أبدي أهالي الشهداء والمصابين في ثورة الجماهيرية الليبية في مدن البيضاء وطرابلس ودرنة وطبرق استعدادهم لتقديم الغالي والنفيس من أجل تحرير بلادهم من الطواغيت. وأنهم مستعدون لتقديم أنفسهم ودمائهم وأولادهم قربانا لهذه الثورة وكشف الأطباء والمصابون في مستشفي الثورة عن استخدام النظام والمرتزقة الأسلحة الفتاكة والقنابل والطلقات الحية للقضاء علي الثورة وقتل الشعب الليبي. الأهرام عاشت لحظات عصيبة بين تشييع جثامين أول شهيدين للثورة ومقابلة المصابين وإلي التفاصيل. بعد أن سقط منه خمسة وهما خالد خنفر 23 سنة الطالب بكلية الآداب , وسعد حمد اليمني20 سنة حاصل علي دبلوم صنايع وعاطل عن العمل. كانا أول شهداء هذه الثورة المباركة والسبب المباشر في اشتعالها في البيضا يوم16 فبراير. استقبلتنا عائلة الشهيد الشاب سعد حمد اليمني, فقال والده لم تكن لدي سعد أي هتمامات ثورية أو سياسية, لكنه ككل الشباب في ليبيا كان مكتئبا من عدم حصوله علي وظيفة أو عمل يتعيش منه ولا يستطيع مثل أي ليبي التحدث فيها ولا عن المياه والكهرباء والنفط لأن النظام كان يعتبر الحديث عن هذه الأشياء حديثا في السياسة, وهو أمر لا يجوز, وينضم إلي نفس سياق الحديث ناصر أحمد بوجيدا صديق الشهيد سعد ورفيقه في المظاهرة قائلا: أباؤنا زرعوا في أذهاننا منذ الطفولة أن معمر لديه عصا سحرية يخفي بها من يتحدث عنه وأن من يذكر اسمه كمن أمسك بسلك كهرباء عار. سألته إذن كيف تجرأتم علي التظاهر ضده, فقال: لم يعد أمامنا سوي الخلاص منه أو الانتحار مثل غيرنا من الشباب الذين انتحروا من الفقر والقهر ففضلنا الخلاص منه لذلك انضممنا إلي المظاهرات, ويضيف والد سعد اليمني في هذا اليوم16 فبراير بقي سعد في المنزل حتي أدي صلاة المغرب, وخرج بعد أن تلقي اتصالا من صديقه حتي علمنا باستشهاده آخر الليل. وقد أبلغنا صهره سالم جاد عندما سمعت أن مظاهرة تجوب شوارع المدينة واتجهت إلي مديرية الأمن فاتصلت بمعارض من ضباط الشرطة لأسأل عما حدث, فقالوا لي إن أحد أبناء عائلة اليمني قد قتل فأردت أن أتأكد من هو فاتصلت بأنيس شقيقه الأصغر فوجدته في مكان آخر,فاتصلت بسعد فوجد هاتفه مغلق, فاتجهت إلي المستشفي وأنا أكرر الاتصال حتي دق جرسه ورد علي مدير المستشفي الإداري محمد العبيدي وأخبرني أن الهاتف للشهيد فتأكدت أنه هو وعندما وصلت إلي المستشفي لم أجد فيه سوي إصابة في الفم وكان تقرير الطبيب الشرعي يؤكد حدوث تهتك بالنخاع الشوكي وخروج الطلقة من الخلف. حمد اليمني والد سعد يقول إنه لم يمنعه من المظاهرة لأنها كانت سلمية ولذلك لم أتوقع أن تطلق الشرطة علي الشباب فيها الرصاص الحي أما والدته عجبة سعد سعيد, فتقول أطلق سعد لحيته ولم يعد يحلقها حتي ألاقي شغل وأتعين أحلق ذقني, كما كان يقول وحلمت أمس ابنة خالته به يقول لها لقد ثبت عند السؤال, وسمعت من صديقه ناصر بأنه حلم بعد يقول خليكو رجال لا تبيعوا دمي وأكملوا, وتضيف أم الشهيد سعد لم أحزن لاستشهاده وإن حزنت لفراقه لأن استشهاده أجج نيران الثورة في قلوب الشباب وأسهم في تحرير ليبيا, وكانت الكلمات نفسها علي لسان أمسقمة عبدالله محمد أم الشهيد خالد خنفر التي استقبلتنا بابتسامة تعبر عن الراحة والاطمئنان مؤكدة أن اسشهاد ابنها وصاحبه كانت هي الشرارة الأولي للثورة في البيضا التي انتقلت منها مع التلاحم إلي بنغازي غربا وطبرق شرقا لتتحرر المنطقة الشرقية كلها في ثلثة أيام من قبضة القذافي ويسقط فيها النظام الدموي. خالد خنفر 23 سنة كان يدرس في الفرقة الثانية بكلية الآداب, وتقول أمه: كان خالد يردد بعد ثورة تونس أن محمد بوعزيزي دخل التاريخ من