تعطيل الدراسة ب5 مدارس في دسوق بسبب مولد إبراهيم الدسوقي    رغم ارتفاع أسعار الوقود.. «الزراعة» تؤكد استقرار أسعار اللحوم وتتعهد بمواجهة الغلاء    بيانات صادمة.. 61 مليون طن من الأنقاض تخنق غزة    مصطفى البرغوثى يثمّن دور مصر فى إفشال مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة.. فيديو    الخطيب: شركات الأهلي نجحت في تحقيق أهدافها    داخل مقطورة مغطاه بالبوص الشامي ".. تفاصيل أغرب ضبطية لسلاح والمخدرات في قنا    عرض جثمان الشاب المقتول على يد صديقه فى المنوفية على الطب الشرعى    فيلم "دائما" يحصد نجمة مهرجان الجونة الذهبية والمصري "الحياة بعد سهام" أفضل فيلم عربي بمسابقة الأفلام الوثائقية    "اكسترا نيوز" تكشف آخر الاستعدادات لحفل افتتاح المتحف المصري الكبير(فيديو)    نبيل فهمى: ما يجرى فى غزة يشكل لحظة فارقة فى تاريخ الصراع الفلسطينى الإسرائيلى    الزمالك يوضح حجم إصابة نجميه    هل بدأ عهد التوافق بين الفصائل الفلسطينية؟.. عماد الدين حسين يجيب    موعد تغيير الساعة للتوقيت الشتوي 2025 في مصر وكيفية ضبطها    مسؤول روسي: إمكانية التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة لا تزال قائمة    وزارة النقل: ميناء أكتوبر الجاف يوفر فتح بيان جمركى والكشف والمعاينة بنفس الوقت    وزير الزراعة: جمع وكبس أكثر من 800 ألف طن لقش الأرز    مصر تحصد 13 ميدالية و4 كؤوس في بطولة أفريقيا للمياه المفتوحة    مواعيد مباريات الجولة 12 من الدوري المصري والقنوات الناقلة    المنصورة تهزم ديروط بثلاثية بدوري المحترفين وتعادل سلبى بين الترسانة ولافيينا    إيقافات وغرامات بالجملة على الأهلي، عقوبات الجولة ال11 للدوري المصري    80 عاما على تأسيس الأمم المتحدة.. المشاط: مصر شريك فى دعم أجندة التنمية    الكنيسة الكاثوليكية تشارك في أعمال المؤتمر الدولي السادس لمجلس الكنائس العالمي    جمارك مطار أسيوط تحبط محاولة تهريب كمية من مستحضرات التجميل    إصابة 3 أشخاص فى انقلاب سيارة ربع نقل على مدخل الصحراوى بقرية النمسا بالأقصر    ضمن مبادرة "صحح مفاهيمك".. ندوة علمية حول الأمانة طريق النجاح بأوقاف الفيوم    أسعار العملات العربية والأجنبية مقابل الجنيه فى البنك المركزى    مسئولون اسرائيليون يشككون فى قدرة قواتهم على تدمير أنفاق غزة    برج الدلو هيحول التراب لذهب.. 3 أبراج حظها المالى هيتحسن بكرة    وزير التعليم العالي ومحافظ الإسكندرية يشهدان تكريم الدكتور خالد العناني    لو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت.. أزهرى يجيب عن حكم قبول الهدايا.. فيديو    قوافل الخير تواصل دعم الأسر الأكثر احتياجًا بالإسكندرية    القاهرة الإخبارية تكشف: ضم الاحتلال للضفة الغربية قائم رغم نفى واشنطن    لأصحاب الإيجار القديم.. الأوراق المطلوبة للحصول على شقة من الإسكان البديل    ضبط 3997 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    ضبط طن لانشون غير مطابق للمواصفات بمدينة قها    ضبط تشكيل عصابي للترويج للأعمال المنافية للآداب بالمنيا    وزارة الرى تعلن أسباب ارتفاع منسوب النيل وتؤكد: الاستمرار فى إزالة التعديات    إنقاذ حياة شاب تعرض لحادث واستئصال ورم بجدار البطن