منذ عدة أيام تم اغتيال احد قادة الجناح العسكري لحركة حماس هو السيد محمود عبدالرؤوف المبحوح خلال إقامته في احد فنادق دبي, ولاشك أن هذه العملية تعيد فتح ملف تعامل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مع تنظيمات المقاومة العربية, فرغم تعدد عمليات الاغتيال والتصفية التي قامت بها إسرائيل لقيادات وعناصر من مختلف فصائل وتنظيمات المقاومة, إلا أن ثلاث من هذه العمليات تمثل علامات فارقة علي هذا المستوي وتحتاج إلي مزيد من الاهتمام للخروج منها بدروس مستفادة. الأولي, عملية اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي أمين عام حركة الجهاد الفلسطينية, وذلك خلال وجوده أمام الفندق الذي أقام به في عاصمة مالطا عند عودته من حضور مؤتمر جماهيري في ليبيا أنذاك والملاحظ هنا انه اقام في الفندق عند ذهابه إلي ليبيا, والفندق المذكور معروف ان بعض الليبيين كانوا يمتلكون اسهما في ملكيته في ذلك الوقت, ونزلت فيه بعض الوفود التي شاركت في ذلك المؤتمر, وقد أقام الدكتور الشقاقي في ذلك الفندق أيضا عند عودته وهو في طريقه للرجوع إلي دمشق محل إقامته, ولم تكن هناك حماية كافية له, وقام باغتياله عميلان من المخابرات الإسرائيلية يركبان موتوسيكلا علي باب الفندق المذكور وأثير حينذاك أن احد العملاء كان مزروعا في الدائرة المقربة من الدكتور الشقاقي وهرب بعد الحادث. وتعتبر عملية اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية في دمشق علامة بارزة ثانية فالرجل كان مطلوبا ليس فقط من المخابرات الإسرائيلية ولكن كذلك من المخابرات الأمريكية والفرنسية, لانه خطط وادار عمليات ناجحة ضد أهداف وشخصيات من هذه الدول في لبنان وخارجها, وظل مجهول الإقامة لسنوات وهدفا للمتابعة الأمنية الدقيقة, وكانت صحيفة إسرائيلية قد أوضحت في تقرير لها قبل الاغتيال بأسبوعين ان مغنية وصل دمشق, وهو ما كان يتطلب الانتباه واتخاذ أقصي درجات الأمن, ورغم ذلك تم اغتياله في وضح النهار في احد الاحياء الراقية في مدينة دمشق اثر حضوره اجتماعا مع قيادات أمنية سورية, وكان يسير بلا حماية أو تحاط تحركاته بالسرية المطلوبة, رغم حجم الرجل وموقفه القيادي. وتأتي عملية اغتيال محمود المبحوح خلال إقامته في احد فنادق دبي الأسبوع الماضي كحلقة في هذه السلسلة الطويلة. وهو أيضا من القيادات ذات الوزن الثقيل في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس, وهو مطلوب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لإدارته وتنفيذه لعمليات مميزة ضد إسرائيل من أهمها اختطاف جنديين إسرائيليين, كما كان من قادة الانتفاضة الفلسطينية الأولي, كما أنه احد كبار المسئولين في حماس عن ملف التعاون العسكري والأمني بين الحركة وإيران, ويتولي في نفس الوقت مهاما علي درجة كبيرة من الأهمية خاصة التنسيق بين الحركة وحزب الله وتوفير الدعم المالي لحماس وتهريب الأسلحة إلي الداخل, وسبق تعرضه هو وبعض افراد اسرته لعمليات انتقامية من جانب أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية, كما سبق محاولة اغتياله بالسم خلال وجوده في احد فنادق بيروت منذ عدة شهور علي حد قول أخيه, وتشير المعلومات التي كشفت عنها سلطات الأمن في مدينة دبي انه تم اغتياله داخل حجرته في الفندق وكان لحظتها وحيدا دون أي حماية أمنية. العمليات الثلاث المذكورة وهي عينة مما يجري من لعبة المخابرات بين إسرائيل وتنظيمات المقاومة, تكشف عن عدد من الحقائق التي تطرح علامات استفهام لاتزال تبحث عن اجابات شافية, وهو ما يتضح من الملاحظات التالية. الملاحظة الأولي: أن العمليات الثلاث تمت لعناصر تقيم في دمشق, ومن الواضح ان متابعة تحركاتها