المرحلة الأولي 2025 أدبي.. مؤشرات تنسيق الثانوية العامة (الألسن 84.26%)    بحضور آلاف المواطنين.. مستقبل وطن ينظم مؤتمرًا انتخابيًا حاشدًا في قنا    مصدر: لا موعد مُحدد حتى الآن لعودة الكهرباء والمياه بالمناطق المتأثرة في الجيزة    لماذا دمج صندوق النقد مراجعتي مصر الخامسة والسادسة؟ محمد معيط يجيب    جهاز تنمية المشروعات: خطة لمضاعفة تمويل المشروعات الإنتاجية بالإسكندرية    وصول قطار الأشقاء السودانيين إلى محطة السد العالى بأسوان.. صور    هولندا تمنع الوزيرين المتطرفين سموتريتش وبن غفير من دخول البلاد    الخارجية الأمريكية تصف المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية بأنه «حيلة دعائية»    ستارمر على خطى ماكرون: خطة بريطانية للاعتراف بدولة فلسطين تلوح في الأفق    الرئيس الفلسطينى يثمن نداء الرئيس السيسى للرئيس الأمريكى من أجل وقف الحرب فى غزة    كارثة غزة: مجاعة تتوسع والموت ينتظر عند طوابير الخبز    جوتيريش: حل الدولتين أصبح الآن أبعد من أي وقت مضى    مصرع 30 شخصا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين فيفا واتحاد الكرة    قناة الأهلي: عبد القادر يريد الرحيل عن الأهلي والانتقال للزمالك    رئيس الإسماعيلي يعلق على أزمات النادي المتكررة    عاجل.. أحمد عبدالقادر يرد على طلب فسخ عقده مع الأهلي للانتقال للزمالك    «هبطلك كورة».. رسائل نارية من مجدي عبدالغني بسبب أزمة أحمد عبدالقادر مع الأهلي    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    القبض على رمضان صبحي لهذا السبب    ماجدة الرومي تتصدر تريند جوجل بعد ظهورها المؤثر في جنازة زياد الرحباني: حضور مُبكٍ وموقف تاريخي    اليونسكو: الإسكندرية مدينة الانفتاح والإبداع وعاصمة فكرية عالمية    من هو ريان الرحيمي لاعب البنزرتي الذي أشاد به ريبيرو؟    6 صور لشيما صابر مع زوجها في المصيف    "الحصول على 500 مليون".. مصدر يكشف حقيقة طلب إمام عاشور تعديل عقده في الأهلي    نشرة التوك شو| الوطنية للانتخابات تعلن جاهزيتها لانتخابات الشيوخ وحقيقة فرض رسوم على الهواتف بأثر رجعي    "إحنا بنموت من الحر".. استغاثات من سكان الجيزة بعد استمرار انقطاع المياه والكهرباء    تشييع جثماني طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما في حادث بالقاهرة    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 29-7-2025    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    لليوم الثالث على التوالي.. شكاوى من انقطاع الكهرباء مُجددًا في عدد من مناطق الجيزة| التفاصيل كاملة    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    «طنطاوي» مديرًا و «مروة» وكيلاً ل «صحة المنيا»    سعر الذهب اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 بالصاغة.. وعيار 21 الآن بعد الانخفاض الكبير    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الثلاثاء 29 يوليو 2025    أخبار 24 ساعة.. انطلاق القطار الثانى لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    النجاح له ألف أب!    «قد تُستخدم ضدك في المحكمة».. 7 أشياء لا تُخبر بها الذكاء الاصطناعي بعد تحذير مؤسس «ChatGPT»    6 مصابين في حريق شقة سكنية بالمريوطية بينهم شرطي (تفاصيل)    في عامها الدراسي الأول.. جامعة الفيوم الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الجامعي 2025/2026    استشهاد 3 فلسطينيين جراء استهداف الاحتلال خيمة نازحين    لجنة للمرور على اللجان الانتخابية بالدقهلية لبحث جاهزيتها لانتخابات الشيوخ    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    نوسة وإحسان وجميلة    تعرف على برجك اليوم 2025/7/29.. «الحمل»: تبدو عمليًا وواقعيًا.. و«الثور»: تراجع معنوي وشعور بالملل    أحمد صيام: محبة الناس واحترامهم هي الرزق الحقيقي.. والمال آخر ما يُذكر    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    من تنظيم مستويات السكر لتحسين الهضم.. تعرف على فوائد القرنفل الصحية    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية تُقدم خدماتها الطبية ل 476 مواطناً    حزب مستقبل وطن بالبحيرة يدعم المستشفيات بأجهزة طبية    حرائق الكهرباء عرض مستمر، اشتعال النيران بعمود إنارة بالبدرشين (صور)    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزعيم الليبي قطع ارسال التليفزيون ..‏ ووضع حذاءه علي الشاشة

الزائر لليبيا قبل الأحداث الدموية الحالية يظن‏-‏ للوهلة الأولي‏-‏ أن العقيد القذافي قام بثورته منذ ايام فقط‏,‏ أو أنه سوف يجري انتخابات علي منصب الرئيس خلال أيام قليلة‏..‏ فاللافتات التي تؤيد القذافي وثورته وتدعو للصمود في مواجهة العدو تملأ الشوارع‏. وصور ه‏-‏ وهي أكثر شئ يمكن أن تراه هناك‏-‏ ليست عادية‏,‏ فهذه صورة لحظة التخطيط للثورة‏,‏ وتلك في مظاهرة‏,‏ وثالثة وهو يوزع المنشورات إلخ‏..‏
المراقب قبل أن تأخذه الدهشة بعيدا‏,‏ سوف يلمح لافتات تتحدث عن أول جماهيرية في التاريخ‏!,‏ وعن سلطة الشعب‏.‏ تلك اللافتات علي غرابتها في بلد لا يجري أي انتخابات سوف تزيل بعض الدهشة‏,‏ فالقذافي بعد نجاحه في ثورته عام‏1969‏ قام وما يزال بثورة أخري مستمرة‏,‏ بهدف الوصول إلي سلطة الشعب‏,‏ أي الشعب الذي يحكم نفسه بنفسه‏,‏ بلا برلمانات‏,‏ ولا حكومات‏,‏ ولا حتي رئيس جمهورية‏,‏ ولا تسأل كيف‏..‏ لانه لا جواب‏!‏ هذه الثورة المستمرة لها أعداء يحاربونها دائما‏,‏ ومرة أخري لا تسأل من هم‏!‏ بالتاكيد هناك أعداء وهم كثر‏,‏ خاصة لجماهيرية عظمي مثل ليبيا‏!‏ وهذا العداء ليس بسبب الأسلحة الذرية‏,‏ فموضوع الأسلحة يمكن حله وتفكيك البرنامج النووي كما حدث‏.‏وهو أيضا ليس صراعا إقتصاديا‏,‏ فليبيا تستورد كل شئ‏,‏ ولا تصدر أي شئ باستثناء البترول طبعا‏,‏ وبالتالي فالعالم لا يخشي غزو السلع الليبية‏,‏ ونفس الشئ في العلم والثقافة‏,‏ فلا علم هناك ولا ثقافة‏,‏ ورغم ذلك هناك أعداء‏,‏ وهم كما قلنا كثر‏..‏ فلماذا هذا العداء؟ الإجابة‏..‏ أنهم يا سادة ضد سلطة الشعب‏,‏ وضد النظرية الثالثة في الكتاب الأخضر للقائد معمر القذافي‏!!.‏