لسيدة بمستشفى الإبراهيمية بالشرقية    تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تعلن عن مرشحيها في انتخابات مجلس النواب 2025    محافظة الجيزة تخصص شاشات عرض كبرى بالميادين لمتابعة افتتاح المتحف المصري الكبير    ليفربول قد يخسر مهاجمه أمام برينتفورد    مريضة تهدد طبيبة نساء بالسحق.. أطباء بني سويف توضح ملابسات الواقعة "تفاصيل"    سقوط محامي في قبضة الأمن وبحوزته كمية من "الشابو" في قنا    ساندويتش السمك المشوي.. وصفة المسلسلات التركية (طريقة تحضيرها)    واشنطن تحدد مسار المرحلة الثانية من خطة ترامب لغزة وسط تحفظات عربية وإسرائيلية    وزير الدفاع والفريق أحمد خليفة يلتقيان رئيس أركان القوات البرية الباكستانية    تفاصيل حالة ابتسام زايد بعد إصابتها القوية ببطولة العالم للدراجات    آس: رافينيا خارج الكلاسيكو ومدة غيابه تمتد لشهر    وزارة الصحة تعلن محاور المؤتمر العالمي للسكان والتنمية البشرية    عالم أزهري: أكثر اسمين من أسماء الله الحسنى تكرارًا في القرآن هما الرحمن والرحيم    جذوره تعود لآل البيت.. من هو إبراهيم الدسوقي بعد تعليق الدراسة أسبوعًا بسبب مولده؟    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. وحكم الاستماع إليها من الهاتف    سر ساعة الإجابة يوم الجمعة وفضل الدعاء في هذا الوقت المبارك    أفضل الأدعية والأذكار المستحبة في يوم الجمعة وفضائل هذا اليوم المبارك    متابعة المشروعات وتنظيم المواقف والبنية التحتية.. أبرز أنشطة التنمية المحلية الأسبوعية    هل تم دعوة محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يحسم الجدل    قيادي بتيار الإصلاح الديمقراطي الفلسطيني: 3 ركائز أساسية لضمان نجاح اتفاق وقف النار    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر في عيون الصغار‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 02 - 2011

لم تكن الأم تعرف أنها إلي جانب احتمالها لمسئولية تربية الأبناء في غياب الأب للعمل بالخارج‏,‏ وأنها ستضطر إلي حمايتهم جسمانيا ونفسيا‏, لم تكن لتدري أنها ستتحمل هذا العبث وحدها مثل العديد من الأمهات الذين يقومون بدور الأب والأم في حال سفر الأب‏,‏ أو طلاق الأم‏,‏ أو ترملها‏,‏ كانت تعرف أن المظاهرات اندلعت في ميدان التحرير يوم الثلاثاء‏25‏ يناير‏,‏ وكانوا في عطلة رسمية احتفالا بعيد الشرطة‏,‏ لكنها لم تجد الوقت لتحكي لهم لماذا اختيار هذا اليوم؟ لكنها ذهبت إلي عملها وتركتهم في حماية الجد والجدة‏.‏ يوم الأربعاء أعدت أولادها للنزول للمدرسة متحلية بالشجاعة‏,‏ مستمتعة بشعور الأطفال اللامحدود بالأمان وهم يذهبون إلي المدرسة‏,‏ أليس هذا ما تقوله الأم لهم دائما‏..‏ نذهب للمدرسة لنتعلم‏..‏ لنستمتع بالحياة ونبني بلادنا؟ أليست هذه هي الكلمات التي تقولها لهم دائما إذا ما قال أحدهما لا أريد أن أذهب إلي المدرسة اليوم؟ لكن الأم فوجئت بالمدرسة تحدثها تليفونيا قائلة‏:‏ إن الابنة ستعود للبيت‏,‏ وإن المدرسة في إجازة لحين إشعار آخر‏,‏ وبدأ الخوف يدق في قلب الأم‏..‏ نعم علمت أن هذه هي البداية‏..‏ لقد دب الخطر وعليها أن تعلم وأن تتعلم بماذا تجيب عن الأسئلة التي ستطرح عليها‏..‏ وعادت الابنة في التاسعة والنصف صباحا بعد أن كانت قد غادرت في السادسة والنصف صباحا‏.‏
عادت لتسأل‏:‏ ماذا حدث؟ لماذا عدنا؟ هل سيطلقون النيران علي المدرسة؟ لقد سمعت من الفتيات الأكبر في المدرسة أن البلد تعاني اضطرابات‏..‏ وهنا أجابت الأم ابنتها ذات السنوات السبع‏:‏ عندما تنتهي المظاهرات في التحرير‏..‏ الطريق المؤدي إلي المدرسة سيكون كل شيء بخير‏..‏ وستعودين للذهاب إلي المدرسة‏,‏ وأكدت الأم عليها أن لديها عملا كثيرا تقوم به لذلك ستذهب إلي عملها وتبقي الابنة مع الجد والجدة‏,‏ وعليها ألا تخشي شيئا‏.‏ يوم الخميس أعدت الأم ابنها للذهاب للمدرسة مؤكدة عليه أن هذا عمله وعليه أن يذهب إليه مادام الطريق آمنا إلي المدرسة‏..‏ فذهب الطفل عائدا بدمية من القماش سائلا أمه أن عليها أن تلتقط له معها بعض الصور‏,‏ مثلما يفعل باقي الزملاء في فصله‏,‏ فوعدتهم الأم بالذهاب للحديقة في يوم الجمعة والذهاب للتسوق مع الدمية والتقاط بعض الصور معها ليعود بها إلي المدرسة بعد انتهاء عطلة نهاية الأسبوع‏,‏ ولأن الأم كانت تعلم بخروج المظاهرات يوم الجمعة من مسجد مصطفي محمود القريب من المنزل‏,‏ فقد ذهبت لشراء فيلم فيديو للكاميرا ونزلت بهم يوم الجمعة قبل انتهاء الصلاة للسوبر ماركت المجاور للمنزل والتقطت له بعض الصور مع الدمية داخل المكان‏,‏ وفي أثناء خروجهم من السوبر ماركت رأت المظاهرات تتحرك في شارع البطل أحمد عبدالعزيز في اتجاه التحرير‏,‏ وبدأ الطفلان في الإسراع‏,‏ وبدأت تظهر عليهما علامات الرعب بعد أن عرفا ما هي المظاهرات؟ فهذه كانت المرة الثانية التي يشاهدان فيها المظاهرات‏.‏
فمظاهرات الثلاثاء‏25‏ يناير تحركت من العديدمن شوارع مصر‏,‏ مارة بالبطل أحمد عبدالعزيز‏..‏ وهو شارع رئيسي بالمهندسين دائما ما تمر فيه السيارات والأفراد بعد انتهاء مباريات الكرة‏,‏ خصوصا في انتصارات المنتخب الوطني‏,‏ لهذا ما كان من الطفل ذي السنوات الخمس إلا أن يسأل أمه عندما شاهد الجماهير تحمل علم مصر هاتفة بعدة مطالب‏:‏ هو كان فيه ماتش امبارح؟‏,‏ فأجابته الأم يومها وهي مبتسمة‏:‏ لا دي مظاهرة‏,‏ ولأن الكلمة جديدة تماما علي مسمعه سألها يعني إيه؟ فأجابت أنها إحدي الوسائل التي يطلب بها الأفراد ماذا يريدون‏,‏ فسألتها الابنة‏:‏ ولماذا خرجوا للمظاهرات؟ فأجابت الأم‏:‏ لارتفاع الأسعر‏,‏ والبحث عن وظيفة‏,‏ لكن في مظاهرات يوم الجمعة دخلت شعارات المظاهرات في منعطف جديد‏,‏ وكان علي الأم أن تفكر ماذا تقول لهم‏,‏ وبماذا ترد علي أسئلتهم؟ فالجد من المحاربين القدماء‏,‏ ودائما ما يشاهد الأخبار ولم يرده يوما أو يسمعوا لأحد في المنزل يقول شيئا عن الرئيس‏,‏ وفجأة سمعوا الهتافات‏:‏ يريد الشعب تغيير النظام‏,‏ فسأل الصبي عن ماذا يعني إيه الشعب؟ فأجابت الأم‏:‏ الناس الذين يعيشون في مصر‏,‏ واستمرت الهتافات التي لم يكن من الممكن مشاهدتها إلا من البلكونة‏,‏ فدار الحوار بين الابن وابنة خالته يسقط يعني يقع‏,‏ وبادر الابن بسؤال أمه لماذا يريدون حسني مبارك أن يقع في منزله؟‏,‏ فابتسمت الأم وأدارت دفة الحديث عن الغذاء‏,‏ وأنهم لابد أن ينتهوا من طعامهم‏,‏ ومنذ تلك اللحظة ككل المنازل في مصر‏,‏ لم يكن مسموحا إلا بمشاهدة القنوات التليفزيونية الإخبارية‏,‏ وبدأ الأطفال في متابعة المشاهد والتحليلات الإخبارية‏,‏ والاستماع إلي المكالمات التي أسهمت في ازدياد حالة التوتر والاطمئنان في آن واحد‏,‏ ومنذ تلك الليلة والرعب دب في المنازل للكبار والصغار‏,‏ خاصة بعد الإعلان عن ظهور البلطجية‏,‏ وارتفاع دخان الحرائق في الهواء‏,‏ فتساءل الأطفال‏:‏ ماذا يعني بلطجية؟ فأجابت الأم‏:‏ هم من لم يذهبوا إلي المدارس واختاروا أن يعملوا بالسرقة والإجرام‏..‏ هم المجرمون الذين تسعي الشرطة دائما للقبض عليهم‏,‏ ثم استمرت الأسئلة‏:‏ من أين أتوا؟ ولماذا لم تقبض عليهم الشرطة الآن مثلما كانت تفعل؟ فلما تجد الأم إجابة لهذه الأسئلة‏,‏ فأدارت الحديث عن ضرورة الالتزام بموعد النوم ودعتهم لاختيار قصة لتقرأها لهم‏,‏ وبالفعل خلد الطفلان للنوم والأم تشعر بالخوف عليهما‏..‏ كيف أعيد لهما شعورهما بالأمان‏.‏
وفي صباح اليوم التالي ذهبت لعملها مؤكدة لهم أنه لابد من الذهاب‏,‏ وعليهما أن يتحلا بالشجاعة‏,‏ وأن يضعا في مخهما أنهما شجعان وأنهما سينتظران عودة أمهما للمنزل بأمان‏,‏ ثم تأتي ليلة السبت واللجان الشعبية ظهرت في الشارع‏,‏ وهنا نادت الأم أطفالها ليروا كيف يدافع أبناء الحي عن منطقتهم‏,‏ وهي قاصدة أن توصل لأبنائها رسالة أن الوطن لا يترك ولا يصح ألا ندافع عن ممتلكاتنا عندما يظهر الخطر‏,‏ ذلك لأن الابنة عندما علمت بهروب البلطجية من الأقسام والسجون قالت‏:‏ إن علينا أن نترك مصر ونسافر للخارج‏,‏ فأجابت الأم بحزم شديد‏:‏ لا يمكن أن نترك بلدنا لأن المشكلات حلت بها‏..‏ إنها أجمل البلاد وأفضلها‏,‏ وإلا لماذا يحرص الجميع علي أن يستفيدوا منها ومن خيراتها والدول الأخري أرادت احتلالها دائما؟‏!‏ لذلك جاءت اللجان الشعبية مؤكدة كلام الأم‏..‏ هكذا البطولة والشجاعة‏..‏ لا أترك الحرامي يأخذ ممتلكاتي‏,‏ وألا أستسلم للمجرمين‏.‏
لكن الصبي بالفطرة تشجع أكثر منها برؤية اللجان الشعبية‏,‏ أما هي فكانت حريصة علي أن ينام بجوارها‏,‏ وأن تتأكد كل دقيقة من أن الباب مغلق‏,‏ وأن بوابة العمارة مغلقة‏,‏ ومع سعي الأم الدائم لتهدئتها‏..‏ بدأ الخوف يدب في قلب الأم‏..‏ ليس من المظاهرات والشجارات‏,‏ وإنما كيف أعيد لها إحساسها بالأمان‏..‏ كيف أشرح لها مواقف متضاربة ومتباينة يصعب علي سنها أن أحملها أكثر مما يحتمل‏,‏ أو يستطيع التعرف‏..‏ حتي جاء الأربعاء الأسود‏..‏ واشتدت وطأة الأحداث‏,‏ والإعلان عن الاشتباكات بجوار المتحف المصري‏..‏ وأعمال البلطجة‏,‏ ورمي النار علي المتحف‏..‏ فما كان منها إلا أن تحدث أمها تليفونيا في طريق العودة إلي المنزل للاطمئنان عليها‏,‏ وما أن عادت الأم حاملة لهما الحلوي لتشعرهما أن الأمور مثل الماضي‏,‏ ومثلما تفعل دائما‏,‏ حتي انهالت عليها بالأسئلة‏:‏ هل تعتقدي أن مدرستي احترقت؟ فأجابت الأم‏:‏ لا‏..‏ لماذا تقولين هذا؟ فأجابت الابنة‏:‏ إن المتحف المصري قريب من مدرستي وربما طالتها النيران‏..‏ فاحتضنتها الأم وقبلتها علي جبينها قائلة لها‏:‏ لا تخشي شيئا يا ابنتي‏..‏ إن المتحف في الطريق إلي المدرسة لكنه بعيدا عنها‏..‏ فلا تخشي شيئا‏..‏ وفي صباح الخميس‏..‏ استيقظت الأم لتري ابنتها ترسم علم مصر‏..‏ تكتب علي الورقة يا أبي‏..‏ يا أمي‏..‏ مصر في مأزق‏..‏ لا يجب أن تحترق‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.