كتب:عماد عريان ماذا يصدقون الجزيرة ويكذبون التليفزيون المصري؟لماذا يثقون في العربية ولا يهتمون بما تقوله قنوات النيل؟ ولماذا يبحثون عن ال بي بي سي وسي. إن. إن والحرة ويهجرون قنواتنا الفضائية والارضية العديدة العاملة علي مدار الساعة؟ وجملة أخري من الاسئلة لم نكلف أنفسنا مشقة البحث عن اجابات لها واكتفينا بالمنع والقطع والمصادرة والتضييق علي من يمارسون عملهم بحرفية ومهنية عالية مادامت وسائلهم الاعلامية تقول الحقيقة التي تغضب من يحاولون قتل الحقائق في مهدها. لعل مشهدا واحدا عاشه ملايين المشاهدين داخل مصر وخارجها يقدم اجابة شافية ومختصرة وأيضا عميقة الدلالة للاسئلة السابقة,هذا المشهد وقع يوم جمعة الغضب الموافق82 من يناير الماضي وقد توالت أحداثه ساخنة عاصفة أثر صلاة جمعة ذلك اليوم ووفقا لما نقلته الجزيرة علي الهواء مباشرة وميدانيا من قلب الاحداث وعلي مدي الساعة, كانت القناة الفضائية تتحدث عن صدامات عنيفة في مدن مصرية مختلفة وفقا لما خبرناه في ذلك اليوم,ولكن بكبسة زر صغيرة علي جهاز التحكم عن بعد لمتابعة تغطية القنوات المصرية لاحداث تلك اللحظات كان التليفزيون المصري يكتفي بنقل بيانات لمصادر امنية مسئولة تؤكد أن كل شئ تحت السيطرة وأن الاجواء هادئة باستثناء بعض أعمال الشغب,وكنا نحن المشاهدين علي استعداد لأن نصدق التليفزيون الرسمي فقط لو أن الامور سارت علي هذا النحو,ولكن حدث تطور درامي فضح التليفزيون المصري ووضعه في حرج شديد بداية من الساعة الخامسة والنصف علي وجه التقريب بإعلانه عن قرار الحاكم العسكري فرض حظر التجوال ونزول الجيش الي الشوارع لاستعادة السيطرة بعد تبخر جهاز الامن بأكمله في لحظات,وكم كانت المفارقة غريبة والتناقض عنيفا,من هدوء وسيطرة أمنية الي حاكم عسكري وحظر تجول ونزول الجيش! أين الحقيقة اذن؟ الحقيقة عند الجزيرة المتهمة بالمبالغة والاثارة والتسييس ولكنها علي أية حال ليست متهمة بالكذب. وحتي لا نتجني علي الاعلام الحكومي أوالقومي المرئي وحده تبقي الاشارة واجبة الي أن الصحافة القومية هي الاخري سقطت سقوطا مروعا في المشهد الاخير برمته والذي بدأ قبل الخامس والعشرين من يناير الماضي وتحديدا مع تطورات الاحداث التونسية,ولا مبالغة في القول بأن الاعلام المصري وخاصة الصحافة القومية قد لعبت دورا أشد خطورة وربما خدمت شباب حركة السادس من ابريل خدمة العمر مرتين من حيث لايحتسبون,الاولي عندما تعاملوا مع الحالة التونسية باستهتار شديد وهونوا من شأنها مستبعدين تكرارها في مصر انطلاقا من أن مصر عظيمة وكبيرة ومترامية الاطراف جغرافيا وشعبها08 مليون نسمة ولا تنطبق عليها معايير الحالة التونسية فضلا عن أن مصر بها حرية اعلام تصل الي حد انتقاد رئيس الدولة ولا شك في أن تلك التحليلات والتوقعات تلقي بظلالها علي صناع القرار وهم بكل تأكيد لايستقون المعلومات ولا دراسات أو بيانات تحليل الموقف من جهات صحفية أو اعلامية فقط ولكن عندما تكون هذه التحليلات والتوقعات من نخبة مثقفة ومفكرين علي درجة رفيعة من الوعي