بدأت من هناك وهو ما يرجح وجود اختراقات في الدوائر الضيقة المقربة من الشخصيات الثلاث وداخل التنظيمات التي تنتمي اليها. وهو ما يهدد ليس فقط أمن تلك التنظيمات ولكن الأمن القومي السوري نفسه وكأن هذه ضريبة تدفعها سوريا لاحتضانها تلك التنظيمات. الملاحظة الثانية: أن هناك خللا واضحا في تعامل تلك التنظيمات مع التهديدات الإسرائيلية, والأمر لايعني قدرات فائقة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية, بل أن طبيعة تلك الحوادث تكشف عن سذاجة واضحة وتهاون وملامح علي خيانة, وأن الأمر ينتهي في كل مرة بمهرجانات تأبين ترتفع فيها حدة الخطابة, وتؤكد أن الرد سيكون قاسيا وعلي امتداد العالم, وهو ما لم يتحقق فيما سبق ودون تحقيقات كافية تؤمن عدم تكرارها مستقبلا. الملاحظة الثالثة: أن العناصر القيادية الثلاثة مسحوبة بصورة أو بأخري علي إيران, وتتولي ادوارا تنسيقية بين حركة تنظيماتها والتحرك الإيراني في المنطقة وفي ملف التعامل مع إسرائيل, وهو ما جعلها أهدافا أكثر أهمية, سواء لاجهاض حركة تلك التنظيمات أو لمحاصرة الحركة الإيرانية. الملاحظة الرابعة: أن اغتيال محمود المبحوح لاتتحمل مسئوليته أجهزة الأمن في دبي فالمدينة مفتوحة كأي مدينة كبيرة في العالم وبالتالي يسهل الدخول اليها من جميع الجنسيات, والمسئولية هنا تقع علي عاتق الجهة التي ينتمي اليها المبحوح, وهي عملية يمكن تكرارها في أي مدينة في العالم, إلا أن المثير للتساؤل هنا أن المرحوم المبحوح سبق له الإقامة في نفس الفندق عند تردده سابقا علي دبي, وانه كان يؤمن إقامته في غرفته من خلال وضع بعض الاثاث الثقيل خلف الباب وهو ما يدعو للتعجب, والمثير للتساؤل أيضا انه جاء من دمشق المعروف فيها للدوائر الرسمية بجواز سفر قيل انه عراقي وانه كان يقوم بمهام تنسيقية مع إيران, والسؤال هنا إذا كان الأمر كذلك لماذا لم يسافر مباشرة من دمشق لطهران, وهل يعني ذلك أنه كان يقوم بمهمة سرية داخل دولة الإمارات أو في مدينة دبي وما هي طبيعتها؟ الملاحظة الخامسة: ان كبار المسئولين في حركة حماس سارعوا بالربط بين عملية الاغتيال وزيارة وفد إسرائيلي لدولة الإمارات, والتلميح بأن من قاموا بالاغتيال كانوا ضمن هذا الوفد. وهو نوع من الهروب لعدم تحمل مسئولية التقصير ومحاولة خلط الملفات, خاصة وان القائمين بمثل تلك العمليات لايحتاجون لدخول الدول والمدن الكبيرة إلي أن يكونوا ضمن وفود رسمية. هكذا يتضح ان نجاح المخابرات الإسرائيلية في تلك العمليات لاتعكس كما سبق القول قدرات خارقة لكنها تكشف عن انشغال تلك التنظيمات نسبيا بقضايا إعلامية أكثر من انشغالها بمهامها الحقيقية, وان اغتيال هذه القيادات تتحمل مسئوليته الاساسية الدوائر المعنية بتوفير الحماية لهم وتأمين تحركاتهم, وانه يجب الالتفات إلي حقيقة انه اذا كانت إيران تمثل هدفا استراتيجيا لإسرائيل, فإن التنظيمات التي تمثل بصورة أو بأخري أدرع لها صلاتها القوية بإيران, سوف تبقي هدفا رئيسيا لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية, خاصة وان هناك معلومات حول محطات تنصت إسرائيلية علي درجة عالية من التقنية يتركز عملها علي الاتصالات التي تتم ما بين دمشق وطهران, وقد يكون من المفيد أن يتم التحقيق بدقة واهتمام أكبر في عملية الاغتيال الأخيرة ليس من جانب سلطات دبي التي سيتركز عملها علي تحديد ملامح الجناة لأن ما تسرب في الصحافة الإسرائيلية حتي الآن يؤكد أنها المخابرات الإسرائيلية, ولكن المطلوب تحقيق داخل الدوائر المحيطة بالمبحوح والعناصر التي كانت علي دراية بتحركاته لضرب أية اخترافات إسرائيلية علي هذا المستوي. المزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات