هدوء مشوب بالترقب يغلف مدينة طبرق، صاحبة الميناء الشهير على البحر المتوسط، وصاحبة التاريخ فى معارك الحرب العالمية الثانية. وها هى تكتب تاريخها مجددا، حيث قال صلاح بن فضل بن مساعد، أحد منسقى حركة نقل المساعدات والإغاثة عبر ليبيا، ل«الشروق» إن طبرق ثانى مدينة بعد بنغازى تحركت للثورة على القذافى، لكنها أولى المدن المحررة، وأول مدينة رفعت علم الاستقلال (من الاحتلال الإيطالى قبل انقلاب القذافى على الملك السنوسى). ورغم نظامها القبلى المحكم وصلات النسب الوثيقة، إلا أن طبرق شهدت معارك لثلاثة أيام سقط فيها قرابة خمسين شهيدا. وأرجع بن مساعد قلة عدد الشهداء وسرعة التحرر إلى «القرابة الشديدة بين أهل المدينة، ما جعل الشرطة المحلية تستخدم الخرطوش فقط، وبعد ثلاثة أيام اجتمع الكبار وأمروا أبناء المدينة من أفراد الشرطة والجيش بالتوقف عن ضرب إخوانهم، وهو ما كان». المدينة سليمة تماما لم يتم فيها أى تدمير سوى إحراق مبنى البحث الجنائى ومبنى اللجان الشعبية. وعبر بن مساعد عن سعادته بنجاح الثورة المصرية، مشددا على أن «الشعب الليبى لن ينسى لمصر مساعدتها لهم رغم كونها فى أزمة أيضا». وفى مشهد متكرر كلما حلت قافلة مساعدات مصرية يهتف الليبيون «مصر وليبيا.. إيد واحدة». بعدها التقينا بعم صلاح، وهو أحد مشايخ طبرق، الذى قال إن «الثورة قامت لأن القذافى لم يقدم شيئا لليبيا، وحتى الطريق الوحيد الذى يربط ليبيا كلها ببعضها هو طريق فردى (اتجاه واحد) وحيد بلا إضاءة فى معظم مناطقه، ونسميه طريق الموت.. فضلا عن تخلف الرعاية الصحية رغم كل ما لدينا من بترول». ولم يفته أيضا أن يلفت انتباهنا إلى مصادفات ترتبط بالقذافى فهو تولى الحكم عام 1969، وشعبه يثور عليه وعمره 69 عاما، والمبنى الذى ألقى من فوقه خطابه الأخير هو نفسه الذى خطب منه أحد الولاة الأتراك عام 1811 وكانت نهايته بعدها بأشهر قليلة. ثم التقت «الشروق» أحد الجنود، ويدعى غالى من مدينة البيضاء، وهو مصاب فى ساقه بطلقات رصاص من سلاح كلاشينكوف فى الأيام الأولى للثورة على أيدى المرتزقة الأجانب. غالى قال لنا إنه قرر الانضمام للشعب عندما وجد المرتزقة يرتدون ملابس جيشهم الوطنى، مضيفا أنهم كانوا يضربونهم بالكلاشينكوف ومضادات الدبابات وبالطائرات». بعدها التقينا بقاسى عوض وأسامة قريرة، وهما من أطباء المستشفى المركزى فى طبرق، والذى تم إنشاؤه إبان حكم الإمام السنوسى. الطبيبان أوضحا أن أكثر الأيام ازدحاما بالضحايا كان يوم 18 فبراير، وقدرا عدد الحالات التى استلزمت البقاء فى المستشفى ب200 جريح غير الشهداء الذين تم إرسالهم إلى المشرحة. فيما قال طبيب مصرى، يدعى أحمد، ل«الشروق» إن «اتحاد الأطباء العرب يرسل أطباء ومستلزمات طبية وأدوية، وهناك قوافل طبية أخرى تخرج من مسجد رابعة»، مشيرا إلى أن مستشفى طبرق، وهو متخصص أساسا فى العظام، يخدم مساحة كبيرة حتى بنغازى، خاتما بأن حالات كثيرة سيتم نقلها إلى مصر بسبب نقص الشرائح المعدنية