو الصمت, وترك القوات المسلحة وحدها تحاول وأد الفتنة, ونزع فتيل النار المشتعلة. إن الوطن الذي دفع مئات الشهداء منذ52 يناير دماءهم الذكية من أجل أن يصبح حرا وديمقراطيا ونظيفا من الفاسدين, لا يستحق أبدا مثل هذه المعاملة الشاذة من بعض أبنائه. وقد كان مفهوما أن تندلع مثل هذه الأحداث الطائفية في زمن الحكم السابق, بل ان تساهم بعض القيادات آنذاك في اشعالها, لكن ماهو المبرر الآن لكي تعود الفتنة وتطل برأسها من جديد, مهددة باضاعة كل ما سطره المصريون جميعا من أمجاد خلال أيام الثورة المجيدة. إن كل القيادات علي الجانبين مسئولة عن إعادة الهدوء وتغليب صوت العقل والاحتكام الي القانون وترك الفرصة لقواتنا المسلحة ولحكومتنا لمعالجة الأمر بروية وعقلانية وعدالة, أما أخذ القانون عنوة ومحاولة فرض أمر واقع, أو الحصول علي مطلب معين من خلال القوة, فأمر لا يمكن تفهمه أو تبريره علي الإطلاق. وبالتأكيد فإن المصريين جميعا أقباطا ومسلمين يقفون بكل ما أوتوا من قوة وراء الجيش في محاولته تطويق الأزمة ووأد الفتنة, وكلنا علي ثقة بأنه قادر إن شاء الله علي إعادة الأمور إلي نصابها ومعاقبة مثيري الفتنة, وإخراج البلاد من هذا الوضع الذي يهدد كل مكاسب الثورة.