صبحي صالح المحامي بالنقض وأحد القيادات البارزة بجماعة الاخوان المسلمين, هذا الرجل الذي تبدلت حياته خلال الشهر الماضي بين أمواج الأحداث التي شهدتها مصر. فمن سجن وادي النطرون داخل عنبر الإخوان مساء جمعة الغضب الي عضوية لجنة صياغة التعديلات الدستورية ولقاءات متعددة مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة, ومن الجلوس في عربة الترحيلات مكبل الأيدي الي الجلوس في وزارة العدل لصياغة التعديلات الدستورية التي تمثل نتائجها أعظم مكاسب ثورة25 يناير حتي الآن. الأهرام التقته في الإسكندرية مسقط رأسه لمعرفة رأيه في كل ما يدور في مصر الآن. * في البداية فإن الحديث معك يحمل واقعية عن الأحداث فقد انتقلت من مقاعد الثوار الي مقاعد لجنة تعديل الدستور واقتربت من القيادة العسكرية, فما هي رؤيتك لمكاسب الثورة التي تحققت بالفعل؟ ** أريد أن أوضح بأنني لم أنتقل من مقاعد الي أخري فلم يكن في حساباتي ولو علي سبيل الخاطر أنني سأكون في قلب الأحداث بهذه الطريقة فأثناء خروجي عقب تأدية الخدمة العسكرية وقعت علي اقرار بعدم دخول وحدات عسكرية نهائيا لأفاجأ بنفسي داخل الأمانة العامة لوزارة الدفاع في لقاء مع المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان, وقد استعرض المشير الصورة وأكد أن هدف القوات المسلحة هو توصيل السلطة بأسرع وقت الي الشعب من خلال حكم قائم علي المشروعية الدستورية للمدنيين, وكان التكليف بإجراء التعديلات ووصف المشير أن الهدف من التعديل هو تعميق الديمقراطية ونزاهة الانتخابات. أما عن مكاسب الثورة فأري أن الثورة حققت سقف أهدافها, الشعب خرج ينادي بهتاف واحد ومطلب محدد الشعب يريد إسقاط النظام والنظام سقط, سقطت مشروعيته ومؤسساته ورموزه, إذن فالثورة حققت أهدافها بنسبة100% فقد تم خلع الرئيس ونائبه وتشكيل حكومة تصريف أعمال, وحل مجلسي الشعب والشوري وتعميق العمل بالدستور والبدء في الاصلاح الدستوري باعتباره عتبة البناء الأولي والأساس الذي بمقتضاه تم اعادة مؤسسات الدولة بالإضافة لفتح ملفات الفساد بكل ما تشمله من رموز النظام الماضي الذي تم الاطاحة به والتحدي الأكبر في الثورة الآن إعادة بناء مصر. * ولكن بصفتك عضوا في لجنة صياغة التعديلات الدستورية فإن بعض الاتهامات وجهت للجنة بأن تلك التعديلات هدفت لإسقاط ترشح بعض المرشحين اسميا للرئاسة كالدكتور أحمد زويل والدكتور البرادعي من خلال تعديل المادة75 وفرض قيود علي الجنسية فما هو تعليقك؟ ** في البداية فإن المادة75 تم تطويرها في اتجاه نقاء الجنسية لأن المستقر عليه في علم السياسة والأحوال أن الجنسية ولاء ومتعدد الجنسية متنازع الولاء وذلك حتي في أحكام القضاء المصري والتي استقرت علي إسقاط عضوية مزدوجي الجنسية في مجلسي الشعب والشوري واذا كان هذا المستقر علي عضو مجلس الشعب فأولي بالرئاسة والهدف هو نقاء الجنسية وأن يكون المرشح جنسيته مصري من أبوين مصريين, أما انها لاسقاط ترشح رموز فهذا أمر غير صحيح لان الدكتور زويل والبرادعي لا أحد يستطيع أن يشكك في وطنيتهما بل هما قمم ترفع علم مصر في العالم ولكن الدستور لا يوضع لشخص وانما لحماية منصب ولايمكن اختزال كل الشعب المصري في اسمين أو ثلاثة, وأن فتح الباب أمام الترشح بلا عوائق من خلال المادة76 سيفتح الباب أمام كثيرين قادرين علي شغل هذا المنصب ولابد أن أؤكد أن منهج تعديل المادة75 ليس