الأمر حقيقة لا طرفة فيه‏,‏ وتصدح به وسائل الإعلام الليبية في الليل والنهار ويتحدث عنه القذافي في خطاباته المفتوحة والمغلقة ولا يجرؤ أحد أن يناقشه فما هي حكاية سلطة الشعب تلك؟
الحكاية إنه في‏2‏ مارس عام‏1977‏ تم تغيير اسم ليبيا من جمهورية إلي جماهيرية أي دولة تقوم علي حكم جماهير الشعب طبقا للنظرية الثالثة من الكتاب الأخضر‏..‏ وحكم الجماهير يقتضي طبقا لهذه الفلسفة عدم وجود حكومة ولا وزراء ولا مجالس نيابية ولا انتخابات وإنما لجان شعبية هي التي تحكم وهي التي تقرر ما تشاء‏,‏ و الجماهير هم أعضاء في اللجان الشعبية وبالتالي لا حاجة إلي حكومات ولا مجالس نيابية‏..‏واللجان الشعبية تبدأ من القاعدة للقمة‏,‏ فبدلا من أن يكون القرار من المجالس النيابية إلي الحكومة فإنه يصعد من الجماهير‏,‏ حتي يصل إلي المؤتمر الشعبي العام وفي هذا المؤتمر تتم محاسبة أمناء اللجان الذين هم بمثابة الوزراء‏....‏ السؤال هو‏..‏ ما هي نتيجة هذه المحاسبة وما مدي جديتها ؟ الإجابة قد تكون في السطور القادمة‏.‏
فالقذافي في‏2‏ مارس‏2009‏ وهوعيد مولد أول جماهيريه في التاريخ‏!‏ قال‏:‏ أن اللجان الشعبية أي الحكومة فشلت في إدارة مرافق الدولة وأنه قرر أن يرد كل شئ إلي الشعب وأن يدير‏-‏ الشعب‏-‏ المرافق دون الاستعانه بالحكومه الشعبيه‏.‏ وأضاف أنه قرر توزيع ثروة البترول علي المواطنين بحيث يأخذ كل إنسان نصيبه من البترول شهريا وهو حر في هذا المال ينفقه كيفما يشاء‏..‏ يتعلم أو لا يتعلم هو حر هكذاقال ..‏ فالدولة أو الجماهيرية منذ هذه اللحظة‏,‏ غير مسؤولة عن التعليم‏,‏ أو الصحة‏,‏ أو أي من أمور الدولة‏,‏ وسوف يتم تسليم كل مرافق الدولة للمواطنين‏..‏ ولكي يؤكد أن هذا ليس استثاء عن دول العالم قال‏:‏أن أمريكا التي تضربنا بصواريخها وطائراتها‏,‏ كل شئ فيها ملك للقطاع الخاص‏.‏ هكذا أكد قائد الثورة‏-‏ اللقب المفضل للقذافي الآن لإنه يتسق مع سلطة الشعب التي ليس فيها رئيس وإنما قائد فقط‏-‏ في خلط واضح بين الرأسمالية والفوضي‏..‏وأضاف أن هذا سيتم في جميع اللجان أي الوزارات عدا لجنتي الدفاع والأمن لأنهما يخضعان له مباشرة‏..‏ السبب في هذا القرار أن أعضاء المؤتمر الشعبي العام اتهموا الحكومة بالتقصير والفساد‏..‏ فجاء الحل‏..‏ إلغاء الحكومة‏!‏
كوميديا العقيد القذافي السوداء لا تنتهي‏,‏ ففي نفس الخطاب قال القائد‏:‏ لاتشكر من يعطيك بيتا أو سيارة لأن هذا حقك في البترول‏..‏ وحدث تصفيق حاد‏..‏ كان المعروف في ليبيا الجماهيريه أن كل الأشياء ملك جماهير الشعب‏,‏ وإذا قام شخص بتأجير منزله لآخر‏,‏ فإنه لن يحصل علي الإيجار‏,‏ وسيصبح المنزل ملك للمستأجر وبذلك أصبحت البيوت لا يسكنها إلا صاحب البيت وأولاده‏,‏ أما الإيجار فيكون للأجانب فقط‏!!,‏ ونفس الأمر لو أشتري سيارة بالتقسيط لا يدفع الأقساط‏,‏ وتصبح السيارة ملكه‏,‏ وهكذا في قروض البنوك تأخذ القرض ولا تدفع الأقساط إلخ‏.‏ فكل شئ ملك لكل الشعب‏..‏
