في ميدان التحرير.. يشيع بين شباب25 يناير ويسود مناخ عدم الثقة فيما يردده المسئولون من وعود براقة يطلقونها لفتح نوافذ الأمل.. لكن الفجوة بين الوعود والواقع تتسع. ويفرض المكان عليهم مشاعر خوف من مطاردات أمنية قد يتعرضون لها فور الخروج من قلب المظاهرات وعبور ميدان التحرير. كل في طريق حياته. لم تعد الوعود تؤثر فيهم أو تقنعهم أو تبعث بداخلهم الطمأنينة, يريدون ضمانات موثقة للخروج من ميدان التحرير بأمان, يريدون كلاما واقعيا يقبل التطبيق علي أرض الواقع ويواكب أحلاما داعبت خيالاتهم. يؤمنون بأن ماحققوه يصل الي سقف مطالبهم لكنهم استيقظوا علي كابوس يطاردهم وخوف جارف اذا وقعوا تحت طائلة القانون. لم يخف أحمد محمود طالب بالفرقة الثانية بالقسم العبري بعين شمس مشاعر الخوف الساكنة بداخله من تبعات مشاركته في المظاهرة. فله تجرية سابقة مع الأمن وخبرة سيئة لايريد نسيانها. وعلي حد قوله.. دخلت الي ميدان التحرير ولا اتصور انني سأخرج منه دون مساءلة قانونية. ويضيف لم أثق في الوعود التي يقولها المسئولون فمن السهل التغاضي عنها وكم من وعود كان يقطعها البعض علي نفسه وتذهب ادراج الرياح. أريد واقعا عمليا وضمانة حقيقية للمستقبل. لا أريد ان اخوض فيما كنت اتعرض له من قبل الأمن.. نحن نريد حرية طالما نعبر عنها في قنوات شرعية. يقف الي جواره سامي زكي يعمل في شركة خاصة كمحاسب ومتزوج حديثا ليمسك بخيط الحديث قائلا أعمل في شركة خاصة ساعات طويلة ورغم ذلك لا أجد أجرا عادلا يحقق لي حياة كريمة ومستوي اجتماعيا ملائما, لقد جئت الي هنا لتغيير الواقع الاجتماعي الذي نعيش فيه ولم نحضر لاسقاط الرئيس, هناك عناصر أخري كثيرة جاءت الي الميدان لتقفز فوق المكاسب التي حققناها ولاعلاقة لنا بهم نحن جئنا لنرسم مستقبلا أفضل.. لكننا نشعر جميعا أننا علي خلفية ذلك اصبحنا في ورطة وخوف من مطاردة الأمن بعد الخروج من الميدان وانتهاء المظاهرات.. نحن نريد ضمانة حقيقية بألا يتعرض لنا أحد, ما حققناه شيء يدعو للفخر والاعتزاز ويكفينا ذلك. علامات الخوف وتبدو علامات الخوف مرسومة علي وجه أكرم سمير الذي تخرج قبل عامين من كلية الحاسبات والمعلومات ولم يجد فرصة عمل فأقام مشروعا مع الصندوق الاجتماعي للتنمية وأغلقه بعد شهرين بسبب الضرائب ولم يجد بعدها فرصة عمل أو فرصة زواج. وعلي حد قوله, الشباب كان في حاجة الي هذه الثورة حتي يسمع صوتنا المسئولون, وهذا ما كنا نريده.. لم نكن نريد اكثر من ذلك.. لكن بعد ما تحقق صحونا جميعا علي مشاعر الخوف عندما نخرج من ميدان التحرير وملاحقات الأمن. يريد الدكتور يحيي جعفر استشاري الطب النفسي وضع صياغة نفسية محددة لشباب52 يناير حتي يتسني فهم طبيعة المناخ الذي يحيط بهم في هذه اللحظة الراهنة.. فقال.. ذهبت الي ميدان التحرير حيث يتجمع هؤلاء الشباب.. لأدرس سلوكهم وأسلوب حياتهم وأحلل طبيعة هذه الشخصية التي فجرت آفاقا رحبة لأحلام وطن.. فوجدت أن هناك أزمة ثقة بين هؤلاء والمسئولين في الدولة.. لم يعد يصدقهم أحد فيما يقولونه من كلام. الشباب يعيش في واقع مؤلم ومحبط يحيطه مصير مجهول.. ليس فيه مستقبل مشرق وكان عليهم اقتحام هذا المصير