في ليلة لن ينساها أحد, لا في مصر ولا في غيرها من الدول, ليلة بكي فيها المصريون حبا وعشقا لتراب هذه الأرض, خوفا من المجهول ورعبا من الغد المظلم, ليس رغبة في منصب ولا انتقاما أو قهرا لأحد. المصريون يحوطون علي مصر, يخشون عليها من الاختطاف في متاهة الفوضي بعد أن أوشكت أن تنجرف وتزل أقدام بعض أبنائها. أصوات كثيرة عاقلة خرجت بعد صمت طويل ربما يعتبون علي تأخر بيان الرئيس مبارك لكنهم المصريون.. الطيبون.. المخلصون الذين لا يرتضون إلا العزة لبلدهم والتكريم لرئيسهم, والرفعة لهذا الوطن, هؤلاء الذين خرجوا يشكرون مبارك سجلوا لحظة جديدة في عشق الأوطان.. كتبوا كلمات مضيئة بدموع ظلت حبيسة الأجفان, وفيما بين المشاعر المرتبكة والأحداث المتلاحقة يدخل علي الخطوط الأخري بعض المشككين في نوايا الرئيس وهناك من يبادر بالرفض قبل فعل أي شيء وقبل أن تطلع ساعات النهار.. ربما الرفض لمجرد الرفض.. كثيرون في ربوع مصر كلها انتظروا هذه القرارات من الرئيس مبارك طويلا.. بل لم يكونوا يحلمون بها أو بأقل منها. الذي يعيد قراءة خطاب الرئيس مبارك الآن ويرجع الي خطابات القوي الوطنية وبيانات المتظاهرين خلال الأسبوع الماضي, ومن قبله وقبل أحداث تونس يلاحظ أن هذه المطالب كانت بمثابة الحلم الصعب للجميع, ولم يكن أحد يتصور أن يعلن رئيس عربي عدم الترشيح للرئاسة مرة أخري, وهذا مكسب كبير حققته الضغوط التي مارستها كل القوي ولهم كل الشكر, لكن كون البعض يشكك فهذا غير وارد لأن الوقت لا يتجاوز عدة أشهر, وهناك اتجاه جاد للحوار ودعوة لتقديم كل وجهات النظر والأهم من ذلك أن الاجراءات الفعلية لتنفيذ وعود الرئيس مبارك سوف تدخل التنفيذ خلال الأيام المقبلة, وسوف يتزامن معها محاسبة المفسدين.. دعونا نقرأ بهدوء ونناقش بنوع من العقلانية ولا نتعجل الوقت القصير جدا حتي لا نسقط في هوة تونس ونحمد للرئيس مبارك جسارته وثباته ورغبته في الحفاظ علي التماسك, وعلي حسب قول اللواء د. جمال مظلوم مدير مركز الدراسات السياسية والرئيس الأسبق لأكاديمية ناصر: يجب علينا أن نقدر قيمة الوطن ونجل القائد حتي لو كانت له أخطاء.. أنا حزين علي كل شيء فعله الشرفاء ولا يقدره الأبناء الذين لهم كل الحق والتقدير فيما فعلوه وهذا لا يمنع أن لدينا من تستوجب محاكمتهم بشكل عاجل وهم كثيرون.. أين العقلاء لكي يتحركوا لانقاذ ماتبقي من الكرامة واستعادة مافقدناه من الأمن أو الاقتصاد. فالحياة في مصر مصابة بالشلل التام وليس من المنطقي الاستمرار بهذا الوضع أو في حالة حظر التجوال الذي لا يطبق أصلا.. أنا في تقديري أن مافعله مبارك حتي الآن يكفي ويجب البناء عليه, لكن أن نتحول كلنا الي سياسيين وخبراء أمنيين وفقهاء قانون ونحن لا ندرك خلفيات كثيرة, فهذا نوع من الخطأ الكبير وربما يتحول الي نوع من العبث بمقدرات الدولة, لأن كل دولة لها مشاكلها