القذافي بالطبع لا يسمي ما يفعله فوضي وإنما يزف لشعبه البشري بأنه لا يفعل مثل حكام الدول البترولية الأخري التي لا تجعل لشعبها نصيب في البترول‏,‏ وهو في الغالب ملك للعائلات الحاكمة وفي دول أخري ملك للشركات الخاصة التي استخرجته لكنه في ليبيا ملك للشعب‏.‏ وإذا كانت الإدارة الشعبية وقبلها الحكومة قبل الثورة بيدها أموال البترول‏,‏ ولكنها فشلت في تقديم الخدمات للمواطنين من تعليم‏,‏ وصحة‏,‏ و سلع تموينية‏,‏ وتربية دجاج‏,‏ وبناء مطارات‏,‏ وأدوية‏,‏ إضافة إلي الإهتمام بالزراعة‏,‏ والصناعة‏,‏ والثروة البحرية والحيوانية‏,‏ فيجب أن يعود كل شئ إلي الشعب مرة أخري‏..‏ تصفيق حاد‏..‏
بترول بالمليارات ومرتبات هزيلة
والقذافي وهو يشرح أوضاع دولته المتدهورة‏,‏ والفساد الذي يرتع في جنباتها‏,‏ يعترف بالعجز أمام غول الفساد‏:‏لقد قمنا بعمل رقابة ثورية‏,‏ ورقابة شعبية‏,‏ ورقابة مالية وفنية وإدارية‏,‏ ورغم كل هذه الأجهزة‏,‏ ظهر واحد في بني غازي صرف علي نفسه‏600‏ مليون دينار‏,‏ واحد فقط لإنه ماسك اللجنة الشعبية للمالية‏..‏والمصارف سرقوا الفلوس لإنهم أعطوها لإهلهم ولقبائلهم‏..‏ وطبعا هناك واسطة في كل شئ سواء قروض أو علاج في الخارج أو تعليم‏..‏ ومهما عملت تأتي بسيدنا محمد تأتي بعيسي بموسي لن يستطيع أن يحل هذه الاشكاليات لإنها مترتبة علي المعطيات الموجودة‏..‏
ورغم ذلك لديه إيمان مطلق بالفوضي غير الخلاقة التي ينتهجها و يطلق عليها سلطة الشعب‏,‏ و يكرر في معظم لقائاته إن قرارات المؤتمرات الشعبية دائما تدين اللجان الشعبية بأنها قصرت وقصرت ولم تنفذ كذا ولم تقم بكذا وعدم وعدم هذه العدمية سائدة في كل المؤتمرات الشعبية‏..‏ إذا كان كل ما هو حكومي مطعون فيه الحل إذن خلاص إلغاء الحكومة‏..‏ الدولة قصرت اللجان الشعبية تسرق‏..‏ اللجان تضحك علينا‏..‏ إذن تلغي الحكومة أو اللجان الشعبية ويعود كل شئ إلي الشعب‏!!‏ أي يأخذ كل إنسان نصيبه من البترول‏.‏
وهنا يبرز السؤال الأهم هل حقا وزع القذافي أموال البترول علي الليبين ؟ الإجابة بكل بساطة لا‏..‏ لم يحدث ولن يحدث لأنه يعني حدوث تضخم مهول في الأسعار كما يري المحللون والخبراء‏.‏ ثم إن هناك شئ آخر بسيط يؤكد ما نقول‏,‏ والسادة الكبار في الجماهيرية العظمي يعرفونه جيدا‏.‏ فليبيا التي باعت بترولا بأربعين مليار دولار عام‏2009,‏ تتراوح مرتبات الموظفين فيها بين‏150‏ و‏200‏ دينار فقط‏(‏ كيلو اللحم ب‏15‏دينار‏)‏ والأغرب أن هذه المرتبات تتأخر دائما بالخمس والستة شهور‏,‏ وكثيرا ما تتأخر لمدة عام‏,‏ ولا يجرؤ أي مواطن علي الاعتراض‏..‏ مما يجعل ليبيا الدولة البترولية الوحيدة في العالم التي تتأخر فيها مرتبات الموظفين‏!!‏فكيف توزع الدول فائض دخلها وهي لم تعطي مواطنيها الحد الأدني من الحقوق‏,‏ الذي هو أجر العامل‏.‏ إنها حقا دولة غنية وشعب فقير‏!.‏
القذافي بين عبد الناصروالسادات
بالتأكيد كان القذافي حين قام بالثورة شابا يافعا يملؤه الحماس والإيمان بالمثل‏..‏ وكان اقترابه من الزعيم جمال عبد الناصر وإعجابه الشديد به من العوامل التي حددت كثيرا من أفكاره وخاصة عداوته لأمريكا والاستعمار‏..‏ من هنا كان يمكن للقذافي أن يكون تلميذا نجيبا للمدرسة الناصرية ولكن وفاة عبد الناصر المبكرة عام‏1970‏ بعد ثورة القذافي بأقل من عام جعلت القذافي يقود الطريق الثوري بمفرده وخاصة أن الرئيس السادات الذي لم يكن يثق القذافي مطلقا لم يستطع أن يملئ مكانة الرئيس عبد الناصر في عقل الثائر الشاب‏..‏ كان القذافي مؤمنا أشد الإيمان بالقومية العربية وفي القلب منها مصر‏..‏ وأراد أن يقيم وحدة بين مصر وليبيا وحدة إندماجية كاملة تصبح فيها ليبيا إحدي المحافظات المصرية مثل مرسي مطروح وقبل القذافي ذلك‏,‏ ولكن الرئيس السادات ماطل‏,‏ وقيل أن أمريكا رفضت‏,‏ وحذرت السادات‏.‏ أصحاب هذا الرأي يقولون أن أمريكا تخوفت من أن تضع مصر يدها علي البترول الليبي وعندئذ تصبح دولة كبري تهدد مصالحها في الشرق الأوسط‏..‏
ولكن ربما كان السادات يأخذ الأمر من قبيل عمليات التموية التي قام بها قبل حرب أكتوبر‏1973..‏ سواء كان الأمر يخضع للتهديد الأمريكي أو التكتيك الساداتي فإن العقيد القذافي أخذ الأمر علي محمل الجد‏.‏ وعندما أحس بتباطئ السادات أراد أن يجبره علي التعجيل بالوحدة‏..‏ فأعلن أنه استقال من منصب محافظ ليبيا وبعث وفدا ليبيا إلي مصر ليقابل الرئيس السادات ويطلب منه تعيين محافظ جديد بدل القذافي‏..‏ وتحرك الوفد الليبي بالسيارات ولكنه فوجئ بوفد مصري يلتقي به عند مرسي مطروح علي الحدود بين البلدين‏,‏ وكانت المفاجأة اتهام ليبيا بالهجوم المسلح علي مصر‏..‏
التقي الوفدان علي الحدود وأدرك الوفد المصري أن الليبين غير مسلحين وأنه لا يوجد هجوم علي الحدود وعرفوا القصة كاملة‏..‏ ولكن السادات لم يسمح للوفد الليبي بدخول مصر أو مقابلته‏..‏ وأحس بعض أعضاء الوفد المصري أنهم خدعوا فقرر كثير منهم عدم العودة إلي مصر وذهبوا مع الليبيين إلي طرابلس وعاشوا فيها ومنع السادات عودتهم إلي مصر مرة أخري وبعضهم مات في ليبيا ولم يسمح له بالعودة إلي مصر أبدا‏.‏
أفكارا هائمة وواقع بائس
ربما كانت تلك أول صدمة تلقاها القذافي في سبيل الوحدة‏..‏ لكن الرجل وإن أحس باستحالة الوحدة فإنه لم يتخل أبدا عن طريق الثورة‏....‏
ففي مارس‏1977‏ قرر إنشاء ا لجماهيرية الليبية كأول جماهيرية في التاريخ بهدف الوصول إلي سلطة الشعب‏..‏ والتي يعتبرها المحللون الضربة القاضية للتخلص من أصحابه في مجلس قيادة الثورة‏,‏ بحجة إعادة السلطة للشعب‏,‏ وكان الكثير منهم اختفي بالقتل أو النفي أو الإعدام‏,‏وبذلك أصبح هو القائد الوحيد علي رأس النظام السياسي‏,‏ والمرجعية الثورية الوحيدة في البلاد‏..‏