المجهول أملا في تغيير الواقع الذي يعيشون فيه. ولديهم أزمة ثقة في كل شيء.. هؤلاء لابد ان نعيد معهم بناء جسر الثقة الذي انهار بفعل عوامل عديدة خلفتها سياسات لم تضع في اعتبارها احتياجات هؤلاء الشباب وتطلعاتهم للمستقبل وأحلامهم الغائبة. هذا الشباب النقي علي حد قوله دخل ميدان التحرير بحثا عن أحلام مفقودة ومستقبل مظلم ولم يشأ الخروج منه إلا عندما يستعيد واقعا جديدا وأملا جديدا وحياة مختلفة ووعودا صادقة. ولو استطعنا اضاءة المنطقة المظلمة التي يراها هؤلاء بقرارات صادقة ووعود حقيقية فلن يجلس واحد منهم هناك. ويقيني ان الخطاب الاعلامي الذي يتبناه أحمد شفيق رئيس الوزراء والسيد عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية يقف علي أعتاب طريق حقيقي لنزع فتيل الأزمة واحتضان هؤلاء الشباب, كون مايخرج عن لسانهما يحدوه مصداقية واقرب الي الواقع وفيه مواجهة وتصد لإحساس عدم الأمان الذي خلفته مظاهرات ميدان التحرير علي هؤلاء. والذي انعكس علي سلوكهم بشكل ترك داخل وجدانهم مشاعر خوف غائرة ولذلك تجدهم داخل الميدان جوار بعضهم البعض في مجموعات ويصعب ان تجدهم متفرقين. هذا الشباب المدافع عن مستقبله الباحث عن أحلامه بحسب قول الدكتور يحيي جعفر استشاري الطب النفسي لايملك بداخله مشاعر عدوانية عندما دخل الي ميدان التحرير لكن بعد انغماسة في المظاهرات بدأ العدوان يتحرك بداخله. ورغم ذلك لم يستطع واحد منهم التخلص من الخوف الساكن بداخله فقد أجبره المناخ الذي يعيش فيه ويحيط به علي اعتناق مشاعر مضطربة. وأهم واخطر من ذلك ان مايردده البعض عن هؤلاء برغبتهم في رحيل الرئيس مبارك كشرط للحوار لم يكن من صناعتهم وانما صناعة آخرين استثمروا ماحدث لمصلحتهم.. فمازال هؤلاء ينظرون للرئيس نظرة الوالد. وهؤلاء لم يستطع أحد منهم كسر النظرة الي الوالد.. فمازال الاحساس بتلك المشاعر يغلفها احساس قوي ولذلك لم يطلب أحد منهم رحيل الرئيس مبارك.. كونه الوالد الذي ينظر اليه نظرة لها خصوصية شديدة. خريطة حياة جاءت نظرة الدكتور رشاد عبداللطيف استاذ تنظيم المجتمع بحلوان ونقيب الاجتماعيين السابق اكثر نقاء لشباب25 يناير, وحسبما يقول ذهبت الي ميدان التحرير كي أمارس دوري كاخصائي اجتماعي في فهم السلوكيات التي دفعت هؤلاء لأن يبادروا في رسم خريطة حياة لمستقبلهم فوجدت شبابا أصحاب قضية لديهم أحلام يريدون لها الوجود.. أحلام بسيطة وواقعية ومشروعة.. فرصة عمل حقيقية ومناخ يبعث علي العدالة داخل عمله وشقة في مكان مناسب وفتاة يبدأ معها حياته.. من حق هؤلاء أن يجدوا مناخا ملائما ومنطقيا لتحقيق أحلامهم.. هؤلاء يريدون مجتمعا جديدا.. حاولوا البحث عنه في مظاهرة تعبر عن أحلامهم وطموحاتهم.. فقط أرادوا احتياجات البقاء. ووسط ميلاد حلمهم وجدوا سقف الطموح ارتفع ومع الاسف تحاول فئة ذات مصالح استخدام احلامهم الطيبة الطاهرة لتحقيق اغراض سياسية.. لن تفتح لهؤلاء نوافذ المستقبل. وبحسب قوله فان شباب52 يناير لم يستطع مغادرة ميدان التحرير بعد ما وجدوا فيه ثمرة أحلامهم وبات بينهم وبين المكان رباط وثيق. لو وضعت الحكومة في اعتبارها مطالب هؤلاء الشباب عبر اقوال حقيقية