السياسي فلا شك في أنها تدفع بالنظام وصناع القرار الي الاستكانة ولو من قبيل الطمأنة الزائفة للنفس,وأغلب الظن أن تلك التحليلات خدمت الثائرين وأضرت بالنظام. والمرة الثانية التي ساهمت من خلاها الصحافة القومية في تضليل الرأي العام وصناع القرار بما أسهم في تأجيج المشهد الراهن هو تلك الاستهانة والغطرسة والعنجهية المقيتة التي تعامل بها القائمون علي أمر تلك الصحف عشية تفجر أحداث الخامس والعشرين من يناير وفي الايام الاولي من تفجر الاحداث,وقد كان هناك استشعار من البعض لحجم الخطورة القادمة لدرجة تندرنا معها بأن الحكومة احتفلت بعيد الشرطة يوم الثالث والعشرين حتي تتفرغ لقمع المظاهرات والمتظاهرين يوم الخامس والعشرين,بينما كانت هناك أياد كثيرة في الماء البارد تهون من المتوقع حدوثه الي أن وقعت الاحداث وفوجئنا بجريدة الاهرام الغراء تنشر صباح يوم الاربعاء خبرا عن تبادل الورود والشيكولاته بين الشعب والشرطة بينما كانت روائح قنابل الغاز تزكم الانوف واثار معارك باقية علي الارض أما المانشيت الرئيسي للصفحة الاولي فما أعجبه! جاء يحمل أنباء اضطرابات وتوترات في لبنان!وغلبتنا روح التندر مرة أخري بأن هناك خطأ مطبعيا وضع كلمة لبنان مكان مصر,ولكن واقع الامر لم تكن هناك أية أخطاء مطبعية وانما كان ذلك مقصودا بكل ما فيه من سقوط مهني وصحفي وسياسي واخلاقي,وذلك ببساطة لان القائمين علي أمر تلك الصحف يقدمون ذاتهم الحزبي والسياسي علي ذاتهم المعني وبحكم ارتباطهم بالحكومة وانتمائهم للحزب الوطني فقد رأوا معالجة الاحداث علي هذا النحو ولو بالتزوير والتزييف وعلي حساب الحقيقة علي أرض الواقع. وغني عن البيان أن الصحافة القومية واصلت سقوطها الذريع في الايام التالية من خلال تغطيتها المخجلة وعناوينها الرئيسية الكوميدية علي غرار الملايين التي خرجت تأييدا لمبارك بينما الغضب يجتاح مصر والعالم بسبب غزوة الجمل يوم الاربعاء الدامي,وصولا الي المانشيت المضحك عدوان فارسي علي مصر ونسوا أو تناسوا أن هناك أيضا عدوان عثمانلي علي مصر تمثل في تصريحات رئيس الوزراء التركي بحتمية التغيير واستبدال النظام السياسي لانهاء الازمة. كل هذا السقوط جاء مصحوبا أيضا بتحليلات وتوقعات خاطئة علي غرار الحالة التونسية فرأوا أن ما حدث يوم الخامس والعشرين من ينايروعلي لسان مسئول كبير في الصحافة القومية مجرد لعب عيال وتصرفات غوغائية وحتنتهي حتنتهي علي حد قوله, وبقدر ما في تلك التصريحات من أمنيات بقدر ما فيها من تسييس وتوجهات حزبية وأيضا ضعف مهني جسيم انعكس علي طبيعة التغطية في تلك الاحداث وما سبقها من تطورات أخري وذلك هو بيت القصيد من وراء تلك السطور. فسقوط الاعلام القومي في تلك الاحداث ليس وليد اليوم وانما هو سلسلة من التطورات المتراكمة تمثلت في اختيار شخصيات يأتي ولاؤها السياسي والحزبي قبل ولائها للمهنة وقدراتهم الصحفية فارتموا في أحضان الحزب الحاكم والتصقوا بأذرع الحكومة علي حساب الشعب والحقائق والمهنة ذاتها,بل تحولوا الي منفذين لسياسات ومطالب حكومتهم داخل صحفهم.