ولها علاقاتها الداخلية والخارجية, وهناك ملفات كثيرة لا يعرفها الناس ومخاطر محدقة, وهو الأمر الذي يدعو الجميع الي الحديث حول فكرة التسليم الآمن للسلطة فهذا لا يعني أمن الأشخاص بل أمن البلاد والدليل علي ذلك ماحدث من إنفلات أمني هل يقدر أحد علي اعادة الأمن سوي رجال الشرطة ومساعديهم.. بالتأكيد لا.. لأن أهل مكة إداري بشعابها.. ومن ثم فهناك من يعرفون أوجاع هذا البلد ويجب علي شبابنا ان يتفهموا أهمية ان نستمع لبعضنا البعض وهنا يقع العبء الأكبر علي المثقفين والمفكرين المعتدلين لماذا لا يخاطبون هؤلاء الشباب, أنا أتذكر عندما كنا نريد ان نتكلم مع العدو الإسرائيلي كنا نخرج اليهم بالطائرات ونخاطبهم وأحيانا كان هذا الخطاب يفيدنا كثيرا فما بالك بشبابنا المتاح لنا التحاور معه في أي مكان وزمان. ويرفض مظلوم بشدة مايحدث من تطاول سواء في ميدان التحرير أو علي الفضائيات فمهما بلغت الأمور يجب ألا نتكلم عن رئيس مصر بهذه الطريقة, ومع تقديري لكل أبنائي من الشباب الذين يطلبون من النظام ترك البلد فهل يعرف هؤلاء الأبناء خبايا هذا البلد وهل يدركون حجم المخاطر ومن البديل الآن؟ ألسنا بحاجة الي وقت لتدبير الأمر؟ وفي محاولة لمعرفة وجهة نظره باعتباره طالب كثيرا بتعديل الدستور وحسم مسألة الترشح للرئاسة, علق المستشار رفيق البسطاويسي نائب رئيس محكمة النقض السابق بأن ماوصلنا اليه مهم جدا, ولم نكن نتوقع تحقيقه في هذا الوقت, وقد طالب القضاة بذلك طويلا وهنا يجب أن يتحلي الجميع بالحكمة, وأخشي ما أخشاه الالتفاف علي ما أعلنه الرئيس مبارك ويجب أن ندرك أنه كانت تحيط به طبقة عازلة تقدم له معلومات مشوهة وتصور له أشياء غير حقيقية, وهذا ما أوصلنا الي مانحن فيه, وأنا أتذكر ان الرجل عندما تسلم منصبه بكي علي الرئيس السادات وهو فعلا رجل وطني وعلينا أن نعطي الفرصة للبناء بهدوء وبالطرق الشرعية.. إذا كنا فعلا راغبين في استعادة الدولة المصرية وهيبتها. ويطالب المستشار البسطاويسي الرئيس بتنفيذ وعده لمحاسبة المفسدين, وأن تستعاد الأراضي والأموال التي نهبت من الدولة المصرية, وأن يعاد النظر في دور الحزب الوطني في الحياة السياسية, وأن يجري ذلك جنبا الي جنب مع الاطروحات التي تناولتها كلمة الرئيس. لو كانت الأرض المصرية تملك القدرة علي الكلام لقالت لنا كفوا عن اهانتي أمام العالم, فمصر لا ينبغي ان تدمر وتهدر كل مواردها وتغلق محالها, وما يتهدم في ثمانية أيام يحتاج الي سنوات طويلة لكي يعوض, هذا كلام الدكتور سامي عبدالعزيز عميد كلية الاعلام الذي طالب بأن نتجاوز عن كون الرئيس مبارك تآخر في الاستجابة لمطالب الشباب والقوي السياسية بل وفي تغيير الحكومة, لكن الذي حدث يعتبر أمرا تاريخيا يستوجب البناء عليه خاصة أن الرجل استجاب لبراءة الشباب لانه يعلم أنهم لا يحملون أجندات لا سياسية ولا تنظيمية.