أوسع أبوابه, وكان يتمني الشهادة أو الكفاح ويوم16 أغلق المحل الذي يديره مع شقيقه نجيب, وقال له أنا رايح المظاهرة فقال له الله معاك, وكان يحكي أنه متحمس للثورة لتحرير بلاده, كما فعل شباب مصر وتونس, وتضيف والدته أمسقمة عبدالله عائلة خالد من العائلات التي عانت من قهر وظلم القذافي, فقد سجن اثنين من أعمامه وهما عبدالعاطي وعبدالغني خنفر بتهمة محاولة قلب نظام الحكم عام1971, ومكثا بالسجن17 عاما, والقذافي كان يكرههم جميعا لأن والدتهم( جدة خالد خنفر) مردوعة ابنة عم عمر المختار, وهو ما جعلهم في طليعة المجاهدين.ويحكي نجيب عن استشهاد أخيه برصاصة في الصدر خرجت من الظهر, وقد تهتك ظهره فبدا كمن انتابته حالة صرع من انتفاضته وحركة يديه واهتزاز جسده وحملوه إلي السيارة للتوجه إلي المستشفي لكنه قضي قبل أن تتحرك, وكانت جنازته هو وسعد اليمني القشة التي قصمت ظهر القذافي في البيضا حيث انتابت الناس الحماسة وغلت دماؤهم وردت عليهم الشرطة بالرصاص الحي ليكتمل عدد الشهداء14 شهيدا وتفلت من أيديهم زمام الأمور هذا ويواصل الشهداء في ليبيا ارتفاعهم( وليس سقوطهم) بليبيا إلي آفاق الحرية, فحيث يممت الوجه ثمة شهداء. وبعد أن عشنا لحظات الآلم الممزوجة بالفرح مع عائلتي الشهداء التقينا بالأطباء المصريين والليبيين سواء المتطوعون أو المقيمون بليبيا وروي لنا الدكتور عبدالرحمن شاهين استشاري الجراحة بطب الاسكندرية الذي ذهب مع زملائه متطوعا لعلاج مصابي الثورة الليبية في بنغازي وطبرق والبيضا مايؤكد علي دموية الإصابات. وكانت مستشفي الثورة استقبلت أول الثوار المصابين والشهداء تعج بهم حتي إن أطباءها حسب ما يقول عمر عطية الله عمر قاموا بتفريغ المرضي من النساء والأطفال إلي عيادات الأطباء الخاصة الذين تبرعوا بها للثورة لافساح الأسرة للمصابين, ويرقد عليها أكثر من56 مصابا بإصابات خطيرة غير مائتي مصاب بإصابات خفيفة سوي الذين تم علاجهم خلال ساعات وخرجوا حسب ما صرح به الدكتور محمود المسماري نائب العظام بمستشفي الثورة, والتي تغير اسمها إلي مستشفي شهداء الجيل, ويضيف الدكتور المسماري أنه لاحظ أن الإصابات أغلبها في القلب أو العين والقدم وفي مناطق حساسة.ولفت نظرنا بأصغر متظاهر فراس صالح الذي أصيب بطلقة خارقة حارقة في الفخذ الأيسر, وأجريت له عملية تثبيت بالبلاتين, علي طريقة ايلي زاروف من الخارج وهي نوعية متقدمة في تثبيت العظام وساعد فيها وأشرف عليها الدكتور محمد الفاضل. سألت فراس لماذا اشتركت في المظاهرة؟ فقال خرجت ثأرا لبلادي واسقاط القذافي وثأرا لأول شهيدين في الثورة وهما صديقاي سعد اليمني وخالد خنفر.. وأضاف فراس في حماس نحن أحفاد عمر المختار لا نقبل العار.. ومن ضمن مصابي الثورة عماد عبدالسلام إبراهيم الذي اشترك في الثورة والتظاهر في الأبرق والبيضا وشارك في حصار المرتزقة العبيد في كتيبة شحات وأصيب برمي مباشر. وحمزة إبراهيم الذي أصابه أحد المرتزقة, والأمين عبدالحفيظ محمد الذي أصيب بطلقة في قدمه, أما أبشع الإصابات التي صادفناها فكانت لعبدالواحد عبدالسلام عبدالصادق برصاصة في العين اليسري أطلقها عليه أحد المرتزقة من مسافة30 مترا بعد أن حمل أحد رفاقه من المتظاهرين بعد إصابته ليضعه جانبا فسقط بجواره ليحملهما آخرون من الثوار إلي المستشفي, وعنه يقول الدكتور المسماري إنه قد تم استئصال العين بالكامل. أما طلال ناجي عبدالله وكان من أوائل المصابين يوم16 فبراير بطلق في الساق اليسري أمام مفترق المصرف التجاري في أول مظاهرة والتي انضم إليها بعد بدايتها بساعة في الخامسة مساء, وقد فتت الإصابة عظام القدم وتم عمل تثبيت له.