مهلا أخي القارئ فلا تحكم علي قبل قراءة المقال إلي نهايته.. صدق أو لا تصدق, وأرجو أن تصبر قليلا علي ما قاله لي صديقي الذي كان قريبا من السلطة وصناع القرار!! بالنظام السابق. قال هذه هي الفوضي الخلاقة التي خططت لها اسرائيل وامريكا.. حتي تهيئ الطريق لصناعة طوق أمني لاسرائيل لتتمكن من سيطرتها علي مصر و العالم العربي.. ولا أدل علي ذلك من تحرك جيوشها أمام رفح المصرية وأمام سواحلنا ومحاولات أمريكا التدخل العسكري في ليبيا لعمل كماشة علي مصر, وكذلك تآمر قناة الجزيرة لسان حال النظام القطري المعروف بالتبعية المطلقة لأمريكا واسرائيل ودور القاعدة العسكرية الأمريكية هناك.. ولهذا فأنا لست مع الثورة..!! لقد انهالت علي هذه الكلمات كجبل صلد جثم علي صدري فلم أعد أتنفس حتي قضيت ليلتي كأصعب ليلة في حياتي لأنني مافرحت طوال عمري بقدر فرحتي بهذه الثورة ومازلت فقد كانت هذه الكلمات صدمة عنيفة. وبعيدا عن الحماس العاطفي وبشئ من العقل تعالوا نفند ما قيل.. أستطيع أن أؤكد الآن أن اسرائيل ومن وراء اسرائيل سيعملون ألف حساب قبل تفكيرهم في أي تحرك من شأنه المساس بمصر مصر الجديدة بعد الثورة, لأننا نحن المصريين, بل والعرب نشهد حالة من التلاحم والتماسك الاجتماعي والوطني بشكل لم يحدث له مثيل في تاريخ مصر, فإذا كان الملايين قد خرجوا من أجل تغيير النظام فإن عشرات الملايين علي استعداد للشهادة في سبيل الله من أجل مصر وفي مقاومة المعتدين.. لقد أزالت الثورة كل الضغائن التي زرعها النظام البائد في نفوسنا.. كثيرا ما التقيت بزملائي في ميدان التحرير من الصحفيين والكتاب العلمانيين وغيرهم ممن اختلفت معهم كثيرا, كنت استقبلهم بالحفاوة والحب وليس من أمر يشغلنا جميعا إلا مصر.. كثيرا ما التقيت اخواني الأقباط وشاركتهم ترانيمهم في مشهد يجمع بين الهلال والصليب ولم يكن ما يشغلنا اثناء الثورة إلا مصر أليس هذا مكتسبا عظيما قد تحقق؟! كثيرا ما رأينا جميعا هوانم مصر وفتياتها وشبابها واساتذتها ينظفون ميدان التحرير وكوبري قصر النيل في مشهد يؤكد ان الثورة أزالت أمراض الكبر وزرعت مكانها بذور الحب والعشق لمصرنا الحبيبة أليست هذه روحا سامية قد عششت في قلوبنا؟! إن أبناء مصر الذين تغلبوا علي تآمر الفاسدين والمجرمين والمساجين قادرون علي مواجهة أي تآمر خارجي, وهذه قوة صنعتها الثورة وستزيد دوما بإذن الله. ابداع جديد نلمسه كل يوم شاهدنا من سارع بعمل صناديق خيرية عاجلة لمساعدة عمال اليومية الذين توقفوا أثناء الثورة صناديق جمعت الطعام والأموال وغير ذلك لم أتمالك نفسي حين رأيت مشاهد عديدة مثل هذا الشاب وهذه العروس اللذين أصرا علي أن يبدآن حياتهما من رحم الثورة ويعقدان قرانهما في ميدان التحرير بين جموع الشباب والثوار. رأينا الشباب والفتيات وبلا تدبير مسبق ينظفون كل مصر, وعلي الفور يتعاون معهم المارة وبالدعم المادي غير المحسوب والفوري والذي ليس له معيار إلا الحب لمصر رأينا جميعا مشاهد وابداعات تؤكد عظمة هذا الشعب وعبقريته واخلاصه وجوهره الراقي الذي ظل مطموسا بيد القهر والظلم والفساد حتي أخرجته سواعد الثورة الطاهرة القوية وظهر للجميع ليعلن بكل ثقة أن مصر الآن وبعد25 