وبعد أن أطمأن إلي عدم وجود منافسين قرر أن يفعل بالبلد ما شاء‏,‏ وأن يجرب أفكاره الفوضوية‏.‏ المعمل أمامه براح بطول الوطن‏,‏ والبشر فئران تجارب‏.‏ لم يخترع القذافي شيئا يحصن شعبه ضد المرض والجهل والتخلف‏,‏ وإنما عمل علي تكريث هذا الثلاثي القاتل فغدا الوطن مشوها‏,‏ لا يستطيع أحد أن يوصفه تحت لافته أو عنوان غير الفوضي والارتباك‏.‏ فالرجل بعد أن أجهد الفكر السياسي نفسه للوصول إلي فكرة الدولة والحكومة ألغي بجرة قلم فكرة الحكومة وأفقد الدولة أهم مقوماتها حتي أصبحت الفوضي هي الحاكمة‏,‏ فلا قانون ولا نظام ولا إدارة لأي شئ‏,‏ والفوضي هي الحكم والقائد‏.‏وحتي لا يتهم الرجل بأنه يكرث حكمه الفردي فقد قرر في خطوة عشوائية أشد خطورة أنه ليس رئيسا وأنه لا يحكم وهو فقط قائد الثورة‏,‏وبذلك لم يعد في الدولة سلطة‏,‏ وأصبح هو سلطة مستترة تظهر حينا وتهيم وراء الأفكار الضبابية أحيانا كثيرة‏.‏ وبالتوازي مع ذلك حدث تضخم للأجهزة الأمنية العديدة وتوحشها‏,‏ حتي غدا لمكتب الاتصالات‏-‏ أحد الأجهزة الأمنية السرية‏-‏ سلطة إقالة الوزراء دون الرجوع للقذافي‏,‏فالرجل رغم أفكاره غير الواضحة لأمثالنا‏,‏ إلا أن هناك فكرة لا يستطيع ان يتخلي عنها أبدا‏,‏ وهي فكرة الأمن والأجهزة الأمنية التي تسيطر علي البلاد بقبضة حديدية تسمح له أن يجرب أفكاره كما يشاء في الشعب الليبي‏,‏ دون كلمة اعتراض واحدة في صحيفة أو مجلة أو منتدي ثقافي أو حتي جلسة خاصة‏,‏ فعيون الأمن أو شعار اللجان في كل مكان يحاصرك أني تذهب‏.‏ واللجان المقصودة هي اللجان الثورية‏,‏ التي تسللت كالأزرع الإخطبوطية في كل شئون الوطن الليبي ولها السيطرة والكلمة النافذة في كل مؤسسات الدولة من هرم السلطة إلي قمتها‏.‏وعيون الأمن الليبي ترقب كل شئ من المقاهي إلي المساجد ومن المدارس إلي الشوارع فكل سائقي التاكسي في ليبيا يعملون في الأمن‏.‏ ومسموح للمواطن الليبي أن يتحدث في كل شئ عدا السياسة‏,‏ سواء كان هذا المواطن من العوام أو من النخبة السياسية أو الثقافية‏,‏ مع ملاحظة أن ليبيا هي البلد الوحيد في العالم الذي قد لا توجد به نخب ثقافية أو سياسية وإن وجدت فهي مكممة بشكل لا يمكن معه أن تحس بوجودها من الأصل‏,‏ فكل الأسئلة في ليبيا بسيطة أو معقدة لا تجد لها إجابة غير الصمت‏,‏ لقد كممت الأفواه حتي كاد الناس أن ينسوا الكلام‏.‏ وغداالقاموس الليبي في الكلام لا تزيد مفرداته عن عشرين كلمة تقريبا مثل باهي وشنو وأكثر من ذلك هناك أشياء كثيرة ليس لها في ليبيا أسماء ويطلقون علي هذه الأشياء أسم الواحد مثل البتاع عندنا مع ملاحظة أن البتاع عندنا له أسم وأن الكلمة تقال ويكون معروف المقصود منها بينما هناك يشيرون إلي الشئ‏,‏ لا يعرف أسمه لا المتكلم ولا السامع وتكون كلمة الواحد هي الحل‏,‏وهكذا يتعاملون مع أشياء كثيرة باسم الواحد فهل هناك فقر في العالم أكثر من فقر الأسماء‏!‏
غرائب الجماهيرية
الغرائب والطرائف في ليبيا لا تنتهي‏,‏ ففي فترة من الفترات تم إلغاء التعليم الإبتدائي‏,‏ واصبح التعليم يتم في المنازل‏,‏ حيث تقوم الأم بتعليم ابنها القراءة والكتابة وتمنحه الشهادة الإبتدائية وكان يعترف بهذه الشهادة‏,‏ لكن هذه الطريقة الغير مسبوقة في التعليم قابلتها عقبة واحدة ماذا لو كانت الأم غير متعلمه؟‏..‏البديهية علي بساطتها كانت كفيلة بإلغاء التجربة والعودة إلي نظام التعليم المدرسي‏!‏