منهجا اقصائيا وليس ابتداعا من العدم وانما تقنين لسوابق قضائية ومحاكاة لنظم عالمية ديمقراطية. * واذا انتقلنا الي المادة76 من الدستور والتي كانت مثار انتقادات وأنها كانت تهدف الي التوريث نريد أن نعرف ما هو رد فعل لجنة صياغة الدستور أثناء إجراء تعديل المادة والبعض أثار اتهامات حول اللجنة القضائية المشرفة علي انتخابات الرئاسة فماذا حدث؟! ** في البداية فإن الحالة داخل اللجنة قبل بدء تعديل المادة كانت مثيرة للضحك المتواصل عند بداية عرض المادة القديمة لأنها تمثل أصدق تعبير عن نظرية التعسف في الانحراف للتشريع والمادة تم تحويلها الي النقيض, فقد فتحت منافذ للترشح وأضافت معايير جدية الترشح وجعلت مادة الترشح كأصل عن طريق الاقتراع السري المباشر ومع الزام ضمانات جدية نزلت الي الحد الأدني بالنسبة للأحزاب السياسية بأن يكون لها مقعد واحد في أحد المجالس التشريعية, أما ما أثير عن اللجنة القضائية المشرفة علي انتخابات الرئاسة, فهي اتهامات باطلة لأن اللجنة الخماسية التشكيل جاءت من أعلي الهرم القضائي المصري وتشكلت برئاسة رئيس المحكمة الدستورية العليا وعضوية رئيس استئناف القاهرة وأقدم نائب بالمحكمة الدستورية وأقدم نائب بمحكمة النقض وأقدم نائب بمجلس الدولة أي ضمت قمم القضاء العادي والدستوري والاداري وأصبح للجنة صلاحية مطلقة ضد أي طعن أو تعطيل وتملك إمكان إلغاء الانتخابات. * وماذا عن مدد الرئاسة واقتصار مدة الرئاسة علي أربع سنوات هل كان هناك خلاف حولها؟ ** الهدف من تلك التعديلات كان الخروج من النصوص التي تصنع الديكتاتور وتنتج الحاكم الإله, فلابد من أن تكرس النصوص في الحياة السياسية تداولا حقيقيا للسلطة فأي رئيس تنتهي ابداعاته كإنسان خلال4 سنوات واذا كان صاحب مشروع قومي وحيوي فالشعب يملك التمديد له لأربع سنوات أخري, كما أن المادة88 حققت الأمنيتان وسلمت العملية الانتخابية في الجداول واعدادها وحتي إعلان النتيجة تحت اشراف قضائي كامل مرورا بعملية الاقتراع والفرز تحت اشراف أعضاء قضاة يتم ترشيحهم من خلال مجالس قضائية وليس وزير العدل, جعلت التقدم بأوراق الترشيح للمحاكم وليس هناك أي دور للشرطة سوي الوجود خارج المقرات الانتخابية فقط. * ولكن بعض رجال القانون يرون أن تعديل المادة93 وجعل الفصل في صحة العضوية من خلال المحكمة الدستورية العليا يمثل انتقاصا لمحكمة النقض التي كانت تتولي إصدار الأحكام في العضوية, ما تعليقك؟ ** علي العكس تماما فالفصل أصبح للمحكمة الدستورية العليا وأصبح التنفيذ بمجرد اخطار مجلس الشعب بالحكم وما حدث ليس انتقاصا من محكمة النقض التي لم تكن فيصلا في العضوية وكانت مجرد لجنة تحقيق وسكرتارية لمجلس لا ينفذ أحكامها من خلال قاعدة سيد قراره السابقة والمحكمة الدستورية العليا محكمة هي الأعلي في نظر القرارات الادارية والطعن عليها وأصبح مجال الطعن بداية من مجلس الدولة ونهاية بالمحكمة الدستورية, وكذلك المادة139 التي أوجبت شغل منصب نائب الرئيس والذي أصبح منصبه ملكا للشعب وليس لرؤية الرئيس, والمادة148 الخاصة بقانون الطواريء بعد التعديل أصبح لا يجوز لمجلس الشعب مده إلا باستفتاء شعبي وإلغاء المادة179. * وحول تعديل المادة189 من الدستور هل بالفعل تطرح وجوبية صياغة الدستور وانشاء جمعية تأسيسية ولعمل دستور جديد؟ ** لابد أن نوضح أن تلك المادة شهدت اضافة نصين جديدين بحكمين انتقاليين تنفذ لمدة واحدة بمعني أن التعديل يوجب علي مجلس الشعب القادم أن ينتخب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد بحيث يجتمع الأعضاء غير المعينين والقادمين بإرادة شعبية لأول اجتماع لمجلسي الشعب والشوري لإعلان نتيجة الاستفتاء علي التعديلات واختيار جمعية تأسيسية تهدف لعمل دستور جديد تعمل لمدة6 أشهر من انتخابهم ويتم عرض الدستور للاستفتاء خلال15 يوما علي الشعب, بمعني أن الرئيس القادم سيتعامل مع تلك الجمعية التأسيسية التي لم يخترها ولم يكن رئيسها وهذا يعني أن النص سوف يكون فوق الجميع. * وما هي رؤيتك للاعتصامات والمطالب الفئوية واستمرار التظاهرات باعتبارك أحد المشاركين في تلك الثورة؟ ** إن الاعتصامات الفئوية خطر علي التجربة الوليدة وتعويق لمسيرة الثورة والمطالب الفئوية هي مطالب قديمة ليست مرتبطة بالثورة, وارباك لبناء المؤسسات وضغط علي القوات المسلحة وتعطيل السلطة وأن معظم المطالب الفئوية يقف وراءها عناصر مشبوهة لا تريد الديمقراطية ومتطلبات المرحلة المقبلة, هي أن من أسقط النظام عليه إعادة البناء أما شخصنة القضايا فليس في مصلحة الديمقراطية وأؤكد أن مطالب الثورة تحققت بنسبة100%. * نريد أن نعرف ما هي تفاصيل القبض عليك ليلة جمعة الغضب وتفاصيل خروج أعضاء مكتب ارشاد الجماعة من سجن وادي النطرون؟ ** لقد كنت في منزلي بمنطقة سموحة بالاسكندرية مساء الخميس قبل جمعة الغضب وفوجئت في الساعة الواحدة صباحا بضابط أمن الدولة يصطحبني من منزلي ويسألني ماذا يحدث فقلت له هذا أمر طبيعي فمنذ عامين أو ثلاثة وأنتم كجهاز أمني تتحملون نصف ما يحدث من الثورة لأنكم تحولتم الي أمن للنظام وليس للدولة وزرعتم بذرة الكراهية لدي الشعب ثم اصطحبني ود. حمدي حسن والمهندس محمد ابراهيم من الاسكندرية الي معسكرات الأمن المركزي التابعة لمديرية6 اكتوبر بطريق الواحات ثم التقينا مع أعضاء جماعة الاخوان الذين تم القاء القبض عليهم من مختلف المحافظات والقاهرة لتحدث أزمة قلبية للدكتور مصطفي الغنيمي أحد قيادات الاخوان لنفاجأ بأن الطبيب المعالج له في خارج السجن, هنا أيقن الجميع أن جميع المقبوض عليهم من الاخوان بلا أي موقف قانوني وأنهم مختطفون ليتم حوار مع قائد المعسكرات ويتم ترحيل الجميع الي سجن وادي النطرون ولقينا معاملة طيبة أثارت الريبة, وفي مساء السبت29 يناير فوجئنا بقنابل مسيلة للدموع وسيطرة علي المساجين, وفي صباح الأحد فوجئنا بهروب الجميع وقمت بالاتصال عبر هاتف محمول قذف به إلينا داخل سجن الاخوان بأحد المحامين بمدينة السادات الذي بعث لنا بالأهالي الذين قاموا بتكسير وتحطيم باب السجن في أربع ساعات كاملة حتي استطعنا الخروج بما يدل علي أن هروب المساجين كان أمرا مدبرا من خلال وزارة الداخلية لأن السجن لا يفتح إلا بطريقة ميكانيكية ومن الداخل وليس من الخارج, وبعد الخروج وقف جميع معتقلي الاخوان والبالغ عددهم34 من بينهم د.عصام العريان ود.محمد مرسي الذي تحدث عبر الهاتف بالاعلام وبادارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية مؤكدا أن جميع الاخوان لم يهربوا وأنهم واقفون أمام السجن بالطريق الصحراوي بلا مجيب, ووسط عدم الاهتمام انطلق كل في طريق العودة لمنزله واستطعت العودة لمنزلي والمشاركة في التظاهرات بالاسكندرية ثم تلقيت مكالمة تليفونية من مكتب وزير العدل بأنني مرشح للانضمام للجنة صياغة الدستور وتعديلاته.