يناير ليست هي مصر التي يعرفها العالم قبل25 يناير إنها أعظم وأقوي إنها مختلفة تماما وقد أقر بذلك العالم كله حتي قياداته.. كل هذا يؤكد لاسرائيل ومن وراء اسرائيل ومن يريد بمصر سوءا أن الأمر ليس بالسهل, وأن هذا الشعب ومن أمامه جيشنا الباسل العظيم سيجعل من مصر مقبرة للغزاة والمعتدين بقوة الله ثم بإرادة مصر والمصريين. كان من الممكن قبول رأي الفوضي الخلاقة في ظل النظام السابق لأنه قد بلغ درجة من الهشاشة والضعف والخور والفساد والعمالة ما يهيئ للطامعين من اسرائيل أو غيرها لأن تنال من مصر, لكن الأمر والحمد لله قد اختلف وحقيقة شعبنا قد بدت وشمس الفساد قد غربت ولن تعود. وطبقا لنظرية الاحتمالات وأن تكون هذه الثورة قد خطط لها وأستخدمت في اطار ما يسمونه الفوضي الخلاقة فليكن ولكن انقلب السحر علي الساحر.. أرادوها فوضي فكانت ثورة.. أرادوها فسادا فكانت صلاحا واصلاحا, أرادوها اضعافا فكانت قوة وصلابة, أرادوها فرقة فكانت تماسكا وتجمعا ووحدة في وجه الفاسدين والطامعين والمفسدين وتلك هي مقادير الله مع المؤمنين الاطهار الصالحين من امثال ثوارنا المخلصين مصداقا لقوله تعالي ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين وإن الله يدافع عن الذين آمنو ويريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله ألا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. لهذا أرادوها دماء مسفوحة علي قارعة الطريق فكانت دماء زكية ارتوت بها أرض مصر لتنمو أزهار الحرية وتورق أشجار الربيع, ربيع القوة والنهضة والبناء. حسبوا أن الجيش هو جيش النظام, فكان الجيش جند الله في القوة, وملائكته في الخلق والنبل والتواضع وابن مصر البار وحامي أرضها الطاهرة وليس جيش النظام كما زعموا. ألم أقل انقلب السحر علي الساحر! وأخيرا وحتي نكون علي مستوي الثورة وحتي نستفيد من كل ما يقال ماذا علينا حتي نفوت علي المتربصين كيدهم وخبثهم, وحتي نرسو بالسفينة إلي بر الأمان؟ أتي أمر الله فلا تستعجلوه.. هذا قول الله ولهذا فلنصبر قليلا حتي يمهد الطريق وما يمكن أن نسيره الآن في يوم سنسيره غدا في دقيقة.. سنقفز ونقفز إلي الأمام, ولكن إذا مهد الطريق, وتمهيد الطريق يحتاج إلي قليل من الصبر حتي يفرغ المجلس الأعلي للقوات المسلحة من هذا الدور السياسي والدستوري والأمني إنهم لا ينامون ولا يعرفون الراحة إنهم علي مستوي المسئولية إنهم دائما مع مصلحة الشعب ويستجيبون لمطالبه المشروعة وآخرها إقالة الفريق أحمد شفيق, لهذا لا ينبغي مطلقا أن نشغلهم ونعيق مسيرتهم الراقية بوقفات احتجاجية فئوية هنا أو هناك.. إن ألف باء المنطق السوي يؤكد أن انجازا عظيما قد تحقق, وأن رأس الفساد قد قطع وما بقي إلا أن نشيع جنازة الفساد ونفرغ لمسيرة الحياة, حياة المستقبل الجميل. إننا في لحظة المخاض الأخيرة.. وكل مخاض يجمع بين الألم والأمل وبين البسمة والصراخ وبين الدم والمولود الجديد. إن مثل هذه اللحظات تحتاج إلي صبر وحكمة وروية, صبر من الأم الولود وحكمة من الطبيب ورؤية وحنان علي الوليد.. إنني كنت ومازلت وسأظل مع الثورة وإنها بعون الله ثم بحكمة شعب مصر.. لن تكون فوضي خلاقة بل ستكون ثورة معطاءة..