يمكن أن نشير أيضا إلي إلغاء تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس‏,‏ كما تم تعريب كل شئ فلا يوجد شئ ينطق باللغة الإنجليزية‏,‏ فكل سيارات الأجره‏(‏ تاكسي أو ميكروباص‏)‏ أصبح أسمها ركوبه عامه‏,‏ والفيلم السينمائي أصبح شريط خيال الظل‏,‏ وحتي الأشهر تم تغييرها‏,‏ فيناير أصبح أي النار المعني المقصود أين النار في برد يناير القارص‏,‏ وفبراير أصبح النوار كناية عن تفتح الزهور ومارسالربيع‏..‏ وأبريل الطيرهجرة الطيور‏,‏ ومايو الماء شهر المطر‏,‏ ويونيو الصيف‏,‏ ويوليوناصر نسبة إلي ثورة يوليو وحبا في عبد الناصر‏,‏ وأغسطس أصبح هانيبالالقائد الليبي الذي حارب الرومان بدلا من أغسطس الذي يرجع للأمبراطور الروماني الشهير‏,‏ وسبتمبر الفاتح ثورة الفاتح من سبتمبر الذي قام بها العقيد القذافي في‏1969,‏ وأكتوبر التمور نسبة للتمر‏,‏ ونوفمبر الحرث حرث الأرض بعد الحصاد‏,‏ وديسمبر كانون وليس هذا تشابها مع شهر كانون ولكن يقصد به تجهيز الكانون لمقدم الشتاء أما أغرب ترجمة في العالم فكانت ترجمة الأسماء حيث ترجم اسم جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق إلي جمعة أبو بكر‏!!‏
أما أكبر النوادر فحدثت حينما تم قطع الارسال التليفزيوني فجأة وظهرت صورة حذاء استمرت حتي صباح اليوم التالي وكانت حذاء القذافي
كما أنه في أحد الأيام غضب من بعض الوزراء فجمع أختام الوزارات والهيئات وأغلق عليها مكتبه وتعطلت مصالح المواطنين ما يقرب من شهر بسبب غياب الأختام في مكتب العقيد‏.‏
وغرائب القذافي أخذت شهرة دولية بعد أن كادت تتسبب في إلغاء زيارته لفرنسا الصيف قبل الماضي حين صمم علي أخذ خيمته الشهيرة وقبلت فرنسا بعد جدل كبير وتمت الزيارة‏.‏
وحينما قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة إلي طرابلس في شهر أبريل‏2009‏ لم يذهب القذافي لاستقباله في المطار وإنما استقبله وزير الدفاع الليبي أو ما يطلق عليه أمين اللجنة العامة المؤقته للدفاع اللواء أبو بكر يونس جابر‏-‏ الوحيد الباقي من ضباط ثورة القذافي‏-‏ بينما استقبله القائد في منزله‏,‏ المنزل الذي تعرض للقصف الأمريكي أيام الرئيس ريجان عام‏1986,‏ جاء بوتين إلي ليبيا في زيارة تاريخيه تعد الأولي لرئيس روسي بعد رفع الحصار الأمريكي عن طرابلس الذي أستمر أكثر من‏10‏ سنوات‏..‏ المعني من الزيارة كان واضحا فبعد أن تفقد بوتين آثار العدوان الأمريكي وسجل أسمه في سجل الشرف‏,‏ قام بزيارة قبر الجندي المجهول لضحايا الغارة الأمريكية ووضع إكليلا من الزهور‏,‏لكن المفاجأة كانت في قيام بوتين بزيارة قبر محمد عبد السلام حميدأبو منيار القذافي والد العقيد ووضع إكليلا من الزهور‏!‏
وكذلك فإن صورالقذافي في كل مكان في المحلات والمقاهي والسوبر ماركت وصالونات الحلاقة وعند بائع الخضار وفي المدرسة والجامعة والفنادق والملاعب والمطاعم وكل الوزارات والهيئات الحكومية والخاصة وفوق الكباري وتحتها وفي المطارات والشوارع ولا يوجد حائط واحد إلا وعليه صورة القائد وهو يشير بيده ويبتسم بينما الوطن لا يكف عن الألم‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.