وواقعية وقابلة للتطبيق علي أرض الواقع فلن نجد واحدا منهم لايزال يقف هناك.. لذلك أجد أن علي الحكومة دورا مهما ومؤثرا في هذا الصدد بأن تتجاوب مع مطالب الشباب الحياتية وتعيد بناء جسور الثقة التي انهارت بفعل عوامل اجتماعية مختلفة تتعلق بغياب العدالة وشيوع الواسطة والمحسوبة وتعيين قيادات لاتلقي القبول الشعبي كل هذا يفرض علي الشباب مناخا محبطا ومولما يزيد رقعة المنطقة المظلمة أمامهم. هؤلاء الشباب في حاجة شديدة الي حوار المستقبل وتحقيق مطالبه الحياتية. كل مايتحدث عنه الناس علي حد قول الدكتور رشاد عبداللطيف استاذ تنظيم المجتمع ونقيب الاجتماعيين السابق لايعبر عن مكون احتياجات الشباب الذي فجر الثورة في محاولة لتغيير الواقع والبحث عن أدوات تحقق له احلامه.. هؤلاء مطالبهم مشروعة وذات صلة وثيقة بمتطلبات الحياة. ولذلك أجد علي الحكومة ضرورة وجود حوار حقيقي ومباشر مع الشباب يواكب أحلامهم وطموحاتهم ولايعكس مزايدات يحاول البعض الخروج منها بمكاسب شخصية.. هؤلاء لم يطالبون برحيل الرئيس مبارك فقط يريدون حياة أفضل ومستقبل أرحب ووفاء باحتياجاتهم الحياتية. الخوف يحيط بشباب52 يناير مناخ خوف ساد علي خلفية أزمة ثقة ولده احساس عام ترشح في المجتمع ووفق مايقوله الدكتور رمضان بطيخ استاذ القانون الدستوري بحقوق عين شمس.. بأن هؤلاء الشباب لديهم الآن احساس قوي بأن ماحققوه يعد مكاسب حقيقية ترضي طموحاتهم وأحلامهم في المستقبل.. لكنهم أمام مأزق حقيقي يدفعهم نحو عدم مغادرة ميدان التحرير في ظل هذه الأزمة الراهنة.. خوفا من بطش الشرطة واستخدام قانون الطوارئ ضدهم علي اعتبارهم مارسوا عملا سياسيا.. خاصة عندما شاهدوا كثيرا من زملائهم يتم القبض عليهم, وهنا يتولد لديهم الاحساس بالخوف من مغادرة المكان. واتصور أنه لو خرج الرئيس حسني مبارك وأصدر قرارا بقانون يلغي فيه قانون الطوارئ وفق صلاحياته التي كفلها الدستور.. فإن ذلك يشجع كثيرا من الشباب علي مغادرة ميدان التحرير والقضاء علي مناخ عدم الثقة والأمان الذي فقدوه علي ضوء هذه الاحداث. هؤلاء الشباب لن يستطيعوا مغادرة ميدان التحرير دون موثق يصون حقهم فيما فعلوه, كونه تعبيرا سلميا أقدموا عليه. عندما نطالب بالغاء قانون الطوارئ فإن ذلك يدفع هؤلاء نحو الشعور بالأمان وبعث مناخ الثقة في وجدانهم.. خاصة ان وجود قانون الطوارئ علي مدي تلك السنوات الطويلة لم يقدم شيئا في التصدي للارهاب. يذهب الدكتور حمدي عبدالرحمن استاذ القانون الدستوري بعين شمس الي منحي آخر, يقول عنه انه من الممكن لبعث الطمأنينة داخل نفوس هؤلاء الشباب فانه من الممكن اصدار عفو عام لهم كضمانة حقيقية إنه لن يستطيع أحد اخضاعهم تحت طائلة القانون كخطوة أولي للتصدي لما اعتراهم من مشاعر خوف ورهبة. ويرفض الدكتور رمضان بطيخ استاذ القانون الدستوري.. الايمان بإصدار عفو عام عنهم, كون هؤلاء علي حد قوله لم يرتكبوا جريمة فعلوها وصدرت بشأنهم احكام واجبة النفاذ.. هؤلاء قاموا بثورة شعبية طالبت بمطالب عادلة وتلاقت مع شريحة كبيرة من المجتمع. ولذلك فإن الافضل والاصلح إلغاء قانون الطوارئ اذا كنا نريد بث روح الطمأنينة داخل نفوس هؤلاء الشباب.